علق قارئٌ على مقالٍ لأحد الزملاء الكبار قائلاً: «إذا أحبَّكَ مليونٌ فأنا واحدٌ منهم، وإذا أحبَّكَ شخصٌ واحدٌ فهو أنا، وإذا لم يُحْبِبكَ أحدٌ فاعلم أنني قد مُت». ردَّ عليه زميلنا الكبير في مقاله بالقول: «أعوذ بالله يا رجل! من سيكتُب لي بمثل هذه المحبة إذا متَّ؟ فاسْلَم لأخيك ولقرَّاء هذا العمود».
الحقيقة، أن هذه الطُرفة هي مدخلٌ جيدٌ للحديث عن الصحافة والكتابة بشكل مختلف. اختلافه (بالنسبة لي على الأقل) هو عبر الإشارة إلى قوة وطبيعة متلقِيْ المادة الإعلامية المنشورة في صفحات الصحف من قراء ومتابعين ومعلقين. فجمهور قراء الصحف، يُشكِّلون محوراً رئيسياً لفهم الاتجاهات الاجتماعية والسياسية والفكرية، بل وحتى «العاطفية» في الدول، فضلاً عن قراءة خارطة انتشار الصحف قوة وضعفاً.
لذا، فقد وُجِدَت منظمة BPA الدولية للتحقق من الانتشار والتوزيع، وغيرها من المؤسسات المماثلة لقياس نفوذ الصحف. ففي نهاية المطاف، يبقى المعيار هو معرفة كم من الأعين رَمَقَت هذه الصحيفة أو تلك، وكم من الشِّفَاه تَمْتَمَت بهذا الخبر أو ذاك المقال. بل وكم هو حجم الرأي العام، الذي استطاعت هذه الصحيفة أو تلك تشكيله.
وهو أمرٌ يُعزِّز لدينا مدى أهمية القارئ بالنسبة للصحف، بحيث تكون قِبلَةً للمعلِنِين والسياسيين والاقتصاديين، لأن يتودّدوا صفحاتها، طمعاً في نشر خبر ولو مقتَضَب فيها، لأنهم مقتنعون بانتشاره «الواسع» عبرها. من هنا، فأنتم أيها القراء، قطب الرحى. فكما صاحب الجيش هو قطب رحى الحرب، وقطب القوم سيدهم، فأنتم قطب الكلمة.
هناك جانبٌ آخر من الصورة، وهو المتعلق بنباهة الجمهور والقراء لما تكتبه الصحف. وقد أظهرَت التجارب أن القراء لديهم حظٌ وافرٌ من الدراية، التي قد تتساوى مع الكثير مما يُكتَب، ومناقشته بنديَّة. فالقارئ الذكي هو الذي لا يتلقَّف المكتوب على عواهنه، لكنه قادرٌ على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بها كعقل واع كما كان يقول نجيب محفوظ.
فمن أخطر الأشياء، هو أن يتحوَّل بسطاء الناس إلى ضحية «الكلمة» المسمومة، فتراهم على أثيرها وقد أصبحوا منتفخي الأوداج، ومعصوبي الرؤوس. يُهرولون إلى ساحات النزال من دون راية ولا شعار ولا هوية ولا هدف. لكن ما يبدو، هو أن أولئك البسطاء من الضحايا هم كتلةٌ بشريةٌ عائمةٌ لكنها غير متمددة. فالأصل أن الاتساع هو لصالح غير البسطاء، ممن يتعاطون مع المادة الإعلامية بمزيدٍ من التفاعل والجِدِّيَّة.
هذا التفاعل، يخلق حواراً متبادلاً ما بين الكاتب وقرائه، وإن بطرقٍ غير مباشرة. ومع هذه السيولة من المعلومات بسبب الانترنت والقدرات الاتصالية المتقدمة، فإن الطبقة العالِمَة بالأمور بدأت في الاتساع. وقبل عامين، أظهرت الأرقام في بريطانيا أن «العدد الكلي لقراء مجموع الصحف الرصينة قد اقترب من عدد قراء الصحف الشعبية».
بل إنني أعتقد، بأن النسب هنا غير مهمَّة للمقارنة بين الرصين والشعبي. فالأبقى عادةً ما يكون للأكثر مصداقيةً من إعلام الجريمة والجنس والشهرة. وربما كانت أهم قضايا العصر «السياسية» وانهياراتها قد جاءت عبر إعلام رصين وليس شعبي مبتذل.
شخصياً، أستمتع كثيراً برؤى وأفكار مَنْ يبعثون لي بوجهات نظرهم من قراء «الوسط» النابهين. وهي تعكس عقول أصحابها، وحصافة آرائهم، وهم من مشارب سياسية وفكرية ودينية متنوعة. بعضهم لا يريد أن يقول فكرة، هم فقط يودّون أن يكتبوا «تنفيساً» لحالة من القلق والهواجس التي تكتنفهم، نتيجة أزمة سياسية، أو خلاف اجتماعي.
في إحدى المرات، كَتَبَتْ لي أختٌ فاضلة في تعليقها على دعوات الكراهية وحفلات الزار الطائفية: «نريد أن نُصَفِّي قلوبنا من الضغينة والحقد والتشفي والرغبة في الثأر والانتقام. أريد أن ألغي ما سمعته من تجاهل سيدات يدَّعيْن التمدن وهُنَّ يعرِضن عن السلام على سيدة (....) جاءت لتقدم واجب العزاء في وفاة جدتي. نسى الجميع البيوت المتلاصقة والأبواب المفتوحة. ماذا نفعل في هذا الزمان وقد اختلطت الأمور والأهواء».
ومرةً، كتبتُ مقالاً عن مُعمّرٍ جزائري، جاوز المئة وأربعين سنة، فكَتَبَ لي أستاذ التعليم العالي في جامعة القرويين في المغرب، البارع والعلامة إدريس الفاسي الفهري: «من المأثور عن ابن سينا قولتان: الأولى دعاؤه: اللهم إن الناس يسألونك طول العمر وأنا أسألك عرضه. والثانية قوله لطلبتِه: العلم أكثر من كل شيء، فخذوا من كل شيء أحسنه».
ثم أضاف: «وفي القولة الثانية تطبيقٌ منهجي للأولى. ولذلك فإن الأعمار تقاس بالعمارة. وفي الآثار: من شغل ساعةً من ساعات عمره بما لا ينفعه جديرٌ بأن تطول عليها حسرته. فللعمر طول وعرض وعمق وامتدادات في الزمان. حيث يُروَى عن القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي أنه لم يكن يجد مع كثرة فضله وعلمه ما يتعيَّش به. ثم انتقل إلى مصر واتصل به أهل المغرب وحصلت له ثروة عريضة فاجأته على إثرها المنية فقال: سبحان الله لما عشنا متنا. وكان عليه أن يقول لما متنا عشنا، فإن حضوره العلمي بعد ألف عام من وفاته لم يفتر بعد كل هذه القرون وعلمه مبثوث يلحقه أجره. مع خالص التحية».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4205 - الأربعاء 12 مارس 2014م الموافق 11 جمادى الأولى 1435هـ
صحيفة الوسط (تبيان الحقيقة).....
شيئان لا تستطيع أن تطلبهم من الناس الاحترام والاهتمام.....
فالأولى :يجب أن تفرضه بأسلوبك.
والثاني :يجب أن يفرض نفسه.
نحن المتابعين لمقلاتكم المحترمة ووسطية الطرح ,ومما نال منا الاهتمام لصحيفة الوسط . ودمتم سالمين.......
اخ محمد
هذه الأيام نحن صايرين فضوليين والتنطط بين المواقع والبحث عن الخبر الذي كما قلت قديكون لأختلاف او تنفيس نتقصى الأثار فرأينا حضورا للوسط اكثر من غيرها عند البعض المخالف لنهجها البعض وحسب اعترافه بالقول انه يريد سماع الطرف الآخر والبعض يقول فيها الخبر الصادق ،خاصة بعد حملات الزار في الصحف الأخرى والبعض الأخر يقول لرزانة وثقافة كتابها وعدم انجاررهم للبذيء من سفاسف الكلام ، يا اخ محم لم نرى في الوسط الا كتاب معتدلين في الطرح مع انك ذلك يغيظ القراء في احيان لأنهم يريدون ردود قويةعلى المفترين .
يقرأ جريدة ويشتري أخرى
موقف تكرر أمام عيني في سوبرماركت قريب من منزلي لعدة أشخاص حيث يدخل أحدهم ويتجه لمكان الصحف ويفتح صحيفة ويقرأها بتمعن غير مباليا بعبارة ممنوع تصفح المجلات والجرائد وطول تواجدي في المحل أراه منهمك في قراءة الجريدة لانه يبحث عن مصداقية الخبر ثم يغلق الجريدة ويضعها في مكانها ويشتري أخرى للتسلية
البلد
ما شاء الله لمست الواقع يا شيخ بس البلد حالتة حالة والناس فيها كبت كبير والنفوس تعبانه وكأنة البلد صار سجن
الكلمة مسؤلية
الله ايعينكم من تأثير كتاباتكم سلبا أو ايجابا
شكرا
رائعة هي استشهاداتك
متعة الحياة في الرضى
سواء عشت الحياة بالطول أو بالعرض ، فإن ما يعطي المرء معنى هو ما مدى ما يؤثر سلبا أو إيجابا، وفي كلتا الحالتين في مدى ما يحصل من رضى أو جدل ،فالكتاب الذي لا يؤثر في مجتمع فليس له معنى إي ان ما يطرحه قد لا يكون سوى هرطقات ، رضا النفس ورضا الرب هو أحد المقاييس ، قد نختلف لكن في المحصلة ما مدى استفادت البشرية من إي عمل لبشر سواء في حيااه أو بعد مماته، ولنا في سقراط عبرة
بارك الله فيك
من تواضع لله رفعه الله ، فهو في نفسه صغير ، وفي أعين الناس عظيم ، ومن تكبر وضعه الله عز وجل ، فهو في أعين الناس صغير ، وفي نفسه كبير
تحية الصباح
ونا كقارئ اشكرك يا اخ محمد على طرحك المفيد دائما متمنيا لك كل خير
وهناك من المسؤولين من يقول اكتبوا ما تشاؤون ونفعل ما نشاء=
هنا تكون الطامة الكبرى حين تصبح الكتابة متنفس فقط ولا تعني سوى بثّ الهموم من غير ان تكون مصدرا لاستلهام حالة الواقع والعمل على تصحيحه
حين يجعلون من الكتابة تنفيس عن ما في الصدر فهم بذلك يجعلون الكتابة
مثلها مثل الافيون او المواد المخدرة التي يدمن عليها البعض للهروب من
مشاكله ويجعلها متنفس له
عبد علي البصري
((فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون )) عندما يكتب ويكذب و عندما لا يعلم ويكتب وعندما ينسى لقاء ربه ويكتب .