العدد 4206 - الخميس 13 مارس 2014م الموافق 12 جمادى الأولى 1435هـ

على البساط الأحمر وفق كتاب «سموحي فوق العادة»

السفير تقي البحارنة يروي سيرته في سلسلة «حينما كنت سفيراً»: (6)

لقطة تذكارية مع سمو وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك
لقطة تذكارية مع سمو وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك

يجول الأديب تقي محمد البحارنة، بنا في هذه الفصول التي كتبها بوهج محطات الحياة العابقة في الذاكرة، متنقلاً بين التجارة والسلك الدبلوماسي، لنقف معه في تلك المحطات بفصلها الأول، متحدثاً كأول سفير وأول سفارة للبحرين.. أليس ذلك رائعاً؟

في الذاكرة، مسارات عديدة ضمن العمل في السلك الدبلوماسي.. مع قادة وشخصيات في ترحال ضمن توقيت زمني متعدد بين عالم التجارة والأدب والعمل الدبلوماسي بين البحرين والقاهرة وبغداد ولبنان.. ووجهات عديدة أخرى نجدها براقة في هذه الحلقات:

قبل أن تتحوّل الخارجية إلى وزارة بعد الاستقلال، كانت قبلاً تحت مسمّى «إدارة الخارجية» برئاسة نفس الوزير سابقاً الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، يساعده شقيقي الدكتور حسين محمد البحارنة كمستشار قانوني، ولفيف من شبان البحرين يشرف سعادة الوزير على تدريبهم على العمل الدبلوماسي في الدول الشقيقة، لاسيما المملكة العربية السعودية ودولة الكويت.

وللكويت مواقف أخوية مشرّفة تجاه البحرين عامة، ومن ذلك ما يتعلق ببداية إنشاء سفارتنا في القاهرة، فقد استضافت برحابة صدر وتعاون مخلص من قبل سفيرها المرحوم حمد الرجيب ومعاونيه، وبالأخص السيدين عبدالله الرومي وعبدالله الصانع، أعمال سفارتنا وهي في بدايتها قبل تقديم أوراق الاعتماد، وأتاحت لي سفارة الكويت أن أتخذ في ملحقيتها الثقافية بالدقي مكتباً مؤقتاً، وأن استعمل عناوينها في المراسلات والمذكرات وسائر الاتصالات.

بل أنني – من قبيل الحيطة والحذر – اقترحت على وزارة خارجيتنا تحويل المبالغ المالية باسم سفارة الكويت في القاهرة، التي تولت دفع مصاريف سفارتنا من ذلك الحساب، بما فيها شراء منزل السفير في شارع جامعة الدول العربية بالدقي وإيجار مقر السفارة في 6 شارع السد العالي بالدقي.

90 يوماً في «الشيراتون»

كما استجاب السفير حمد الرجيب لرغبتي في تكليف نفس محامي سفارة الكويت في التفاوض على أثمان العقارات وعقود الشراء، والقيام بإجراءات معاملات التسجيل العقاري، ألا وهو المحامي محمود شوقي، الذي ذلل كثيراً من الصعاب والروتين الرسمي، وذلك باعتبار أنه كان المسئول سابقاً عن تنظيم دوائر السجل العقاري في القاهرة، وفي أنحاء المحافظات، وتدريب العاملين فيها، وما كان يستغرق بضعة أشهر لإنجاز معاملاتنا، كان يتطلب عاماً أو أكثر بالنسبة لسفارات الدول الخليجية الشقيقة؛ فمعاملات تسجيل سفارة دولة الإمارات مثلاً استغرقت عدة سنوات مع اللجوء إلى المحاكم القضائية، وسفارة دولة قطر استغرقت معاملاتها أكثر من عام، وقد انتقلت إلى منزل السفير قبل أن يكتمل تأثيثه، بعد البقاء في فندق الشيراتون تسعين يوماً فقط، بينما اضطر سفير قطر للبقاء في الفندق لأكثر من عام، وسفير الإمارات والمملكة العربية السعودية بضعة أعوام.

نجل العلّامة الألوسي

بعد رجوعي من الإمارات وتصفية أعمالي التجارية هنالك، كلّمت أخي الدكتور حسين، وعرضت عليه تلك التساؤلات التي دارت بخلدي عند اختياري لمهمة السفير، وقد أنقذني من تلك الحيرة حين أعطاني كتاباً في الدبلوماسية الحديثة لمؤلفه ذي الاسم الغريب، وهو السفير السوري الأكاديمي الأستاذ سموحي فوق العادة، نجل العلامة هاشم الألوسي، وسرت على طريقه نحو البساط الأحمر والمراسم الدبلوماسية.

وأتذكر أن وزير الخارجية قال لي مرة بعد انتهاء مهمتي في القاهرة – وهو يداعبني – ما معناه: «لقد كنت من أكثر السفراء التزاماً بالتقاليد الدبلوماسية لاسيما في موضوع إرسال تقارير مفصّلة عن كل زيارة ولقاء في مجال عملك، بل تناولت تقاريرك جرداً مفصلاً لمحتويات دار السفارة والسكن، وكذلك ما يخص العاملين معك في السفارة وفي المنزل نزولاً إلى درجة السعاة والسائقين والطباخين وتقييم أداء كل منهم واقتراح منح زيادات في الرواتب للمستحقين منهم، وأنت في زحمة ترتيبات تسليم السفارة ومغادرة القاهرة على عجل قـبل سويعات من وصول السفير الجديد، حيث لا يجوز عادة اجتماع سفيرين لنفس البلد في وقت واحد، ثم أني علمت أن سعادته أوعز إلى أمينة سر مكتبه آنذاك السيدة ليلى خلف، أن تقوم بجمع تقاريري للخارجية في ملف خاص لمصلحة موظفي الوزارة، وبالأخص السفراء الجدد، وتلك لعمري التفاتة كريمة من سعادته وتقـدير معنوي يدعو للاعتزاز.

لألقي في ربوعهم... السلام

لوزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وسموه اليوم نائب رئيس مجلس الوزراء، التفاتات ومبادرات ذاتية كثيرة، أذكر منها شخصياً أنه دعاني لمرافقته قبل مهمتي الرسمية، لزيارة القاهرة والحضور معه في اجتماعات الجامعة العربية للتعرف على الجو العام والوجوه المعروفة، والاطلاع على ما يدور في تلك الاجتماعات، ثم ألحق تلك المبادرة بأخرى حين دعاني لمرافقته أيضاً بعد انتهاء مهمتي ورجوعي إلى البحرين، فأتاح لي فرصة اللقاء مع من أصبحوا أصدقاء وزملاء «لألقي في ربوعهم السلاما»، وتلك الزيارة الأخيرة تمت في عهد خلفي المرحوم عبدالعزيز الشملان، وذكرياتها الجميلة المؤثرة باقية في نفسي، وقد رافقني السفير الشملان إلى دار السفارة، وعلى مدخلها هرع السّعاة والسّواقون للسلام عليّ يغمرهم الفرح والسرور، وحسبت ذلك مجاملة لولا أن كذّبتها بعض الدموع الخجولة من الفرح تترقرق بين أعينهم وتمس شغاف القلب.

وحين دخلت السفارة، هرع أهلها يلاقـوني بالأحضان وهم مستبشرون، وفي تلك المواقف تذوب مشاعر الاغتراب وتبدي العـيون ما تعجز عن أدائه الكلمات، وألحّ السفير أن أجلس مكانه، فأمطرت عليّ سحابة الماضي القريب سيلاً من الذكريات، وما شهده هذا المكتب من غادين ورائحين، ومن قضايا ومعالجات، ومن معاملات وأوراق وتقارير ومذكرات وصحافة ومقابلات تشيد بالبحرين وتطلعها حكومة وشعباً لتحقيق مسيرة تقدم وازدهار.

مصعد الملك فاروق

ثم وضع السفير الشملان حداً لذلك الاستغراق في التأمل حين دعاني لمنزل السفير لتناول الطعام، وأمسكت عواطفي وأنا أتجول معه في غرفه وساحاته وفي حدائقه التي كلّفت بها صديقاً مهندساً زراعياً وملأت حوضها الصغير بأسماك الزينة، وقد كبرت تلك الأسماك وصار كبيرها يلتهم الصغير، وفي كل زاوية من المنزل لي فيها ذكرى بل ذكريات ولأفراد عائلتي فيها مستقر وملعب ومرح وسبات.

وفي تلك الزيارة برفقة سعادة الوزير، كلمني المحامي الصديق محمود شوقي، وهو من الصعيد، قائلاً: «عهدي بسعادة الوزير أنه كان مغرماً بوجبة الحمام بالفريك الأصيلة من صعيد مصر، فما رأيك بدعوته للغداء في نادي السيارات كعهدنا السابق؟»، فوافق سعادة الوزير.

وفي أثناء تناول الغداء وجّه كلامه لنا قائلًا:»هكذا تكون وجبة الحمام بالفريك وإلاّ فلا»، فضحكنا وتناولنا أكواب الشاي بأنواعه، ثم استعملنا في النزول نفس المصعد في نادي السيارات، الذي أوصى بصنعه الملك فاروق مفصلاً على قدر جسمه وكرشه واتخذ شكل مثلث غريب لم أجد له مثيلاً في المصاعد المعتادة.

وكانت لسعادة الوزير صداقة ومعرفة مع الأدباء والكتاب ورؤساء التحرير المشهورين في القاهرة، من بينهم الكاتب الأديب أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل، فأما الأول فـقد زارنا وتعرفت عليه، وأما الثاني فقد دعانا إلى مكتبه وهو على قمة هرم «الأهرام» المصرية قبل أن يغادرها فيما بعد، وبعد سؤاله عن البحرين أخذ يتدفق كعادته في الحديث عن تاريخ مؤسسة الأهرام ثم تطرق إلى السياسة والإدارة والاقتصاد ومشاريع التوسع الصهيوني في فلسطين، وبيننا وبينه سحابة رقيقة من دخان السيجار الكوبي.

من اجتماعات اتحاد غرف الخليج العربي
من اجتماعات اتحاد غرف الخليج العربي
الأديب والسفير ورجل الأعمال تقي البحارنة
الأديب والسفير ورجل الأعمال تقي البحارنة

العدد 4206 - الخميس 13 مارس 2014م الموافق 12 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً