لا يمكن فصل حياة الإنسان عن الفن والإبداع بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن تجاهله حتى من قِبَل أولئك الذين يدّعون حرمته دينياً؛ فدعواهم تكتب بطريقة فنية وكلامهم ينمق بالفن، ولا بد أنهم يلجأون للفن في دروسهم شعراً ونثراً وتصويراً ورسماً.
والإبداع والفن يجب أن يكون جامعاً منيراً، يتخطى الحواجز العرقية والدينية والمذهبية والأيديولوجية، وإلا فإنه لا يكون في مسار رسالته السليم، ولا يحقق هدفه والدافع الأساسي من وجوده، وهو ما أثبتته الأمسية الموسيقية التي أقامها الفنان الموسيقي عازف الفلوت البحريني أحمد الغانم، مع عازفة البيانو جيل لابينغ، في كاتدرائية سانت كرستوفر مساء يوم (الخميس) الماضي.
عنوان الأمسية كان: «الموسيقى لغة السلام»، وقد خُصِّص ريعها للأعمال الخيرية، وهي ليست الأمسية الأولى التي يقيمها الغانم في ذات المكان؛ إذ سبق وقدم حفلاً بعنوان «المرأة نبع الحنان» مع عازفة بيانو أميركية في العام الماضي.
حققت الأمسية عدداً من الأهداف، إذ كانت تغني للسلام الذي تتوق له الأرواح في شتى بقاع الأرض، مع ارتفاع أصوات القتل والاحتراب، غنّت الأمسية للسلام بألحان من مختلف الدول والثقافات والعادات، قدمها عازفان من ديانتين مختلفتين في وسط العاصمة المنامة، التي عُرِفت دائماً بتسامحها الديني والعرقي، وقد احتفت الأمسية أيضاً بالفنان البحريني الراحل مجيد مرهون، مع مضي أيام معدودات على ذكرى وفاته الرابعة، وهو الذي حاول مراراً أن يكسر حاجز المحلية للحن البحريني ليطلقه عالياً في أرجاء العالم، فنجح في إقناع الأجيال من بعده بأن الفنان البحريني قادرٌ على خلق المستحيل من خلال منافسته لأقرانه في العالم أجمع والتفوق عليهم في بعض المجالات، كما أثبتت الأجيال الحالية. كما جمعت الأمسية جمهوراً من مختلف الجنسيات والأديان والتوجهات جاءوا جميعاً ليكونوا تحت سقف واحد لنصرة السلام ولتلبية دعوة الفن والإبداع.
الفن وسيلة لتنقية الروح وصقلها للفنان ولجمهوره؛ ولهذا فإن لم يكن له رسالة سامية غير الترفيه والمتعة - وهي إحدى رسالاته - سيكون كغيره من الوسائل التي لا تقدم للبشرية ما يجعلها ترتقي وتزدهر وتثمر عقولاً تفكر فتبدع حين تنفذ وتبهر وتقود غيرها.
إن لم يكن الفن قادراً على توحيد القلوب فإنه سيكون ناقصاً، وإن لم يكن دافعاً للفنان لكي ينظّف قلبه من الأحقاد ويطلق ضميره حراً قادراً على التمييز بين الصواب والخطأ، بين الظلم والظالم، بين الحق والباطل، فإنه لا معنى لوجوده لأنه سيكون خاوياً يقتل الوقت من غير فائدة ترتجى منه.
أيها الفنانون: تذكروا دائماً أن ما يميز الفن عن غيره هو قيمته الإنسانية قبل الإبداعية، فلا تبخسوه حقه حين لا تصقلوا أرواحكم وتكونوا مع الحق أينما وجد، ولا تنسوا أننا إذا أردنا معرفة مدى عظمة أمة يجب أن ننظر إلى فنها.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4193 - الجمعة 28 فبراير 2014م الموافق 28 ربيع الثاني 1435هـ
لغة السلام تندثر حين يطالب الشعب بحقوقه
لا وجود للغلة السلام حين يطالب الشعب بأدنى حقوقه ولا توجد الا لغة القمع