العدد 4201 - السبت 08 مارس 2014م الموافق 07 جمادى الأولى 1435هـ

نيكسون والسادات... في حفل «قصر الإسكندرية»

السفير تقي البحارنة يروي سيرته في سلسلة «حينما كنت سفيرًا»: (1)

تقي البحارنة مع السادات
تقي البحارنة مع السادات

يجول الأديب تقي محمد البحارنة بنا في هذه الفصول التي كتبها بوهج محطات الحياة العابقة في الذاكرة، متنقلًا بين التجارة والسلك الدبلوماسي، ليقف بنا معه في تلك المحطات بفصلها الأول متحدثًا كأول سفير وأول سفارة للبحرين... أليس ذلك رائعاً؟

في الذاكرة، مسارات عديدة ضمن العمل في السلك الدبلوماسي.. مع قادة وشخصيات في ترحال ضمن توقيت زمني متعدد بين عالم التجارة والأدب والعمل الدبلوماسي بين البحرين والقاهرة وبغداد ولبنان... ووجهات عديدة أخرى نجدها براقة في هذه الحلقات:

حـيـن رجعت إلى مكـتبي التجاري في شارع باب البحرين بعد أن ودعت القاهرة كأول سفير للبحرين، وكان ذاك في أوائل شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1974... زأولت عملي التجاري خلف مكتبي الصغير بالرتابة المعتادة نفسها وكأنني فارقته بالأمس، ومرَّت السنوات الثلاث تقريبًا وذكرياتها الحافـلة وتجاربها الجديدة على مسار حياتي... وكأنها شريط سيـنمائي لرواية على مسرح الأحداث ينتهي فيها دور الممثل الرئيس عند آخر مشهد بعد إسدال الستار وتفرق المشاهدين.

لك منا الكرامة والتقدير

ولكن الكلمات الـطـّيبة التي حـيـّاني بها المغفور له أمير دولة البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، تجاوز طيبها الزمن وسارت معي في مسار حياتي بموقعها من الـّذكر الجميل... حضرت للسلام عليه فقال بلهجته الحميمة ما معناه: «لقد خدمت البحرين كأول سفير لها، ورفعت رأسها وصرت قدوة لغيرك في خدمة وطنك، فلك الشكر ولك منا الكرامة والتقدير»... ولم أستغرب بعد مرور السنوات وتعرضي لحادث سير في المملكة العربية السعودية الشقيقة أن يكون الشيخ عيسى أول المتصلين للسؤال عـنيّ، وعرض المساعدة لتوفير العلاج في الخارج فشكرته أن يكون لي ذخرًا في مستقبل الأيام، هذا إلى جانب زيارات سموه المتكررة لمنزلنا، ثم تصدره لاستقبال المهنئين لنا في حفل زواج ولدي أسامة... حتى بلغ الحفل مداه.

وسمعت مثل تلك الكلمات الطيبة من وزير الخارجية آنذاك الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، ومن صاحب السمو رئيس الوزراء ومن صاحب السمو ولي العهد وسائر المسئولين ومن غيرهم من أصدقاء وأحبّاء في البحرين ومن خارج البحرين لاسيما في مصر الحبيبة، حيث ودَّعني رئيس جمهورية مصر العربية السابق أنور السادات خلال حفل في حديقة قصر المنتزه بالاسكندرية على شرف الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون في أواخر أغسطس/ آب من العام 1974.

سوف أكلم الأمير

وحين جئت للسلام عليه وتوديعه قالت له حرمه السيدة جيهان: «إن حرم سفير البحرين من خيرة صديقاتي العاملات معي في المجال الخيري التطوعي، ويا ليت بقاء سفير البحرين معنا أن يطول»، فخاطبني الرئيس السادات قائلاً: «سوف أكلم صاحب السمو أمير البحرين عنك من أجل تمديد مدة بقائك معنا، فشكرته بلباقة تحمل معنى الامتنان مع الاعتذار، فأجاب: «أنا اعلم أنّ لديك أعمالا ضحيت بها من أجل خدمة بلادك، فلتكن أنت بالذات بمثابة سفير تجاري لمصر في البحرين»، وكان قد سبق ذلك أن مـنحني سيادة الرئيس وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى في الثاني والعشرين من شهر يناير/ كانون الثاني من العام 1973.

هكذا انتهت مهمتي كأول سفير للبحرين وكذلك ممثلاً ورئيسًا لأول بعثة بحرينية في جامعة الدول العربية، ثــمّ بقيت تلك الكلمات الطيبة تشجعني وتحفزني لبذل المزيد.

وعلى ذكر الممثل والتمثيل، فكثيرًا ما كنت أمزح مع زملائي السفراء حين أصفهم بالممثلين، فيسألون عن السبب فأقول إن كلاًّ منا نحن السفراء... أثناء عملنا الرسمي... نمثل بلادنا ولا نستعيد شخصيتنا الذاتية الا حينما نكون خارج عملنا الرسمي، فيبتسمون أو يضحكون أو يرفع بعض منهم الكأس استحسانًا لهذا التشبيه.

ولكن ليس كل سفير يلتزم بهذه القاعدة بالتفريق بين شخصه العادي وأمزجته الخاصة، وبين شخصيته الرسمية كممثل لبلاده أو حتى بين حسابه الخاص وحساب السفارة في بعض الأحيان، ومن ينسى منهم ذلك إنما يعرض مركزه وسمعة بلاده لمواقف محرجة أو مستغربة.

فتوة وشطارة... لا دبلوماسية!

كان أحد السفراء العرب المقربين في عهد الرئيس أنور السادات - وله مزاج خاص - حين يعلم عن حجز بعض مواطنيه في مراكز الشرطة، فإنه يبادر بالذهاب إلى المركز ويهدد ويتوعد حتى يتم الإفراج عنهم قبل اتخاذ أية إجراءات رسمية... يعني باستخدام الفتوّة والشطارة بدل الدبلوماسية، وقد يعد ذلك عند البعض من الحسنات وقوة الشخصية.

وفي اللجنة السياسية في جامعة الدول العربية، كان المرحوم السفير طاهر رضوان - وهو من أقدم الممثلين لبلاده فيها وله مكانة مرموقة - كان له أيضًا تصـرف ومزاج خاص! فحينما تختلف الآراء ويقـترح الأمين العام أو بعض الأعضاء تأجيل الموضوع ليتشاور المندوبون مع حكوماتهم بشأنه، كان في بعض الأحيان يقول :»أنا أمثل جلالة الملك مباشرة ولا أحتاج إلى مراجعة».

حدث ذلك عند مناقشة موضوع مخلفات مشروع تحويل مياه نهر الأردن ومساهمة دول الجامعة العربية ماديًّا لانتشاله، وكان هذا المشروع تحت مظلة الجامعة العربية ويهدف إلى الاستفادة من روافد مياه الأردن، ومنع إسرائيل من استغلال المياه، فلما اكتمل المشروع وصرفت عـليه مبالغ ضخمة للدراسات وشراء الآليات والمعدات وتوظيف جيش من العمال والموظفين، وكذلك توفير مبلغ 176 مليون جنيه استرليني للحماية العسكرية للمشروع، هاجمته إسرائيل في العام 1964 بعد مدة قـليلة من عقد مؤتمر القمة العربية الثاني بتاريخ (15 سبتمبر/ أيلول 1964) فدمَّرته وقضت عليه ولم تعد له قائمة بعد ذلك، ولم تحرك الدول العربية والحماية العسكرية ساكنًا، خوفًا ربما... من الرد الإسرائيلي، وأصبح تحـمّل مصاريف صيانة المخلفات وأجور الموظفين ومصاريف التخزين والنقـل وغيرها وتوزيع نسبة ما يخص كل دولة من تلك المصاريف... أصبح موضوع أخذ وردٍّ ونقاش محتدٍّ في أروقة الجامعة العربية لمدة طويلة.

شاي ينسون... حتى ينسون

حدث مثل ذلك أيضًا حين تحفظ السفير طاهر رضوان على قـرار توحيد المناهج التعليمية في المدارس، كما تحفـّظ على ذلك أيضًا مندوب لبنان، ولا مجال هنا لتوضيح الأسباب، كما كان لمندوب اليمن سفير جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (عدن) مزاج في تعكير جو المناقشات! ولا سيما تجاه أنظمة الحكم الملكية، إلى أن جاء السفير محـمد يحيى المتوكل بعد اتحاد اليمن الجنوبي والشمالي، وكان سفيرًا محبوبًا هادئًا ورزينًا.

وفي مثل تلك الجلسات في اللجنة السياسية في جامعة الدول العربية حين يحتد النقاش وترتفع الأصوات، كثيرًا مَّا كنت اقترح على الأمين العام - لتلطيف الجو - وكان آنئذ هو المرحوم محمود رياض - أن يأمر بإدارة أكواب شاي الينسون فـيفعل ذلك ثم يبتسم حين أضيف: «حتى... ينسون».

كان محمود رياض وزيرًا للخارجية المصرية والتي تقع بنايتها ذات الطابع التاريخي في قبالة جامعة الدول العربية، وبعد تقديم نسخة من أوراق اعتمـادي الرسمية لوزارة الخارجية - حسب الأصول - زرته عدة مرات مرافقًا لوزير الخارجية آنئذ الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وقد ارتاحت نفسي له منذ أول زيارة له بهيئته السموحة وصدره المنشرح. كان ترحيبه بنا بالغًا ومشرقًا، ومع تقديم المرطبات وشاي الينسون قدم إلينا السيجار الكوبي فاعتذرت... فقال لي: «أما انت فلك عندي سيجارة من النعناع فقط لتشاركنا وأنت في حـلٍّ من التبغ»، فـفعـلت.

عبارات قاسية... صريحة

كان أمين عام الجامعة العربية عند قدومي للقاهرة في الثالث عشر من شهر سبتمبر من العام 1971 هو المرحوم عبد الخالق حسـّونة، وقـد مرّ عليه حين من الدهر وهو في هذا المنصب، وحين يعقد مجلس الجامعة على مستوى الملوك والرؤساء، كان كثير من الظرفاء في مصر وفي خارجها يسـمـّونه بملك العرب.

حضرت اجتماع اللجنة السياسية في آخر عهده للنظر في موضوع تجديد مدة ولايته كأمين عام للجامعة العربية، وكانت جلسة صاخبة ظهرت على وجهه النحيف علامات الارتباك حين حاول فيها ممثل سورية آنذاك عبدالحليم خدام اقناعه بالتقاعد عن المنصب، ولم تخلُ كلمات خـدام من عبارات قاسية بالغة الصراحة، فتم تخليه عن منصب الأمانة العامة وعين الرئيس السادات خلفًا له وهو محمود رياض وذلك في شهر يوليو/ تموز من العام 1972.

وبقي المساعدون العامون للأمين العام في مناصبهم وبالأخص نوفل... ذلك الأكاديمي العريق الهاديْ الطباع المتمرس بـشئون الجامعة العربية صغيرها وكبيرها والمعايش لأحداثها والذي يعتمد عليه في كتابة التقارير وصياغة القرارات والتوصيات، وله باع في التأليف في مجال عمله وفي مجال اختصاصه، كما بقي سليم اليافي وهو رجل هادئ الطباع سليم اللغة حافظاً للأوراق، والسفـير أسعد الأسعد - من لبنان الجنوب - دائم الحركة والنشاط على رغم ضخامة جسمه، وباقي الأمناء... في مراكزهم.

العدد 4201 - السبت 08 مارس 2014م الموافق 07 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً