توفي أمس السياسي البريطاني المخضرم «طوني بن» عن عمر ناهز 88 عاماً، ولمن عاش في بريطانيا خلال الفترات الماضية، فإنه لابد أن يعرف بعض الأسماء التي تعلو في السماء... وهكذا، فإن «طوني بن» كان في حياته يعتبر رمزاً لليسار البريطاني، وواحداً من أهم قادة حزب العمال هناك، وهو كان الطرف النقيض لكل ما مثلته رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر. الأخيرة كانت أيقونة اليمين البريطاني، و «طوني بن» كان أيقونة اليسار البريطاني.
ثاتشر كانت ابنة صاحب محل متواضع، ولكنها صعدت إلى أعلى هرم حزب المحافظين الذي ينتمي إليه - في العادة - الأثرياء والإقطاعيون والطبقات العليا... أما «طوني بن» فقد كان بالعكس، إذ إنه ينحدر من عائلة ارستقراطية، ولكنه تخلى عن كل الامتيازات الوراثية من أجل أن يكون عضواً منتخباً بصورة شعبية. فهو مثلاً في العام 1960 وجد أن عليه الاستقالة من مجلس العموم (الغرفة المنتخبة في البرلمان البريطاني) لأنه ورث في ذلك العام لقب اللورد، وأصبح بحكم الأعراف البريطانية عضواً في مجلس اللوردات، وكان عليه أن يستقيل من مجلس العموم. غير أنه ناضل من أجل تغيير القانون، ونجح في ذلك بعد فوز حزب العمال في مطلع الستينات وعاد إلى مجلس العموم (من خلال انتخابات فرعية في 1963) بعد أن تخلى عن لقبه الوراثي.
مجلس اللوردات تأسس في بريطانيا قبل نحو سبعة قرون، وكانت فكرته الأساس أن الملك الذي كان يطلب المال من النبلاء والإقطاعيين، ولكنهم كانوا يرفضون إعطاءه المال والضرائب إلا بعد أن يجلسوا معه ويحقق لهم عدداً من مطالبهم. ولذا فإن عضو البرلمان يسمى لحد اليوم Peer بمعنى «شريك»، أي أنه شريك للملك. وهكذا كانت عضوية مجلس اللوردات حقاً لكل الإقطاعيين والنبلاء على مر القرون، ومن ثم إلى ورثتهم (حتى فترة متأخرة). غير أن «طوني بن» رفض هذه الطبقية، وناضل من أجل أن يتخلى عن لقب اللورد، وألغى اسمه الارستقراطي.
«طوني بن» لديه مؤلفات عديدة وهي تمثل تاريخ حياته وتاريخ حزب العمال وبريطانيا خلال خمسة عقود، وهو أيضاً من اقترح إلغاء مجلس اللوردات بالكامل، لأنه لا يتناسب مع مكانة بريطانيا كدولة ديمقراطية، على رغم أن مجلس اللوردات لم تعد لديه السلطات السابقة، وهو يخضع – في حال الخلاف – لرأي مجلس العموم المنتخب.
قيل إن إحدى مميزات بريطانيا استطاعتها استيعاب المتناقضات، ولذا فإنه كان فيها من يصعد عالياً لأن لديه مميزات مارغريت ثاتشر، أو أن لديه مميزات «طوني بن» الذي كان نصيراً للضعفاء والمظلومين، ووقف بصورة مبدئية من أجل ما كان يؤمن به، وتخلى عن امتيازات يحلم بها الكثيرون.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 4207 - الجمعة 14 مارس 2014م الموافق 13 جمادى الأولى 1435هـ
الله يرحمه
خل اللي عندنا يحملون صفه وحده من صفاته