كان العراق مصدرا للأخبار خلال ربع قرن، وربما سيبقى كذلك لربع قرن آخر... ليقدم الجديد والمثير من الأخبار التي تثير الحيرة والاضطراب.
استقرار العراق هو استقرارٌ للمنطقة، واضطرابه اضطرابٌ للجميع، والذين راهنوا على تقويضه وتركيعه، وشاركوا بفعلية في حصاره، وقدّموا كل ما يستطيعون لغزوه، كانوا أول من عضوا أيديهم ندما وحسرة.
العراق الجديد سيبقى مصدرا متجدّدا للأخبار المثيرة أيضا، لعل آخرها خبر اعتقال وزير التجارة الذي حاول الهرب إلى دبي، فرارا من وجه العدالة، لتجنب التحقيق في تهمٍ بالفساد، من بينها صفقات لتوريد أغذية فاسدة منتهية الصلاحية. وهو بلاءٌ لا يخص العراق وحده، فهناك دولٌ عربيةٌ يباع فيها لحم الحمير للجمهور الفقير، ويدافع البائع الصلف عن جريمته بأنه يساعد الناس أصلا على أكل اللحمة! ميزة العراق ان نوابه اليوم يمكنهم أن يحاسبوا الوزير دون أن تفزع له طائفته أو حزبه أو جماعته.
قبل أن يجف خبر اعتقال الوزير، أخذت ترد الأخبار الساخنة من الجبهة الكويتية، بسلسلة مواقف تصعيدية من قبل نواب البلدين، لا تخدم أيا من القطرين الشقيقين. فالنواب العراقيون وهم على أبواب مرحلةٍ انتخابيةٍ جديدةٍ، لن يجدوا أفضل من الموضوع الكويتي للمزايدة عليه، وزملاؤهم الكويتيون لن يجدوا شغلا أفضل من الردّ على ذلك وهم على أبواب برلمانٍ جديد!
العراقيون طالبوا الكويت بدفع تعويضات للعراق لسماحها لقواتٍ أجنبيةٍ بغزو بلادهم عام 2003 دون تفويضٍ من الأمم المتحدة، ردا على ما يعتبرونه ابتزازا كويتيا مستمرا بدفع تعويضات الغزو. وهؤلاء ينفون مسئولية النظام الجديد عن جرائم النظام السابق الذي كانوا بعض ضحاياه، ويوجّهون انتقادا مريرا للموقف الكويتي الرافض لرفع العقوبات الدولية وإخراج العراق من البند السابع الذي يهدّد العراق باستخدام القوة ويجمّد أمواله. بل وذهبت الكتل البرلمانية إلى حدّ الدعوة إلى فتح جميع الملفات مع الكويت، بما فيها الحدود التي خطّطتها الأمم المتحدة.
بالمقابل، طالب نواب كويتيون أمس (الثلثاء)، حكومتهم باستدعاء سفيرها من بغداد، وأدانوا بشدة ما سمَّوْه «تصريحات استفزازية» للنواب العراقيين، وانبرى من بينهم نائبٌ سلفيٌ متشدّد بالقول: «حتى تخرس تلك الألسنة التي تهاجم الكويت». واشترط بعضهم مناقشة قضايا الدين الكويتي وتعويضات الحرب بما يقرّره البرلمان الكويتي، وهو أمرٌ معروفة نتائجه في ظلّ استقطابٍ طائفي حاد، ونوابٍ متوتّرين لا يرون أبعد من موقع نعالهم، ولا يمتلك أكثرهم رؤية سياسية ناضجة تتجاوز الحدود.
العراقيون لا يخفون امتعاضهم من المواقف الخليجية تجاههم كشعب يستحق الحياة، قبل وأثناء وبعد الغزو، ويلومون الكويتيين خصوصا، لأنهم يخطئون مرة أخرى في اختيار الأسلوب في التعامل مع العراق، و»الضغط عليه في وقتٍ يحتاج إلى كلّ الدعم والمساعدة من جيرانه»، حسب وزير الحوار الوطني العراقي. ولذلك طالبت الحكومة العراقية نظيرتها الكويتية بسحب مذكرتها الداعية لعدم إخراج العراق من البند السابع، وتسوية الملفات العالقة بين البلدين.
التطرف في المطالب يجرّ إلى التشدّد في السياسات وتأزيم العلاقات... وهذه المرة تكون الكلمة للنواب الباحثين عن بطولاتٍ على أشلاء الوطن.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2462 - الأربعاء 03 يونيو 2009م الموافق 09 جمادى الآخرة 1430هـ