بداية، «إن» كان مِنْ شكرٍ يقدم لمن «ابتدع» عيد الأم فهو لعدم مَدِّه ليكون هناك عيدٌ للأب. لكن، وبعيداً عن توقُّف «الابتداع» عند ذلك الحد فإن القضية أعمق من ذلك بكثير. فما يجري اليوم، وتحت عناوين «البِر» بالأم، يَهْرِج الناس في صورة احتفالية لا داعي ولا حد لها.
لن ندخل في نوايا المحتفلين، إن كان الأمر بالنسبة لهم «فقط» ترانيم كرنفالية وتسابقاً على تقديم الأفضل منه، أم هي مشاعر صادقة، لكن الأكيد، أنه وفي كِلا الحالين، أنهما صورةٌ من صور «الحرب النفسية» على شريحة ليست قليلة في مجتمعنا تسمى «الأيتام».
هؤلاء الأيتام لهم حقٌّ علينا نعطيهم إياه واجباً ومسئوليةً أخلاقية لا تفضلاً ومِنَّة، بل وبتوجيهٍ وأمر قرآني جاء في عدة مواضع: سورة البقرة (الآيات 177 و215 و220)، سورة النساء (الآية 36 و127)، سورة الفجر (الآية 17)، سورة الضحى (الآية 9) وسورة الإنسان (الآيات 5 – 22).
ليس الأمر متعلقاً فقط بالحث الديني، بل هو مرتبط بالشعور الإنساني ذاته، خصوصاً أن العلاقة بين الضعف واليتيم هي علاقة عضوية، وبالتالي يعتبر الاعتداء اللفظي أو الجسدي على اليتيم أمراً مستهجَناً ومحل إدانة من الجميع، مؤمنين وغير مؤمنين.
الأيتام في البحرين ليسوا قليلين. فإلى ما قبل عشرة أشهر من الآن، وجدتُ أن مؤسستين فقط في البحرين (دون أن يعني ذلك أننا ننفي وجود غيرهما) تعيلان ستة آلاف وستمئة يتيم، ما يعني أن في كل مدرسة من مدارسنا الـ 206 هناك اثنان وثلاثون يتيماً افتراضاً.
وإذا ما عَلِمنا أن لفظة اليتيم عادةً ما تسري على مَنْ هم في سن الطفولة والصبا، فإننا سنستثني بالتأكيد المدارس الثانوية على أقل تقدير، لتزداد تلقائياً أعداد الأيتام في المدارس الابتدائية والإعدادية بعد توزيع الرقم الكلي على تلك المدارس. إنه أمر مؤلم.
أيضاً، يجب أن نشير، إلى أن هناك مؤسسات أخرى تعيل أيتاماً، وهناك أهل خير يُعيلون أيتاماً، وهناك عوائل ميسورة، استغنت عن المعيل الخارجي في التكفُّل بأيتامها، وهو ما يعني، أن الأيتام عندنا هم بالآلاف. نعم بالآلاف لا لتكثير العدد وتهويله، بل هم كذلك.
هنا، تأتي المسئولية الجسيمة علينا جميعاً، وعلى مدارسنا ومن خلفهم وزارة التربية والتعليم وعلى رأسها وزيرها ماجد بن علي النعيمي. في هذه المدارس (ربما ليست كلها) تجري احتفالات بِعيد الأم بحسن نية، وصفاء سريرة، لكن ذلك لا يمنع من أن نقول بأن ذلك خطأ ترتكبه مدارسنا بحق شريحة كبيرة من أبنائنا الدارسين فيها.
ليس من العدل أن نطرب ونستأنس على حساب قلبِ يتيم/ يتيمة يتفطَّر ألماً وهو/ هي يرى أقرانه يتضاحكون ويمرحون، ويتهادون في مشاهد تمثيلية خلال الطابور الصباحي، أو خلال الأوقات المخصصة لذلك الاحتفال. هذا الأمر غير مقبول تماماً. بل حتى الأمهات المُحتَفَى بهن لا يرضين بذلك، وهن أصحاب القلب الكبير.
أمهاتنا عظيمات ومُكرَّمات، والجنات تحت أقدامهن، وواجبٌ علينا خدمتهن ومحبتهن، وبالتالي لا يستوفيهن يومٌ واحدٌ في العام، ولا حتى بالإشهار به أمام العامة. ومَنْ أراد الاحتفاء يمكنه الركون إلى مكان قَصِي عن الأعين، حيث البيوت وما خُصِّصَ لمثل ذلك.
اليوم السبت هو الخامس عشر من شهر مارس/ آذار، ولم يبقَ عن الموعد المضروب لعيد الأم سوى بضعة أيام. وأن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي. وباعتقادي، أن المسئولية الأخلاقية، هي أن ننهى عن إقامة ذلك الاحتفال في مدارسنا؛ حفاظاً على قلوب آخرين، حُرِموا من حنان أمهاتهم، ومن نَفَسِها ومِنْ سَهَرها عليهم خلال منامهم.
هؤلاء حُرِموا من الكَنَفِ العزيز ومن السؤال عن الحال، ومن الرّبت على الأكتاف، ومن شربة ماء أو دواء تناولها لهم يد حنونة. وربما في غير مرة، ناموا في ليالٍ ليلاء وهم جوعى وعلى وجناتهم دموع حرَّى، وبالتالي من المعيب فعلاً أن نزيدهم ألماً وكأننا قساة قلب لا نرحم.
مشكلتنا أننا نعتمد كثيراً على أعيننا وعلى ذاكرتنا كي نرى ونحصي أيتامنا ومعاناتهم في مدارسنا، دون أن نلجأ إلى قلوبنا ومشاعرنا التي بها يكون الإحساس الحقيقي لما يعانون. ونحن نعرف أنه إذا قَسَا القَلب قَحَطَتْ العَيْن كما كان يقول شمس الدين الزُّرعي.
فانتقاء الكلام والوقت وإعمال العاطفة وإحساس القلب هو من أشدّ المتطلبات التي تحتاجها حياة اليتيم وحالته الخاصة كإنسان مكلوم. «فليس من شيء أطيب من اللسان والقلب إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا» كما قال لقمان الحكيم.
وقبل ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر من الآن تقريباً، كتبتُ في هذا المنبر، ودعوتُ فيه وزارة التربية والتعليم لأن تعيد النظر في المناهج الدراسية التي تحتوي على نصوص تعليمية (إجبارية وليست اختيارية) تتحدّث عن الأم والأب والأسرة بطريقة عاطفية تلامس أوتار القلب، كي لا تنكسر قلوب اليتامى وهم يتدارسون تلك النصوص مع زملائهم.
هذه هي الأمانة التي يتوجب علينا إدراكها. وعلى وزارة التربية والتعليم، أن تنظر إلى هذا الأمر بجدية، فتنبِّه المدارس كي تكف عن مثل تلك الاحتفالات، وتنبِّه المعلمين والمعلمات، لأن يراعوا في يومهم التعليمي والإداري الفروق الحياتية والاجتماعية للطلاب/ الطالبات، كي لا يتسببوا في إراقة دمعة طفل مسكين، أو أن يكسروا قلباً يحاول بالكاد أن يلتئم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4207 - الجمعة 14 مارس 2014م الموافق 13 جمادى الأولى 1435هـ
في الصميم
أحسنت أخي العزيز موفق في الطرح والموضوع لفتة تحتاج منا جميعا تدارك وعمل جاد
نتفق معك
نحن نضم صوتنا مع طلبك احسنت
أكثر من روعة
مقااال في الصميم
اليتيم الحق
يقول شوقي: ليس اليتيم من انتهى ابواه من الحياة وخلفاه ذليلا .... ان اليتيم من تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا.
كان يسمى عيد الاسره
نعم لتعديل الاسم وكلا للالغاء
صف لنا تجربتك
ولدي محمد أعلم أنك تتكلم عن تجربة فليتك وأنت ذو قلم مقتدر أن تضعنا في واقع تجربتك كي نعرف عن قرب طبيعة التجربة فلا أقدر على الوصف من مجرب أديب
عيد الاسره
يجب تسميتها على الاقل عيد الاسره وشكرا لاهتمامك (ام للقلوب المكسوره)
انا يتيم (الأم والأب).....
وزارة التربية وتعليم تهتم بلباس موحد للطلاب و طالبات في المدارس حتى لا تبين الفروقات بين الفقير والغني...من باب اولى ترك هذه الاحتفالية في المدارس للأنها تحز في القلب....
لا اتفق معك
بدل الغاء مثل هذه الاحتفالات وهي مهمة لاغلب الشرائح المدرسية لم لا يشرك اليتيم في هذا الاحتفال ويخصص له فقرات
ونحن حين نحتفل بيوم الام ليس بالضرورة ان تكون موجودة فالاحتفال يكون بمكانتها لا بوجودها
رد على زائر: لا أتفق معك
هنيئا لك قسوة القلب حتى على أضعف الخلق وعلى من وصانا عليهم القرآن المجيد
اتمن
اتمن أن يتم إلغاء الاحتفال بعيد الأم فأن معلمة توفيت والدتي مند سنة ونصف وفي العام الماضي كنت حزينة ومتأثرة وانا أشاهد هذا الاحتفال رغم أنني كبيرة في السن وليس طفلة .
شكرا
كلام دقيق جدا، بارك الله فيك أستاذ على تسليط الضوء على هذا الموضوع المهم والحساس ..أشكرك ونرجوا من المعنيين الإلتفات لهذه المواضيع وعمل الاجراءات اللازمة وعلى وجه السرعة
في حقل التربية
اذكر الاسبوع الماضي قامت معلمة التربية الفنية بعمل بطاقات معايدة بعيد الام....للصف الثاني الابتدائي...في اليوم الثاني اتصلت خالة احدى اليتيمات تشكو بأن بنت اختها رجعت البيت تبيكي وتريد اخذ البطاقة لامها بالمقبرة...قلوبهم الصغيرة لا تستوعب هول اليتم...ارحموهم
شكرا
التفاتة رائعة..
نعم اعيدوا النظر؟
انا معلمة...ومواقف كثيرة أذكرها مع تلاميذ صغار يتامى...عندما يمر موضوع الام او الاسرة..تعليقاتهم تدمي القلب.واذكر احدى تلميذات الرابع الابتدائي في احدى حصص الشعر عن الام قالت لي:معلمة انا اعيش مع امرأة هي ليست امي انما مربيتي فأنا لم اعرف امي وابي يوما؟؟؟؟تخيل وضعي وانا اسمع هذه الكلمات من فم بريئ..
شكرا لكم
رحم الله والدينك اخي العزيز فلقد لفت انتباهنا لامور كنا في غفلة منها
كلام سليم جدا، ولمسته على مسجات بنتي الصغيرة يتيمة الأم في تعليقاتها في الواتس أب في أحد احتفالات عيد الام
مما اضطرني للجلوس معها، وتوضيح الموضوع لها قدر ما استطعت، وقلت لها الأفضل أن تطلب من صديقاتها قراءة الفاتحة لروح والدتها وطلب الرحمة لها، وأن تتمنى من الله أن يحفظ امهاتهن من كل سوء ويطول في اعمارهن.
فعلا هذه الاحتفالات تترك أثرا في نفوس شريحة من اليتامى ومن الضروري الألتفات لذلك.
لا فض فوك أخي محمد
كفالة اليتيم في اعتقادي لاتكون فقط باطعامه وإلباسه بل تتعدى ذلك لتعليمه وتثقيفه واعداده لمستقبل واعد ومشرق فالحرمان من الوالدين او احدهما يكفيه ولكن اذا وجد مجتمع متعاون ورفيق به سينشأ ويكون علماً ونبراساً يشع نوراً وفي كتاب )أيتام عظماء)امثلة كثيره قلم صادق وحسٌ إنساني وقلب محب الذي تحمله بين جنبيك أخي الحبي بارك الله لك في اولادك ورزقك من فرحة الايتام فرحة قلبك وجعلك من الموفقين لان يكون قلمك في خدمة وخير البشرية والانسانيه والاسلام والمسلمين وخير البحرين الحبيبة سعيد الهاشلي مسقط
أحسنتم
أحسنتم على هذا المقال وسلمت أناملك ، نرجوا من وزارة التربية إعادة النظر في هذا الموضوع من جديد.
تحياتي لك من كاتب مبدع
مقالك يلامس شغاف القلوب
لطالما أبكتني هذه الاحتفالات ليس بسبب يتم عانيته ولكن للآلام التي كنت ارصدها في عيون الفاقدين والفاقدات
اضم صوتي لصوتك
منطقي.. ان لم نكترث لمشاعر يتامى محرومين من حنان الأم أو الأب.. فلمن سنكترث!
قلناه من زمان
الاحتفال يجب ان يكون في محيط البيت فقط ....وكفى وهذا الكلام قلناه من زمان هناك ايتام وحافظوا على مشاعرهم
كلام جميل وواقعي
العام الماضي فعلاً جاءت بنتي من المدرسة تنقل ليي قصة بنت معها في الصف يتيمة الأم والبنات كانوا ينشدون وفرحين وهي تبكي وتنظر ليهم بحسرة واخبرتني بنتي عنها ونزلت دموعي عليها واتمنيت ان تنلغي هذه الفعاليه لما لها من دور في كسر قلوب صغار انحرموا من نعمة الأم
الواقع المرّ ..
و هل بقي صوت للإنسانية في بلد الظُلم .. كان الله في عونك يا شعبي و يا وطني ..
مآساة في البحرين في جميع النواحي و المجالات فتعالج ماذا و تصلح ماذا ..
حسبنا الله و نعم الوكيل ..
موفق
لفتة إنسانية في محلها ترى ما الإنسان إلا المشاعر
جميل
كلام منطقي وحقيقي ونحن في الميدان ونشاهد سنويا الكثير من اليتامى يتجنبون التواجد في هذا اليوم او يحاولون التهرب من الطابور تجنبا للذكرى الاليمة
سلمت يداك يا أستاذ محمد
في أخر سنة لي كمدير بوزارة التربية والتعليم لمدرسة الابتدائية الإعدادية للبنين احتفلنا بتكريم الطلبة المتفوقين في الفصل الأول ووزعنا هدايا تذكارية على جميع الأيتام في المدرسة من المرحلتين الابتدائية والإعدادية بمباركة من أحد رجال الدين والذي ساهم بجميع تلك الهدايا. ولقد كان وقع ذلك الحدث على نفوس تلك الفئة المنسيّة عظيمًا حيث بدت الفرحة على محيّاهم واكتسى ذلك الحفل بالمسرّة والبهجة التي ظهرت على وجوه الحاضرين من طلّاب ومعلمين وأولياء أمور.
اضم صوتي
اتمنى ان تمنع وزارة التربية هذا الاحتفال في المدارس
مقالك اليوم يفطر القلب
رحم الله شهدائنا ونساله اللطف بإيتامهم انه رحيم ودود
مقترح
أشكر الكاتب على ما تفضل به من احساس مرهف ولكني أقف ضد هذه الفكره لماذا تلغى الفعالية؟؟ لماذا المعلم لا يكون أباً للطالب لماذا المعلمة لا تكون أماً للطالبة؟ متى تتغير النظرة الموجودة عند المعلمين عموماً أن هذا الحقل حقل تربية قبل تعليم؟؟ ولكني في نفس الوقت ألتمس العذر للمعلمين خصوصاً الجدد كثير منهم وليس كلهم يلبسون السلاسل والقميص مفتوح إلى قريب السرة والشعر مصفف بطريقة لا تناسب مجال التربية ولا حسيب ولا رقيب فيحتاجون هؤلاء إلى تربية قبل أن يكونون تربيون. وفاقد الشيئ لا يعطيه
اتفق معك
كلام جميل
تحية صباحية
مقال مؤثر للقلب والمشاعر
هذا أمر بسيط
نعم هناك أمر أكثر أهمية وهو ما يحدث من قبل المعلمين والمعلمات عندما يقول أحدهم لطالب وطالبة على سبيل المثال الشره على أمك أو أبوك الي ما ربوك عدل وقد يكون يتيم الام أو الأب أو الإثنين هؤلاء المعلمين والمعلمات يجب تنبيههم ومحاسبتهم بسبب هذه المعاملة وشكرا لك
أحسنت
كلام سليم 100%
اتفق معك
أتفق معك تماما واضم صوتي لصوتك