لا يُرادُ لهذه الأوطان أن تستقرَّ. يُراد لها أن تكون على تواصل واتصال والتحام مع الاحتراب والقلاقل والاضطرابات، وزعزعة استقرار الحياة؛ ما يعني زعزعة استقرار الناس، ووضعهم على حافّة هاوية.
لا يُراد لهذه الأوطان أن تنشغل بتنميتها واقتصادها وحقوق الإنسان فيها. لا يُراد لها أن تُرى على خريطة العالم من حيث الإنجاز، ومن حيث تفجير الإمكانات والملكات الإبداعية التي وهبها الله إياها.
ثرواتها بمنأى عن أبنائها. الحقوق في أكثر من دائرة للغياب والتغييب والنسيان. الفِتن لا تحتاج إلى وقود. ثمة وقود يتكفَّل به بعض المحسوبين على البشر، إما تحرّشاً بالتاريخ، أو طعناً في العقائد، أو غمزاً ولمزاً حتى في شرعية وجود بشر أو لا شرعية وجودهم، ومن بعده تبدأ شرْعنة القتل وتقرير عدم استحقاق الحياة.
كل ذلك لن يترك مجالاً للأوطان كي تكون في سلامة من أمرها، وراعيةً لشئونها، وقائمةً بدورها الخلاق، ومتصدّرةً للقيمة بين بني البشر.
غابت هذه الأوطان طويلاً عن خريطة الأثر في العالم. غابت إلا من حيث كونها مصدراً للثروات التي تُحلَب، ومحطات للعبور نحو خسْف في جغرافية ليست بمنأى عنها، إن لم تكن ضمن نسيجها وتاريخها والدِّين.
غابت عن الأثر. كأنْ لا أثر يدل عليها إلا في نشرات الأخبار التي تحمل رائحة الموت والدم والقصف والأحزمة الناسفة والعمليات الانتحارية. حتى تلك التوليفة الشاذة من الحضور باتت مع مرور الوقت غير ذات قيمة وتأثير لفرط تكرارها في أكثر من بلد.
صار حتى الموت عادياً، والقلاقل عادية، والفوضى عادية، والفتن عادية، والهامش العملاق الذي نحن أسرى فيه تحت مسمّى أوطان، هو الآخر أكثر من العادي.
وليس الشعراء وحدهم الذين تحوّلوا من كتابة شعر الحب والحنين إلى النقيض من ذلك: كتابة الألم والجراح المفتوحة على المدى، والأرواح التي تبحث عن فضائها الرحب واللائق بها. ليس نزار قباني وحده الذي صرخ ذات جرح:
يا وطني الحزين
حوّلتني من شاعر يكتب شعر الحب والحنينْ
لشاعر يكتب بالسكّينْ...
الإنسان البسيط الذي لا علاقة له باللغة غير أن يتحابَّ الناس فيما بينهم، وغير لغة أن يوزّعوا حصص الطمأنينة فيما بينهم، وغير أن يذهب البسيط منهم إلى عنائه راضياً مرضيّاً ولو أفنى عمره من أجل القليل، مادامت الحياة في دورتها الطبيعية، والناس ملء كرامتهم والقيمة والحقوق. حتى ذلك البسيط صار في لجَّة وعمق دورة هذا العذاب الذي يبدو أنه لم - ولن- يكلّ بحسب وفرة الطاقة التي تغذّيه، وتسيّر عجلته!
وفي ظل الموت الفائض، والكوارث التي تسع البشر كل البشر على هذا الكوكب، تظل تبحث عن الأوطان ولكنها هناك تحت الركام والدخان وازدهار الجثث والتوابيت والقبور والانحناء الطويل بحثاً عن حيّز لمواراة الحياة، وإن جاءت في هيئة شخص أو أشخاص، أو أمّة بأسْرها.
ونحن في الأوطان نفتقد معناها والدفء الذي تمنحه لأبنائها في حياتهم الطبيعية؛ لكننا بمنآى لسنوات ضوئية عن ذلك المعنى الذي صادرته السياسات. وهي ذاتها السياسات التي أدخلت الجغرافية العربية من الماء إلى الماء في رمال متحرّكة، ودوائر في محيط تبتلع في ماخرٍ لعبابها.
نفتقد الطمأنينة، وحين يصل الإنسان – أي إنسان – إلى ذلك الشعور والاقتناع بها، من الصعب عليه، ومن الصعب على سواه أيضاً إقناعه بأنه يحيا في ما تعرفه كل أمم وبشر الأرض، في أوطان.
كأنه مناطق احتواء لروحه، واستلاب وشلّ للحيوي فيه. كأنه منذور للذهاب والسفر على غير هدى، حتى وهو لم يبرح مكانه.
وليس أصعب على الإنسان من البحث عن وطنه وهو في وطنه. تلك هي ذروة الاغتراب والغياب بمراراته التي تكاد ألاَّ تنتهي. وليس أصعب عليه من تعطيل وتأجيل طاقاته وإمكاناته حتى تذوي ويذوي معها، ويحاصره أكثر من خريف وهو الذي ظل يتوهّم الربيع حتى النهايات!
ولن يزاحم هذا السؤال أو التساؤل أياً من الأسئلة والتساؤلات اليوم: متى يتوقف الموت عن حصاده المبكّر؟ أعني الموت في صوره المتعددة، ذلك الذي فيه تشييع وقبور ونعي، وذلك الذي برسْم وحقيقة الموت بالنظر إلى طبيعة وحقيقة الحياة.
متى نلتفت إلى الحياة وتلتفت إلينا؟ كي يتحقق ذلك في سياسات لا تؤشّر ولا تدل إلا على الموت؟ في ظل احتكار لم يكتْف بالحياة، بل وجد لزاماً عليه أن يكون وكيلاً عن الموت ومتحدثاً باسمه.
كأننا ببسيط العبارة: خارج الأوطان ونحن بالكاد نتحرك في تلك السجون العملاقة المفتوحة على المجهول والعبث أيضاً!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4198 - الأربعاء 05 مارس 2014م الموافق 04 جمادى الأولى 1435هـ
شكرأ لصحيفه الوسط
اسم على مسمى نعم وسطيه بكل ما تعنيه الكلمه من معنى مقارنه بصحف محليه اخرى والله الصغير قبل الكبير يستنكر هادا العمل الجبان الدى ليس من خلق اهل البحرين ولكن عندما يصر البعض فى اعمدتهم اليوميه اتهام الناس بل الكدب والتخوين وبيع البحرين للدول اخرى والتخابر بل الرغم من استنكار اكبر المرجعيات ليس فقط فى البحرين وانما فى تلك الدول الدى يعتبرها البعض الجهه المحرضه والداعمه للجمعيات السياسيه على اساس الشك فى النيه ومن جهه اخرى من المستفيد من هادا العمل الارهابى
الهم اجعل العاقبه بالخير على الوطن
اللهم فك قيد كل اسير
قول الحق ولو على نفسك
نُشهد الله تعالى بأنّنا نتبرّأ ممّن قام بهذا العمل الارهابي في منطقة الديه، ولا نقبل له عذراً ولا ديناً، ومهما كانت أسباب الموت فإنّنا نعلم بأنّ الفتنة أشد من القتل، نقتل بضع أشخاص من تلك الطائفة لنؤجّج الغضب، ونقتل بضع أشخاص من هذه الطائفة حتى ترد بالمثل أو أشرس من ذلك، وهلمّ جرا. ولكن الجميع – عموم أهل البحرين – لا يقبل القتل شكلاً ولا تفصيلاً، ومهما حدث بيننا فإنّ قتل النفس البشريّة حرّمه الله.
ليت قومي يعلمون
ليت قومي يعلمون كلامك فيمتثلوووه، والحاصل في العكس تحشيد معنوي و تخريب ممنهج و غلق الطرقات بالاطاراتق و براميل القمامة على الساكنين و المقيمينز