قراءة التاريخ الحديث مليئة بكثير من الدروس والعبر التي مرَّت وعاشت معها تجارب الشعوب في كل بلد من بلدان العالم. والبرتغال إحدى هذه الدول التي حظي تاريخها السياسي الحديث بشخصية لا يمكن أن تشطب من تاريخ هذا البلد الذي استعمر بلداناً شتى، منها البحرين التي ظلت تحت حكم البرتغاليين في القرن السادس عشر على مدى ثمانين عاماً- بحسب المؤرخين الغربيين.
وبحسب المصادر فقد كانت البرتغال، منذ العام 1930، خاضعة لنظام فاشي، من طبيعة ديكتاتورية تحت قبضة انتونيو دو اوليفييرا سالازار، المعجب بموسوليني الإيطالي وفرانكو الإسباني وهتلر الألماني.
طبيعة سياسته كانت شمولية، مبنية على السلطة، المرتكزة على الحزب الوحيد، والنقابة الوحيدة. وقد قام نظام سالازار، الذي واجه منذ بدء العام 1960 حركة تحرر المستعمرات البرتغالية بإفريقيا (انغولا، موزمبيق، غينيا، الرأس الأخضر)، بإرسال حملة عسكرية حاولت، بلا جدوى، القضاء على التمرُّد. كما شهدت السنوات نفسها تشكل طبقة عاملة بدأت تخوض نضالات تصدت لها دوماً الشرطة بالقمع الشرس ضد اضطرابات الطبقة العمالية والكادحة بين العامين 1968و1969. فقد عمل سالازار، قبل حكمه الديكتاتوري، في خدمة الحكومة، إذ كان خبيرًا في الشئون المالية، وأستاذاً في علم الاقتصاد بجامعة مومبرا، وقد رفض أن يشغل منصب وزير المالية في العام 1926؛ لأنه كان يرى أنه لا يمتلك السلطة الكافية لحل مشاكل بلاده. وفي العام 1928 تردت الحالة الاقتصادية في البرتغال لدرجة أن الحكومة أعطت سالازار السلطات التي طالب بها.
شغل سالازار منصب رئيس الوزراء في الفترة من 1932 إلى 1968. كان رئيس الجمهورية في العام 1951 بصفة مؤقتة. أسس وقاد ما يعرف بالدولة الجديدة «نوفو استادو» التي حكمت وسيطرت على البرتغال من العام 1932 حتى العام 1974. عندما أصبح رئيساً للوزراء أعلن في العام التالي من منصبه دستوراً جعل منه حاكماً استبداديّاً، فقد أقام سالازار دولة عسكرية، واضعاً النقابات تحت إدارة الحكومة، ومنع حرية الصحافة والحريات السياسية، وأقام الاقتصاد على قواعد محكمة، لكنها كانت على حساب الأجور، ورفاهية كثير من المواطنين. وفي وسط الحرب العالمية الثانية احتفظ سالازار بحياد البرتغال.
تحولت العاصمة البرتغالية لشبونة إلى حلقة الوصل بين الدول الحليفة ودول المحور، إذ كان عملاؤهم يعملون بحرية تامة في أنحاء الدولة. ومع ذلك استطاع سالازار أن يحافظ على علاقات البرتغال التقليدية بإنجلترا، ومنح الدول الحليفة قواعد جوية وبحرية في جزر الآزور، وهي مجموعة جزر برتغالية تقع في المحيط الأطلسي.
غير أنَّ معارضيه داخل البرتغال تزايدوا مع أواخر الستينات في القرن الماضي. وفي يوم (25 أبريل/ نيسان 1974)، هزت «ثورة القرنفل» عرش الديكتاتورية البرتغالية المتأصلة منذ 40 عاماً، إذ قامت مجموعة من ضباط الجيش، ترافقهم حشود الجماهير وحركة شيوعية سرية، بثورة ضد النظام. ومن المدهش أن النظام الديكتاتوري انهار كبناء هش، فقد وضعت مجموعة ضباط شباب حدّاً نهائيّاً لديكتاتورية فاشية بدأها سالازار. وفي الأسابيع اللاحقة كان العمال والفلاحون ولجان الجنود صانعي إحدى أهم التجارب الثورية التي حدثت بأوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين.
ما حدث في البرتغال قبل أربعين عاماً هو ذاته تكرر مع مطلع العام 2011 في ثورات الربيع العربي التي انطلقت مع ثورة الياسمين في تونس. فما عانته البرتغال في عهد سالازار هو بالمثل ما تعاني منه بلدان كثيرة، وعلى رأسها غياب الديمقراطية وتفشي الفساد والفقر، أضف إلى ذلك التطرف والتصفية المذهبية والعرقية التي لا تعترف بالتعددية بأي شكل من الأشكال.
ما افتقدته البرتغال في الماضي هو ما تفتقده المنطقة العربية التي لا تحظى بدعم حقيقي من الغرب لإفراز الديمقراطية الليبرالية على غرار البرتغال، إلى جانب أنها مازالت تعيش صراعاً بين من يطالب بالديمقراطية وأخر يعارضها لصالح الديكتاتورية التي تفرِّق المجتمعات لصالح الهيمنة على السلطة.
البرتغال كانت بعيدة عن تحولات ديمقراطية وحتى بوجود طبقة وسطى كبيرة لنيل مكاسب الثورة، فيما بدا الجيش، الذي تولى السلطة بعد سقوط النظام الديكتاتوري، ضائعاً لكن وعلى رغم ذلك، فإنه بعد بضع سنوات، خرج هذا البلد بحلة مختلفة، انضم لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي ليصبح في الوقت الراهن واحداً من أكثر الديمقراطيات ليبرالية في العالم.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4194 - السبت 01 مارس 2014م الموافق 29 ربيع الثاني 1435هـ