العدد 4207 - الجمعة 14 مارس 2014م الموافق 13 جمادى الأولى 1435هـ

البناء الثاني لمسجد الخميس: النمط السامرائي

في الفصل السابق قدمنا بعض الأدلة التي ترجح أن البناء الثاني لمسجد الخميس تم في القرن التاسع أو بداية القرن العاشر الميلادي، وكانت هذه الأدلة تدور حول العمود الخشبي الذي يدعم سقف غرفة الصلاة والذي بقي حتى القرن العشرين، ولا يعرف عنه شيء حالياً. وقد أوضحنا أن هذا العمود عليه نقش الشهادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله»، ومن المرجح أن هذا النقش يعود للقرن العاشر الميلادي، كما أن هذا العمود يرتبط بزخارف على نمط زخارف سامراء التي تعود للقرن التاسع الميلادي (Diez 1925). كذلك، فإن نتائج التنقيب في المواقع الإسلامية في البحرين أثبتت أن هناك توسعاً في الاستيطان حدث على جزيرة أوال في القرن التاسع وبداية القرن العاشر الميلادي، وهذا التوسع ارتبط بانتشار فخار خاص منسوب لسامراء (Sasaki et. al. 2011) ،(Frifelt 2001, p. 15) ،(Carter 2005). يذكر أن الرأي الوحيد المعارض لنظرية Diez هو رأي Kervran التي لم توضح سبب معارضتها لفرضية Diez ولم تدعم رأيها بأي دليل علمي واضح (Kalus 1990, p.26, footnote 1) ،(Kervran et Kalus 1990, p. 33).

في هذا الفصل سوف نضيف بحثاً آخر يدعم، أيضاً، من نظرية Diez. هذا البحث يتناول نمط البناء الثاني لمسجد الخميس.

بناء مسجد الخميس الثاني

تناولنا سابقا بناء المسجد الأول الذي بني في موقع مسجد الخميس والذي رجحنا بناءه مع تأسيس البلاد القديم، والذي لم يتبق من آثاره إلا جدار القبلة. هذا البناء تم تجديده، ربما في القرن التاسع أو بداية القرن العاشر كما سبق أن رجحنا في الفصل السابق، وتم بناء مسجد آخر فوقه. البناء الثاني والذي تقع آثاره تحت المسجد الحالي لم تتبق من آثاره إلا بقايا جدران يبلغ ارتفاعها قرابة 60 سم، هذه البقايا تحدد شكل المسجد وأبعاده (Kervran et Kalus 1990, p. 19). وقد وصفت Kervran الآثار التي تبقت من هذا المسجد بصورة مفصلة، حيث جاء في دراستها، انه تم إقامة جدار فوق جدار القبلة للمسجد الأول، وحفر في هذا الجدار محراب بشكل المحراب القديم وفي موقع المحراب القديم نفسه تماماً باستثناء أن المحراب الجديد اصغر من سابقه بقليل. وتم إكمال بناء غرفة الصلاة وذلك بإقامة ثلاثة جدران أخرى من الحجارة الكبيرة على الجوانب الثلاثة لجدار القبلة. وقد تم إضافة فناء، غير مسقف، للمسجد ملاصق لجدار غرفة الصلاة الشرقي. وهكذا، أصبح هذا المسجد الجديد يتكون من غرفة هي غرفة الصلاة وتبلغ مساحتها 8.2 م X 6.7 م، وتابع لهذه الغرفة فناء غير مسقف أكبر من غرفة الصلاة بقليل حيث تبلغ مساحته 8.2 م X 9.5 م. وفي وسط غرفة الصلاة بنيت قاعدتان من الحجارة متباعدتين عن بعضهما وذلك لدعم الأعمدة الخشبية التي كانت تدعم هيكل البناء. ويوجد لغرفة الصلاة مدخلان في الجدار الشرقي الفاصل بينها وبين الفناء (Kervran et Kalus 1990, p. 18 - 20).

وما تبقى من هذا البناء الثاني هو جدران لا ترتفع فوق السطح أكثر من 60 سم ولا تتجاوز 25 سم تحت سطح الأرض. وقد حفظت الجدران على الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية لغرفة الصلاة بصورة ممتازة. أما بالنسبة لجدران الفناء فالجدار الوحيد المتماسك الصخور هو الجدار الشمالي، أما الجدار الشرقي فلم تبق صخوره متماسكة بل متزعزعة ومقتلعة، أما الجدار الجنوبي فقد اختفى تماماً (Kervran et Kalus 1990, p. 19).

الغريب في هذا الوصف أن Kervran تذكر وجود قاعدتين من الحجارة ترتكز عليهما أعمدة خشبية لدعم السقف أو هيكل الغرفة، وفي الدراسة نفسها لا ترجح أن العمود الخشبي، الذي سبق أن ناقشناه، أن يكون جزءا من المسجد الثاني بل ترجح أنه من ضمن بناء المسجد الثالث، ومن دون تقديم أي دليل على ذلك (راجع الحلقة السابقة). والنقطة الثانية، أن Kervran لم تحدد تاريخ ظهور هذه النمط من المساجد، أي المساجد التي لها غرفة صلاة مسقفة ويتبعها فناء غير مسقف. هذا النمط من المساجد له تاريخ ظهور محدد، وقد كشف عن ذلك Whitehouse في دراسة نقدية لدراسة Kervran جاءت على صورة ملاحظات.

مسجد على النمط السامرائي

نشر Whitehouse بحثه في العام 2003م على شكل ملاحظات حول البناء الأول والثاني لمسجد الخميس، وقد تناولنا في فصل سابق جزءاً من هذه الدراسة فيما يتعلق بالبناء الأول لمسجد الخميس. أما فيما يخص البناء الثاني لمسجد الخميس فقد ركز Whitehouse ملاحظاته على نمط بناء المسجد الذي يتكون من غرفه مسقفة ويتبعها فناء غير مسقف، حيث يؤكد Whitehouse أن هذا النمط من المساجد ظهر لأول مرة في سامراء في الحقبة العباسية في القرن التاسع الميلادي. فقد عثر في آثار سامراء على خمسة مساجد، على الأقل، بنيت بنمط مسجد الخميس نفسه، أربعة من هذه المساجد توجد في «جوسق الخاقاني»، وهو أول قصر بناه الخليفة العباسي المعتصم في سامراء في العام 836م. أما المسجد الخامس فقد بني في قصر بلكوارا الذي بناه الخليفة العباسي المعتز قرابة العام 849م (Whitehouse 2003). يذكر أن هذا النمط في بناء المساجد انتشر في عددٍ من الأقطار، وعاش لحقبة زمنية طويلة؛ فقد ذكر Whitehouse عددا من المساجد في سيراف وعمان، ومن تلك المساجد مساجد بنيت حديثة (Whitehouse 2003).

بالطبع هذه المعلومة لا تؤكد أن البناء الثاني لمسجد الخميس بني في القرن التاسع الميلادي، لكنها توضح وجود تأثيرات معمارية سامرائية. ومثل هذه التأثيرات ليست حصرية على مسجد الخميس فهناك دراسات تشير لوجود آثار قليلة لكنها ذات دلالة كبيرة.

قرية على الطراز السامرائي

ناقشت Frifelt في دراستها حول الآثار الإسلامية المبكرة التي عثر عليها في قرية باربار، مدى قوة العلاقة بين سامراء وجزيرة البحرين في القرن التاسع الميلادي، متسائلة، هل الفخار السامرائي وصل إلى البحرين عن طريق التجار فقط؟ أم أن هناك حرفيين هاجروا من سامراء إلى البحرين مثلما هاجروا لمناطق أخرى؟. فإن كان هناك مهاجرون من سامراء سكنوا البحرين، فلابد أن ينعكس ذلك على أنماط أخرى من الآثار، كنمط البناء مثلاً (Frifelt 2001, p. 33). وترجح Frifelt وجود حرفيين من سامراء في البحرين، وتحيلنا إلى القرية الإسلامية المبكرة التي اكتشفتها البعثة الدنماركية بالقرب من قرية عالي. ففي يناير/ كانون الثاني من العام 1965م نقبت البعثة الدنماركية في أحد التلال في قرية عالي، ظناً منهم أنه تل دلموني، وما ان بدأ الكشف عما تخفيه الرمال حتى ظهرت آثار قرية إسلامية، فظهرت صخور وجدران ضخمة، وكذلك عثروا على قوس مزخرف بزخارف جميلة تذكر بزخارف سامراء، وقد رجحت Frifelt أنها قرية تعود لحقبة سامراء أي القرن التاسع الميلادي (Frifelt 2001, pp. 33 - 34).

وقد قامت بعثة يابانية بالتنقيب في هذه القرية، فاتضح أنها بدأت بقرية صغيرة تأسست في القرن الثامن الميلادي، وقد توسعت في القرن التاسع الميلادي لتأخذ شكل قرية مسورة بسور سميك ومقسمة من الداخل إلى بيوت صغيرة ومدابس (مخازن للتمر يحضر فيها الدبس)، بالإضافة للعديد من قطع الفخار السامرائي العباسي المزجج (Sasaki et. al. 2011).

النتيجة

عندما نضع جميع الدلائل التي عرضناها في الحلقة السابقة وهذه الحلقة يتضح لنا مدى عمق الانتشار الثقافي من سامراء إلى البحرين، فهل يعقل أن يبنى أهم مسجد في عاصمة البحرين القديمة في تلك الحقبة بدون تأثيرات سامرائية؟. هذه النظرية المرجحة حول البناء الثاني لمسجد الخميس تتعارض مع فرضية Kervran والتي اعتمدنا عليها في كتابنا «مسجد الخميس الحوزة الأولى»، وهنا نجد أنفسنا مضطرين لبيان الفوارق بين كلا النظريتين مع بيان سير الأحداث التاريخية الموازية، وهذا ما سوف نتطرق له في الحلقات القادمة.

العدد 4207 - الجمعة 14 مارس 2014م الموافق 13 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً