هذه الكتابة جزءٌ من قراءة مُطوَّلة لمجموعة «لمس» للشاعرة والصحافية سوسن دهنيم، الصادرة العام 2013، عن دار مسعى، تضمّنت نصوصاً كتبت في الفترة ما بين مارس/ آذار 2010 وأبريل/ نيسان 2011.
الكتابة نفسها ضمن مشروع يتناول إضاءات وقراءات في الشعر النسوي لأصوات مطلع التسعينات من القرن الماضي، مروراً بمطلع الألفية الثالثة.
عنوان المجموعة «لمس» يحيلك إلى استدعاء لا غنى عنه، لغة وما بعدها. كأن اللمس سحر في جانب من وُرَط البشر وصلفهم. هو نعمة أخرى لمن استعاض بحواس عَدِمها. اللمس سحر لمن طلب اللمس برهاناً. نجد صداق ونص ذلك في القرآن: «ولو نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ» (الانعام: 7).
كأن اللمس سحر آخر وبرهان آخر. سحر في الحضور وموضوع برهان؛ باستبعاد المكابرة والغي في المضمون.
وحاسَّة اللَّمْس، كما تقدّمها التعريفات «إحدى الحواسّ الخمس الظَّاهرة، وهي قوّة منبثَّة في العصب المخالط لأكثر البدن، تُدْرَك بها الحرارة واليُبُوسة ونحو ذلك وحاسَّة اللَّمْس قويّة عند المكفوف».
هل يمكن أن تنوب مكان مكفوف باستجلاء حاسّة اللمس بكل قدرتها النافذة والنفّاذة إلى ما لا تراه العين؟ هي محْض محاولة. اللغة والمخيلة تزعمان قدرتهما على ذلك وربما ما بعد ذلك النفاذ.
أن تلمس يعني أن تكون في حلف مؤاخاة توأمة. في اللمس فحص واختبار ومعرفة وإحاطة وتجلٍّ. في اللمس احتواء. ما لا تلمسه لا تدركه في كثير من الحالات والشواهد. باللمس أيضاً يطمئن القلب أو ينفر. كثير من اللمس ينفّرنا. كثير منه أيضاً يحتوينا ويدخلنا في دائرته. وسوسن دهنيم لا تختبر نفسها في اللمس. إنها تقدمه تجربة عميقة في المُتخيّل والماثل والشاهد في الوقت نفسه. تفاصيل ذلك الشاهد ليست وظيفة الشعر. الشعر لا يقدّم تفاصيل. يقدّم رؤية ونظراً وما بعدهما.
تشتغل دهنيم منذ إصداراتها الأولى على أناقة المفْردة مشفوعة بقيمة إدهاش. هي القيمة الفارقة بين جلسة سرد ونميمة واشتغال على وصف ممل وبين الذهاب إلى الشعر وأيضاً في هذه التجربة محاطة بانتباه الحواس. اللمس أولها كمركز لا في عنوان الإصدار نفسه بل باعتباره مركز وسيد الحواس بتعطّل ما يرفدها!
تتجنّب دهنيم ذلك الفلَتان في اللغة والصورة. بمزيد من التأني. مزيد من لمس الكلمات أيضاً. تتعامل مع المفردة باعتبارها مخلوقاً/ كائناً.
مساحة من تصوّف. مساحات مائية. بعضها يذهب عميقاً في التجربة الخاصة. بعضها ينفلت... يرتبك... يدشّن تيهه. تيـه فيه وصول. لا متعة في تيه نهايته وصول وبلوغ. المتعة في ألاّ تصل. استمرار الدرس. درس الطرد من المكان والحيّز. منه تتسع الرؤية والرؤى.
الفيلسوف ملا صدرا الشيرازي (ت 1055 ـ 1640م) في كتابه «الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة» لا يأتي بالخارق بالإشارة إلى أن أول مراتب الحواس هي اللمس لأنّ الحاجة بها أمسّ ولهذا يعم الحيوانات كلها ويسري في الأعضاء كلها إلا نادراً.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4200 - الجمعة 07 مارس 2014م الموافق 06 جمادى الأولى 1435هـ
قرأت الديوان واذهلتني لغته
شكراً لمقالتك الجميلة عن الجميلة سوسنة الماء المجموعة الشعرية تدخلك عالم من الحب والشعرية والجمال قرأتها واعرتها كل افراد عائلتي وكانوا سعيدين بها