العدد 4207 - الجمعة 14 مارس 2014م الموافق 13 جمادى الأولى 1435هـ

خلال أمسية ببيت الشعر: سيف الرحبي يلجأ للطفولة هرباً من الواقع

في فناء بيت الشاعر ابراهيم العريض أخذت الذكريات البكر والأسماء تتتالى واحدة بعد الأخرى؛ إذ راح الشاعر العماني سيف الرحبي يستعرض ذكرياته الأثيرة لديه عن أصدقاء الشعر والأدب والبدايات التي مازالت عالقة بذاكرته كونها ملامح باكرة شكلت ذاكرته عن البحرين وساهمت في تكوين هواجسه الادبية في تلك الفترة الباكرة من إبداعه وانفتاحه على الحياة والنص الأدبي الذي لم يكن في حينها بعيداً عن تعالقاته السياسية والاجتماعية وذلك في أمسية يوم الاثنين (10 مارس/ اذار 2014) توزعت بين شيء من السيرة الذاتية وشيء من الشعر الذي لم يكن يخلو من السرد كما هو نبرة الرحبي إذا طاب له المقام في ظل حضور جمع من الأصدقاء ورواد الشعر والأدب والثقافة.

راح الرحبي في لغة أخاذة شفيفة يستعرض ملامح تلك المرحلة «كانت تلك الفترة المواراة بأحلام التحرير والتقدم والعدالة بشكل يوتوبي على نحو من الاندفاع والصخب يغطي على الوقائع والتاريخ الذي لا يبقى منهما إلا ظلال بعيدة غائمة. كأنما النظر إلى ذلك القطار الحالم في ذلك العمر يحل بديلاً عن الواقع والصيرورة التي ستتخذ لاحقاً أبعادا قاسية وارتطامات مدوية على الصعيد العربي عامة. كان الجو السياسي الممايز يكاد يبتلع كل شيء في المجتمع الطلابي وكنت في آخر المرحلة الدراسية الإعدادية حين بدأت الاندماج في هذا المناخ لا يعدم ندوات أدبية وفكرية وإن اتخذت موقع الهامش أمام هيمنة مد السياسة وصخبها المتشعب».

في القاهرة تحضر الأسماء

وحين يستحضر الرحبي أطياف شخوصه فإن الأسماء تتداعى بلا توقف «وفي القاهرة تعرفت على أدباء البحرين البارزين مثل قاسم حداد، علي عبدالله خليفة، علي الشرقاوي، وعبدالله خليفة وعلوي الهاشمي الذي كان يدرس حينها الماجستير حين أصدر ديوانه الاول «من أين يجيء الحزن وأنت معي». وفيما يشبه المناخات الحلمية الملفعة بالضباب أتذكر حين التقيته مع عبدالعزيز المقالح في شقة الدقي وقاسم الزائر كان قد أصدر «البشارة» و «خروج رأس الحسين» في تلك الفترة وكان الديوان المتداول لعلي عبدالله خليفة «عطش النخيل» وقصيدة «عذاري» التي يحفظها الطلبة غيباً. وأتذكر محاضرة عبدالله خليفة عن ميلاد القصة في البحرين. هذه الذاكرة رغم الزمن الموغل في النأي والبعاد لم تحتج لمصادر، حيث العلم في الصغر كالنقش في الحجر حيث ربط خليفة هذا الميلاد بتحولات المجتمع، وبصراعاته وانقساماته الطبقية. وفي تلك الفترة قرأت بإعجاب مجموعة أمين صالح «الفراشات» والذي لم يزر القاهرة مثل أقرانه. كان مصدر إعجابي هو كسر هذه المجموعة ما كنت أقرأه في مصر من نمط قص سائد، وتأثر أمين المبكر وولعه بإنجازات السينما، وعناصر المشهد البصري الصادم. كان مفهوم الالتزام في تلك الفترة الغائم والملتبس والسائد في النقاشات الأدبية التي ليست إلا استمراراً تبعياً للمفاهيم والآراء السياسية الوافدة من كل حدب وصوب».

الهروب للنص الأدبي

ويضيف «كان ذلك النوع من السجال الأدبي جديدا بالنسبة لي أنا القادم من بيئة بالغة المحافظة على الصعيد الأدبي والاجتماعي. ولم تكن طلائع التحديث والتجديد وصلتها بعد. ومن الطلبة الذين كانت لهم ميول أدبية في ذلك الزخم السياسي حسن مدن، محمد حداد، وفوزية السندي، ولبنى الأمين. ومن القاهرة للشام وبيروت الجزائر، هنغاريا التقيت ببحرينيين كثر، وكوكبة كبيرة عادت لاحقا لتشارك في بناء الوطن السياسي والثقافي، وهي معروفة بأسمائها البارزة».

ويقول «المرحلة القاهرية كانت بالنسبة لي مع آخرين، مرحلة البراءة الأولى والوعي السياسي والفكري والعاطفي المتقد، هذه البراءة وتلك الطفولة التي ستنكسر تدريجيا كسياق منطقي لبروز الواقع على حساب الخطاب الحالم المحلق في سماء النظرية، تلك النظرية التي وصفها جوتة بالرمادية إزاء شجرة الحياة التي لم تكن على هذا النحو من الاخضرار في حياتنا العربية، حيث زلزال الجفاف والانهيار يضرب الشجر والحجر، وحيث الفتن التي اتخذت طابعا تاريخيا، يشبه قطع الليل المظلم وفق حديث كريم، آخذة في الصعود والتدمير لكل ما هو مضيء وجمالي وإنساني لعيش مشترك بين الشعوب وجماعات هذه الأمة، تلك البراءة التي ستنهار لاجئة للنص الأدبي والحلم لتقي نفسها من التلاشي والانقراض».

اللجوء للطفولة

ويختم الرحبي سرده لتخوم ذاكرة بكر «نلجأ إلى الطفولة والتذكر والحنين وهذه البراءة تلجأ للأدب بعد أن طردت بفظاظة من الواقع والتاريخ الدمويين؛ ليستحيل الأدب والشعر إلى مرافئ فاجعية لوجوه غابت ومدن دمرت كانت ذات يوم مرتعاً لعواطف وأحلام عامرة بالفرح والأمل الموؤودين في بداياتهما أو هكذا تحاول قوى الهمجية والظلام وسيادة قيم المال والافتراس والطائفية الساحقة لأية طفولة أو رؤية جمالية للوجود والعالم، إطفاء النور كما عبر بافلو نيرودا. شكراً للبحرين والبحرينيين الذين كانوا نافذة مبكرة في مراحل كثيرة تطلعت من خلالها إلى الأدب والفكر وإلى العالم الشاسع».

العدد 4207 - الجمعة 14 مارس 2014م الموافق 13 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً