بعد أن هدأت عاصفة انتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين ووصل مجلس الإدارة الجديد ليتسلم مقاليد الغرفة ويقودها حتى الانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات، هنا لابد من وقفة تأمل تنطلق من رؤية مستقلة موضوعية لما يجب أن يكون عليه دور الغرفة في مجال النشاط التجاري والمنوط به في تحقيق أهدافها في هذين المجالين.
بدايةً نعرض إلى ما تميّزت به انتخابات الغرفة لهذا العام، فقد شهدت دخول عدد كبير من المترشحين بلغ 58 مترشحاً، متجاوزاً أعداد المترشحين في الانتخابات السابقة، وهذا يؤشر إلى حجم المنافسة التي تميزت بها هذه الانتخابات.
كما شهدت توزع المترشحين إلى 6 تكتلات انتخابية تضم في بعضها كبار رواد العمل التجاري كأمثال خالد المؤيد الذي قاد تكتل «معكم»، وحظيت كتلته بنصيب الأسد في المجلس الجديد؛ وكذلك خالد الزيانى الذي قاد كتلة «تضامن» ولم يحالفها الحظ في نيل العدد المتوقع من الأصوات، حيث حظيت بعدد متواضع جداً في المجلس الجديد.
وقد توقع البعض أن تسقط وجوه كانت قد احتلت المراكز المتقدمة في انتخابات الدورة السابقة، وصعدت وجوه جديدة حالفها الحظ بانتزاع عضوية المجلس الجديد. كما اختفت عن المشهد التجاري أسماء تجارية بارزة نأت بأنفسها عن هذه الانتخابات لدفع دماء جديدة في شرايين الغرفة كأمثال الرئيس السابق عصام فخرو والنائب الأول إبراهيم زينل. كما أن هذه الانتخابات هي الأولى في تاريخ الغرفة التي غابت فيها التوكيلات والتخويلات، والتي كان لها الأثر الكبير في حسم انتخابات الغرفة السابقة.
وقد سبق الانتخابات تنافس التكتلات في عقد اللقاءات الانتخابية في فنادق الخمس نجوم لغرض الترويج لبرامجها للمرحلة المقبلة، كما استحوذت على نصيب كبير في مجال التغطية الإعلامية من خلال الصحافة والندوات التلفزيونية والحلقات الحوارية مع المترشحين.
وقد شاب انتخابات الدورة الأخيرة بعض الإشكالات القانونية فيما يتعلق بتغيير مكان الاقتراع، حيث تم تحويل المكان من مركز البحرين للمعارض إلى مركز الشيخ عيسى الثقافي في الفاتح لغرض -وكما صرح بذلك رئيس المجلس السابق عصام فخرو- وهو رغبة عدد كبير من الناخبين والمترشحين تأمين أجواء آمنة تضمن سير الانتخابات بشكل طبيعي وهادئ.
وقد طعن بعض المترشحين في قرار الرئيس السابق مستشهدين بمادة قانونية في نظام الغرفة، حيث أرجع هؤلاء الطاعنين النسبة المنخفضة للناخبين الذين أدلوا بأصواتهم إلى هذا التغيير المفاجئ في المكان حيث صوت ما يقرب من 40 في المئة من الذين يحق لهم التصويت. إلا أنه لا يتصور أن يكون لهذا الطعن أي أثر علي سلامة الانتخابات وصحة نتائجها.
جاءت انتخابات 2014 بعد فترة عصيبة شهدتها الغرفة إبان الأحداث التي شهدتها البحرين في العام 2011، وكان لها تداعيات سلبية ومع الأسف الشديد، في خلخلة النسيج المهني والأخوي ببن أعضاء مجلس الإدارة السابق، تمثلت في إبعاد عضوين من مجلس الإدارة ومن ثم إعادة عضويتها.
وبغض النظر عن الأجواء التي أحاطت بعملية الانتخابات، فإن أمام مجلس الإدارة الجديد عدداً من التحديات الكبيرة، تتمثل أهمها في قدرة المجلس على تنفيذ الأهداف التي تعهد بها أعضاؤه إبان الحملة الانتخابية، والتي يتصور الكثيرون أنها مجرد وعود بتحقيق انتعاش حقيقي في الحركة التجارية والاقتصادية، وذلك لافتقارها إلى الآليات والوسائل الفاعلة والممكن السيطرة عليها للتمكن من إنجاز هذه الأهداف.
كما أن الشارع السياسي وما يشهده من احتجاجات ومظاهرات من قبل قوى المعارضة لها انعكاساتها على الوضع الاقتصادي، وهذه عوامل خارج نطاق سيطرة الغرفة، وبالتالي قد تؤدي إلى عرقلة الفرص في إنجاز الأهداف المنشودة وهى تشكّل أداة ضغط على كل الأطراف بما فيها مؤسسات المجتمع المدني، وغرفة التجارة واحدةٌ منها، لحلحلة الأمور والخروج من عنق الأزمة.
ما أود أن أعرضه في هذه المقالة هو تصوّري المتواضع للدور الحقيقي الذي يجب أن تضطلع به الغرفة في المرحلة القادمة، بعيداً عن الوعود البرّاقة والأحلام الوردية لكافة التكتلات التي خاضت الانتخابات والمترشّحين سواءً الذين فازوا أو خسروا الجولة.
على مجلس إدارة الغرفة أن يدرك، وهو لابد أن يدرك، أن الحكومة هي اللاعب الأساسي في رسم السياسة التجارية والاقتصادية للدولة، وأن أهداف الغرفة التي تسعي لتحقيقها بأن يأخذ القطاع الخاص دوره في حركة التنمية، لابد أن تنسجم مع أهداف وسياسات واستراتيجية الحكومة الاقتصادية، وعلى الغرفة أن تمارس دور الشريك الفعال مع الحكومة في تحقيق هذه الأهداف. فلم تعد الأهداف التي وضعها المترشحون في حملاتهم الانتخابية وكانت في جزء كبير منها لدغدغة مشاعر الناخبين وكسب تأييدهم، أجد من الصعب بل المستحيل أن تجد طريقها إلى التنفيذ لأنها قد تصطدم بسياسات الحكومة الاقتصادية.
وسأقوم هنا بتلخيص مبسط لإستراتيجية الدولة الاقتصادية، وكما تشير إلى ذلك الرؤية الاقتصادية 2030، وكذلك الإستراتيجية الوطنية الاقتصادية 2009-2014، لنتبين موقف القطاع الخاص منها من خلال مجلس الإدارة الجديد.
تتمثل استراتيجية الدولة في جانبها الاقتصادي في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على موارد البترول الناضبة، والسيطرة على عجز الموازنة وضبط النفقات، وكبح جماح التصاعد في مستويات الدين العام ومكافحة البطالة، وتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي ودفع القطاع الخاص لقيادة حركة النمو الاقتصادي والقطاع الجاذب والموظف للعمالة البحرينية.
وإذا أخذنا علي سبيل المثال الدين العام الذي حظي بتغطية واسعة في الصحافة المحلية مؤخراً، وكان موضوعاً للمناقشة في أكثر من جلسة برلمانية، قد تجاوز الـ 5 مليارات دينار، وعلى رغم أنه في المستويات المقبولة قياساً إلى الناتج المحلي الإجمالي (45 في المئة)، إلا أنه تجدر الملاحظة أنه قد قفز إلى أكثر من ست مرات خلال السنوات الست الأخيرة، وإذا ما استمر هذا التصاعد من دون معالجة حقيقية، فقد يتجاوز الحدود المسموح بها ويعرّض الدولة إلى صعوبات وتحديات في قدرتها على تسديد هذه الديون وخدمتها، ما يضعها في موقف لا تُحسد عليه، وقد تشهد ما شهدته بلدان أخرى في العالم.
والحكومة إزاء هذا المشهد المخيف لحجم الدين العام، سعت وتسعى إلى تبني إجراءات من شأنها تقليل العجز في الموازنة، والحدّ من الاستدانة لتمويل نفقاتها. فقد حاولت الحكومة ومنذ فترة طويلة، إلى التعامل مع ملف الدعم المقدّم لبعض السلع وتبني سياسة توجيه الدعم إلى مستحقيه (كان حجم الدعم 823 مليون دينار العام 2007 واحتمال أن يصل حسب محللين اقتصاديين إلى 1380 مليون هذا العام بزيادة تقرب من 70 في المئة)، إلا أنها لم تتوصل إلى آلية فاعلة في هذا الشأن.
وقد حاولت الحكومة قبل بضع سنوات تقليص الدعم عن اللحوم بمقدار مئة فلس فواجهت معارضةً شديدةً من جهات عدة - القصابين والمستهلكين- فتمّ إيقاف القرار. وبالأمس القريب أرسلت الحكومة بالون اختبار آخر حينما قرّرت زيادة سعر البنزين بمقدار 20 في المئة، حيث جُوبه بمعارضةٍ شديدةٍ وعاصفةٍ من النقد من البرلمان ومن قطاع كبير من التجار والمستهلكين. وقد أصدر سمو رئيس الوزراء قراراً بوقف تنفيذه.
وكلنا يتذكر مشروع «مكنزي» قبل حوالي عشر سنوات الهادف إلى إصلاح التعليم والاقتصاد وسوق العمل. فقد اقترحت «مكنزي» آنذاك في مجال إصلاح سوق العمل لمعالجة التشوهات في هذه السوق، رفع تكلفة جلب العامل الأجنبي لدفع القطاع الخاص لتفضيل العامل البحريني في الوظائف التي يعرضها، وكان المبلغ المقترح 75 ديناراً تدفع مقابل كل عامل أجنبي. القرار لقي مقاومة عنيفة من أصحاب الأعمال، وبعد مناقشات طويلة ومضنية تم تخفيض التكلفة تدريجياً إلى عشرة دنانير، ومازال هناك من يطالب بإلغاء هذا المبلغ. وقد تم تجميده بعد أن تعثرت أعداد كبيرة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وذلك في أوج الأحداث التي شهدتها البلاد وألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي .
من خلال قراءة متأنية للمشهد الاقتصادي للبلاد، أعتقد أن الحكومة قد تتجه لا محالة إلى انتهاج سياسة التقشف التدريجي من خلال العمل على رفع الدعم التدريجي عن بعض السلع، وإيجاد آلية لتوجيهه إلى مستحقيه. كذلك الحكومة قد تتجه إلى رفع بعض الرسوم والضرائب على الخدمات التي تقدمها سواءً للقطاع التجاري أو المواطنين. وليس مستبعداً أن تتجه الدولة إلى فرض ضرائب على الدخل في الأمد البعيد، بعد موافقة البرلمان الذي سيقف حاجزاً أمام تمرير مثل هذه القرارات.
هناك تفهم لسياسة الحكومة في رسم معالم المشهد الاقتصادي وإعادة هيكلة الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على إيرادات النفط المتضائل، والبحث عن موارد جديدة لتمويل موازنة الدولة وتخفيض حجم الدين العام. وفى هذا الإطار ستلجأ الحكومة، إلى سياسة التقشف التدريجي وضبط النفقات من خلال عدد من السياسات والإجراءات المشار إليها أعلاه.
بعاً مثل هذه السياسات التي لا أستبعد أن تقدم عليها الحكومة مضطرةً، ستؤثر تأثيراً مباشراً على القطاع الخاص وقدرته على التعايش مع هذه الأجواء، بل سيعمل كل ما من شأنه تعويق هذه السياسات، فهو لن يستسلم أبداً ولن يقف مكتوف الأيدي متفرّجاً على ما تسعى الحكومة لعمله.
السؤال هنا: ما هو موقف القطاع الخاص إزاء هذه التطورات؟ وما هو دور الغرفة من خلال مجلس إدارتها الجديد الذي يمثل مصالح هذا القطاع؟ هل سيسعى المجلس إلى وضع استراتيجية واضحة وشاملة للتعامل مع هذه المستجدات والتطورات على الساحة الاقتصادية؟ وهل ستكون غرفة التجارة شريكاً فاعلاً مع الحكومة ويعملان معاً في رسم معالم السياسة الاقتصادية الجديدة بما يحفظ المقومات الأساسية للاقتصاد الوطني ويحفظ مصالح القطاع التجاري الاقتصادي؟
هذه بعض الأسئلة التي تبحث عن إجابات، وعلى مجلس الإدارة أن يجيب عليها. باختصار شديد مجلس إدارة الغرفة واقعٌ بين المطرقة والسندان: مطرقة الحكومة وسياساتها الاقتصادية وسندان القطاع الخاص ومصالحه وتوجهاته.
وأرى أن باكورة عمل المجلس الجديد هو اللقاء مع الحكومة والتنسيق معها من خلال فتح الملفات الساخنة التي تشكّل تحديات اقتصادية للدولة وللقطاع الخاص، والعمل على وضع تفاهمات مشتركة بشأنها بما يضمن الحفاظ على مصالح الوطن والأجيال المقبلة، ودور القطاع الخاص في تحقيق التنمية واستدامتها.
إقرأ أيضا لـ "ناظم صالح الصالح"العدد 4195 - الأحد 02 مارس 2014م الموافق 01 جمادى الأولى 1435هـ