الصورة نص... حوار في صورة أو أخرى... جزء من يوميات. بعض اليوميات يقول شيئاً مهمّاً، بعض منه استدراج للضجر. الصورة تقول الكلام بالنيابة. حكمة مختزلة. نتاج وعصارة أكثر من كيمياء، أهمها شحْذ الحواس خدمة لحاسة رئيسة (العين).
الإضافة النوعية إلى البلاغة اليوم، هي الصورة. ذلك ما لم يكن متوافراً بهذه الإحاطة قبل قرن أو يزيد قليلاً. تلك البلاغة اليوم يتم التعامل معها باعتبارها شغْل العابر. يُراد للصورة أن تكون عابرة لا من حيث استسهال التقاطها وفرْضها على الناس، وإن كانت تعجّ بالقبح والفراغ، ولكن باعتبارها محل إقامة لهم، شاءوا أم أبوا!
في «إنستغرام» اليوم، كثير من الثرثرة واللهو الباطل. الباطل بمعنى الفراغ المخيف والمقلق.
بمعنى تعويض الضجر بمزيد من الضجر. الصورة نص من المفترض أن يخرجك من رتابتك، وتنْبلتك. ما يحدث أن بعضهم يعمّق تلك الحال. بسخيف الالتقاط ورداءته؛ أو بسخيف ورداءة الاختيار. فقر دم في قراءة الصورة وتقديمها.
«إنستغرام» في كثير مما يُلقى فيه، بمثابة مكبٍّ للنفايات. نفايات السذاجة، والفراغ، والبلادة في كثير من الأحيان. وبالعودة إلى الفراغ. هو فراغ لتعميق وتكريس مزيد من الفراغ فحسب. لاشيء يُملأ هنا. مزيد من الوحشة، ومزيد من العرْض الذي يُلوّث العين. يلوّث النظر. هل ثمة نظر في الأمر؟ أستدرك. إنه فقط النظر الذي يتلمّس طريقه فقط كي يتجنّب الارتطام بالأشياء. بتجاوز ذلك الارتطام لا يُهم مالذي تراه العين، هذا إن كانت تراه أساساً!
***
الذهنية العربية في اتكائها ليست في الصورة التي نألف. الصورة التي تشكّل اليوم ثورة ليس على صعيد الوسائل المرتبطة بها صناعة وإنتاجاً. هي مرتبطة بالمادة الخام للصورة: اللغة بصورها ومجازاتها. بأساليب الفنون التي عرفتها، شعراً ورواية. الرواية بمعنى القَصص. تظل صورة متخيّلة؛ إذا ما استثنينا فنون الوثنية الأولى في أصنام وتماثيل آلهة. حدث ذلك أيضاً للتصالح واستقرار تلك الذهنية مع الإله الذي تتوجه إليه مثولاً وتجسيداً. ما قبل وما بعد ذلك لم يبرح المخيلة إلا لُماماً. الفقه نفسه الذي يفصّل في العبادات والمعاملات حال دون ذلك تحريماً للصورة والرسم والتجسيد بعد الجاهلية تلك.
أفق نادر بعد قرون من الانكفاء على التخيّل فحسب، حضرت الصورة لكنها كانت مراقبة بعسس المحسوبين على الدّين والأمن! صورة ناقصة... مشوّهة... مرتبكة.
***
بالعودة إلى «إنستغرام»، وقبله فيسبوك وتويتر، تؤسس تلك المواقع محاولة لتعميم الأثر والفعل الذي تخلقه الصورة باعتبارها نصاً، وموقفاً ويوميات من المفترض أنها تشترك مع البشر في كثير من تفاصيلها. لا أحد يريد المشاركة في السذاجة وفرط الفراغ وتعميم الضجر الذي لا يقول شيئاً!
نخشى على مخيّلتنا أن تذوي في فضاء الثرثرة بالصورة، نحن الذين تحاصرنا ثرثرة الكلام!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4202 - الأحد 09 مارس 2014م الموافق 08 جمادى الأولى 1435هـ
امراض التكنولوجيا والبرامحج الحديثة
امراض التكنولوجيا والبرامحج الحديثة : اولئك الذين لا يستطيعون تغيير أفكارهم .. لا يستطيعون تغيير أي شيء
اصبت الهدف يا شيخ
المقال اكثر من رائع في عالم يتنافس فيه حول اعداد المتابعين لا بالمحتوى
جهل العرب
للأسف ان العرب اسواء من يستخدم التكنولوجيا والبرامحج الحديثة وغالبا ماييتخدمها بشكل مفرط وتبذير للوقت والطاقة والاسواء هي كشف حياته وخصوصياته عبر بثها في كل لحظة ولم يبقى سوى تصوير فراش النوم
مقالك شدني كثيرا
روعة المقال ومقال الروعة