«صيف وشتاء على ذات السطح» مثل لبناني شائع يشير إلى وجود الشيء ونقيضه في المكان والزمان ذاتهما، وهذا ما يتجلى في مملكة دلمون السعيدة. تصل إلى مطار البحرين الدولي، لتستقبلك الإعلانات باللغتين العربية والإنجليزية والشخصيات الأنيقة الفارهة، عالم جميل ثم بعدها طاولة تجلس خلفها فتيات جميلات يقدمن لك البروشرات، كمدخلٍ لبلدٍ جميلٍ هادئ. طبعاً إذا كنت من أهل البلد، فلن يستوقفك كل ذلك لأنك تعرف الحقيقة، ولأن همك عند موظف الجوازات، هل تمر بسلام أو تجر إلى غرفة جانبية لتبدأ قصة أخرى!
ها أنت عبرت البرزخ وبقي استلام الشنطة، هل تخرج أم لا، لأن «سكانر» يسبقك ويحدّد خروجها أو إحالتها للجمارك. ها هي المحروسة وصلت، وسرت بها على مهل مع ابتسامة وسلام لضباط الجمارك متظاهراً بالهدوء والطمأنينة، لكنك في داخلك قلق، حتى تعبر إلى الخارج.
ها أنت تنفست الصعداء، لتستقبل بالأحضان وحمد الله على السلامة. ومن لحظتها عليك الحذر، والتعايش مع تناقضات مملكة دلمون. ها هو أول حاجز أمني ورجال ملثمون شاهرين السلاح، هم لحمايتك وطمأنينتك... ولكن من أين تأتي الطمأنينة؟ لقد قرأت لتوّك في الصحيفة التصريحات الرسمية بأن الأمن مستتب والدنيا ربيع وقفل على كل المواضيع، وأن أخطر مؤامرة تعرّضت لها البلاد قد فشلت. وأنت في طريقك إلى البيت والمزيد من الحواجز ينتظرك، وكله من أجل سلامتك!
من أنت أيها المواطن؟ أنت محل ارتياب، حتى يقرّر كمبيوتر الدورية الذي تلقمه بطاقتك الشخصية معلومات أنت لا تعرفها أصلاً، وعليه يقرّر هل تواصل مسيرتك أم تذهب عند بيت خالتك كما يقول السوريون.
ولإضفاء مزيدٍ من الطمأنينة على قلبك، ها هي طائرة الهليكوبتر تحوم في السماء، وسمعت مرةً تصريحاً من أحدهم أنها لمراقبة انسياب حركة المرور في ربوع المملكة لتسهيل المرور على السائقين. لكن هناك جسماً غريباً لحظته أبيض وضخماً، وحاولت تشخصيه. نعم! إنه المنطاد الذي اخترعه اهرنبورج! إنه ككائن خرافي معلق في السماء ويمكن أن ينقض عليك في أية لحظة! إطمئن! ألم تسمع تصريح المسئول الذي يؤكد أن المنطاد هو لمجرد مراقبة أحوال الطقس في الطبقات العليا وليس لأية أغراض أخرى! ترفع رأسك وإذا بكاميرات في كل الاتجاهات تعلو أعمدة الإنارة. ما هذا؟ الأخ الأكبر يراقبك. اطمئن! إنها لرصد حركة المرور أيضاً ولرصد المشبوهين ولحماية الجمهور... وأنت واحدٌ من الجمهور.
وأنت تدلف إلى حيّك، يستقبلك البخور الأبيض، هذه مفاجأةٌ بعد مناوشات مع الشباب الغاضب وستمطر السماء بقنابل البخور. لكنك وعلى امتداد الشارع تقرأ إعلانات ربيع الثقافة وفنانين قادمين من مختلف بلدان العالم ليمتّعوك بفنونهم. وهناك إعلاناتٌ متتابعةٌ للمجمعات السكنية الجديدة الحالمة والفارهة بانتظارك. هناك عروض الترفيه وعروض الأزياء، وعروض، وعروض... وما عليك إلا أن تختار. لكن الأغرب الشاخصات الضخمة لمؤتمر حوار الحضارات حيث دعيت إليه شخصيات دولية مشهورة من كل الديانات: بوذية، هندوسية، إسلامية، زرادشتية، مسيحية، علمانية، وكلهم لبّوا الدعوة، يدفعهم حبّ الاستطلاع لبلد الأساطير دلمون التي لا يشيب فيها الغراب ولا يبلى التراب، حيث المعابد تتجاور مع المساجد والكنائس.
أنت حرٌ ولك الاختيار. لك أن تحلم. تريد المسجد اذهب إلى المسجد. تريد الكباريه اذهب إلى الكباريه، وهناك من يتدبرون الأمر نيابةً عنك. يفكّرون عنك ويسهرون على راحتك. ماذا تريد أكثر؟ أنسَ الثرثرة عن النظام الديمقراطي والبرلمان والمجالس المحلية والانتخابات والمحاسبة والمكاتبة، هذا كله تقليدي. ونحن في دلمون طوّرنا نظاماً حداثياً محوره الإنسان الذي يستمتع بحياته قبل مماته. الإنسان الحالم... والباقي تفاصيل.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4205 - الأربعاء 12 مارس 2014م الموافق 11 جمادى الأولى 1435هـ
اليس هذا في اغلب مطارات العالم ؟
استاذ عبدالنبي انا كنت احترم افكارك واعتقد انك واقعي ووسطي وغير منحاز لتوجهات وافكار مسبقة لكن للاسف هذا المقال الثالث الذي يبدد اعتقادي ويثبت خطأه . اغلب مطارات العالم منذ احداث سبتمبر 2001 تقوم باكثر مما تقوم به سلطات مطار البحرين . قبل ايام ذهبت الى واحدة من البلدان الاوربية العريقة بالديمقراطية وحقوق الانسان كما يدعون , ومعي ولدي المعاق , تعرضنا في مطارها الى تفتيش ومضايقات لم اكن اتصورها يوما لدرجة اني اصبحت على يقين ان مبادئ حقوق الانسان مصممه لهم فقط , اما بقية البشر فهم ليس كذلك .
روعة
لا أجد الكلمات الملائمة لوصف هذا المقال. روعة. شكراً استاذ عبد النبي
شعب ارض الخلود
كلكامش انتفض لموت صديقه انكيدو وبقي يبحث عن الخلود وسيبقى شعب البحرين يركب الصعاب ويغوص البحار بحثا عن عشبة الامن والكرامة وليست عشبة الخلود لله درك من شعب أبي
يسلب امني من اجل استباب الامن: هكذا هو الحال
انا المواطن كما سرقت مني الوظيفة وسرق مني حقي السياسي وسرق صوتي وسرق حقي في السكن وسرق حقي في الامن ايضا عندما طالبت بحقوقي في وطني .
سرق مني الامن والامان لأنني تفوهت بكلمة قلت فيها انني مواطن ولي حقوق فإذا بحقي في الامن ينقضّ عليه رجل اتى ما خارج البلد لكي يحقّق لي الامان
حتى الأخلام قتلوها " الإنسان الذي يستمتع بحياته قبل مماته. الإنسان الحالم"
يا أستاذ عبد النبي حتى الأحلام قتلوها في نفس المواطن فلا يملكون إلا الوعود و لكن وعود بلا نطبيق و متبوعة بعهود منكوتة العهود. وعدوا بمملكة دسيورية و ديمقراطية كأعرق الديمقراطيات و بناء مدن (المدينة الشمالية كمثال) و برلمان يخل و يربط و مساواة بين المواطنين و منزل أو أرض لكل مواطن ( في التطبيق لكل محنس و الأرض لكل مواطن ربما يقصدون قبر لكل مواطن ) و غد أفضل لم نعشه بعد و ... و ... و ... لذلك تجد الشباب ذوي أحلام مقتولة و لكن ماضاع حق وراءه مطالب و الله لا يرضى طلم و من كان مع الله كان الله معه