حضرت ندوة نظّمها الشباب أنفسهم واختاروا متحدثيها وعنوانها الملفت: «ماذا يريد الشباب؟».
كان واضحاً وجود وعي عند المتحدثين بقضايا وهموم الشباب بالنسبة لمواضيع من مثل البطالة، وعدم تكافؤ الفرص، والتمييز القائم على أسس طائفية أو قبلية أو قرابات عائلية، وعدم جودة التعليم الذي يحصلون عليه، وتهميش تواجدهم في الحياة العامة وبالتالي عدم الأخذ بهمومهم وأحلامهم، وغيرها من المواضيع التي تجعلهم يشعرون بالإحباط وبانسداد آفاق المستقبل.
وقد ذكر بعضهم انزعاجه من تواجد مشاكل عامة في مجتمعهم من مثل الفساد والمحسوبية ومنافسة الأجانب لهم في الوظائف والرزق وفرص الترقّي واستعمال الخدمات العامة.
لقد كان لدى المتحدثين وعي اجتماعي قوي جعلهم قادرين على التحليل والتشخيص المتميّزين، لكن كان لافتاً للنظر عدم التطرق بنفس القوة والوضوح إلى العلاج والحلول. وفي اعتقادي أن السبب يعود إلى عدم تناغم وتلاحم وعيهم الاجتماعي العميق بوعي سياسي قادر على الدخول في أعماق المشاكل وربط مسبّباتها وعوامل استمراريتها بالإشكالات السياسية، على مستوى المجتمع أو مستوى الدولة أو مستوى الإقليم والوطن العربي الكبير، التي ترزح تحتها الحياة العربية أينما وجدت. ومع ذلك فأن إلحاح بعض المتحدثين على أهمية وجود مشروع وطني جامع كأحد المداخل لحلّ إشكالات المستقبل جديرٌ بالإبراز والتنويه.
تصادف أنه في اليوم نفسه الذي كنا نحضر فيه تلك الندوة المحلية، كانت هناك ندوة تقام في بيروت تحت عنوان «الشباب والمشروع النّهضوي العربي: ما العمل؟»، والمقارنة بين الندوتين تظهر فروقاً هائلة في مقدار الوعي السياسي عند الطرفين، حتى مع الأخذ في الإعتبار الاختلاف في العنوانين.
ففي ندوة بيروت تمّ التأكيد على قضايا من مثل الأهمية القصوى للمشروع النهضوي بمكوّناته الست في الديمقراطية والوحدة العربية والتنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والقومي والتجديد الحضاري، والتأكيد على أهمية وحدة أو تناسق النضال الشبابي العربي، ونشر ثقافة قبول الآخر والتسامح ونبذ العنف، والانتقال للمواطنة وترسيخها، ومقاومة المشروع الصهيوني الامبريالي، والابتعاد عن تقديس الأشخاص أو الأحزاب أو الانخراط في عبثية تكفير الآخرين.
لم يتطرق الشباب المجتمعون في بيروت لقضاياهم الاجتماعية لاعتقادهم، كما أظن، أن حل الإشكالات السياسية سيمهّد الطرق لحلّ الإشكاليات الاجتماعية والمعيشية العربية الكثيرة.
هدف المقارنة ليس التفضيل أو الإشادة بنهج معيّن أو التقليل من قيمة قضايا محدّدة. الهدف هو التأكيد على أنه إذا كان الشباب العربي يريد استلام قيادة التغييرات الكبرى إبّان الربيع الصّاخب الذي ستعيشه الأمة لسنين طويلة قادمة، فإنّ قيادته لن تكون فاعلةً وبمستوى تاريخي إلا من خلال دمج عضوي متوازن إبداعي فيما بين الوعي الاجتماعي والوعي السياسي.
لو تفحّص الشباب مراجع علم السياسة فسيجدون مكاناً بارزاً لما يسمّى بـ «المسألة الاجتماعية» في قلب تلك المراجع. ولو قرأوا أحداث الثورة الفرنسية التي غيّرت وجه أوروبا كلها إلى الأبد، لوجدوا أن برنامج تلك الثورة كان استجابةً لما سَّماه روبسبيير، أحد أبرز قادة الثورة بـ «الأقدس فيما بين كل القوانين: رفاه الشعب»، وهذا في صلب الحياة التي تسعى إليها جميع المجتمعات.
ما يحتاج أن يعيه الشباب العربي هو أن أوضاعهم المحلية ليست جزراً منفصلة عن محيطهم العربي، فوجود الانقسام والصراع الطائفي في قطرٍ مجاور، أو هوس نظام سياسي قريب بتزمت ديني متخلف، أو تمكن الاستعمار من قطر عربي بعيد، أو انتشار الفقر في أصقاع الأرض العربية، على سبيل الأمثلة، ستجعل من حل مشاكلهم الاجتماعية الداخلية أمراً صعباً ومعقداً ومحفوفاً بالمخاطر. هذا النوع من الوعي المطلوب هو في صلب السياسة، وتثبت المنهجية الشيطانية القائمة حالياً في كل الأقطار العربية من أجل تدمير وتمزيق كل المجتمعات العربية وإخراجها من العصر بأن لا منجاة لأحد إلا في سفينة نوح العربية.
وإذن فحتى الوعي السياسي الذي يجب أن يصاحب الوعي الاجتماعي، سيكون وعياً ناقصاً ما لم يكن وعياً سياسياً وطنياً وقومياً في آن واحد.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4199 - الخميس 06 مارس 2014م الموافق 05 جمادى الأولى 1435هـ
التكامل ..
من يريدون الخير للبحرين .. يتكاملون و يتعاونون في تحقيق العدالة و الديمقراطية التي يطمح لها الشباب و كل الشعب ..
ما دام هناك نخبة من الواعين السياسيين و يتكاملون مع الشباب و الشعب الواعي إجتماعياً .. فينتج الحل و تحل الأزمات و تتقدم للبلد للأفضل .. #البحرين
ضربة أستاذ
هذا ما لا يود معرفته الساسة في كلا الطرفين حكومة ومعارضة، أن شباب البلد قد تغيروا وأصبحوا اجتماعيين وسياسيين، حتى بلغ منهم المقام أن يحللوا كل صغيرة من القضايا الجارية، ويبرهنوا على صحة تحليلاتهم.. لا بل بلغ منهم المقام : أنهم وصلوا إلى مرحلة التنظير، أى يضعون نظريات اجتماعية وسياسية.. معتمدين على أسس وثوابت وتاريخ طويل مشابه؛ فهنا بضاعة حية ومباشرة، وحساسة ونافعة؛ لكن من يشتري؟؟ لا أحد..