لم يكن يوماً من محبي قراءة التاريخ، ولا يصف نفسه بالباحث أو المؤرخ وإنما يرى أنه مجرد ناقل وهاوٍ يحاول قدر المستطاع أن يطلع جيل اليوم على ما فاته من الماضي، توفيق الرياش الذي أطلق صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي الانستغرام (Rayyash2013) قبل زهاء العام ينتظر اليوم ما ينشره في صفحته أكثر من 5 آلاف متابع، فيما يختصر مضمون حسابه بعبارة يقول فيها: «تاريخ أجدادي وحاضر أبنائي أسجله للأجيال القادمة، قديمه أقتبسه من مدونيه وحاضره أعكسه بعدستي وتعليقات الزوار لا تمثلني، rayyash@mac.com».
اعتمد الرياش الذي التقته «الوسط»، أسلوباً في نقل المعلومة التاريخية يرى أنه يمكن أن يفهمه جيل الأمس وجيل اليوم، فيما أسهب في تناول تاريخ «المنامة»؛ مسقط رأسه، التي رأى أنها «ظلمت» وهُجر تاريخها، لافتاً إلى بدء تبلور مشروع يقوم على طباعة كتاب عن المنامة بأسلوب قصصي، فضلاً عن مراودته لفكرة التدوين باللغة الإنجليزية وذلك للوصول بالمنامة للتعريف العالمي.
وفيما يلي ما دار في اللقاء:
لفت انتباهنا قيامك بتوثيق تاريخ المنامة عبر موقعك في شبكة التواصل الاجتماعي «الانستغرام»، فمتى بدأت ذلك؟ وكيف جاءت الفكرة؟
- انطلقت فكرة التوثيق لديّ منذ أن اطلعت على كتاب «ملامح» الجزء الثاني الذي صدر عن جمعية العاصمة قبل أكثر من عام، إذ وجدت صورتي وأنا في المرحلة الإعدادية ولم تكن تذيلها سوى أسماء الموجودين فيها، وبعد انتهائي من تصفح الصور أصابني الفضول في معرفة تفاصيل الصور وما وراءها، وبدأت أبحث عن الماضي.
لم أكن من محبي قراءة التاريخ، ولعل الطريقة التي يسرد أو يوثق بها التاريخ وجفافها أو أكاديميتها هم أسباب نفوري وابتعادي عن قراءته، على عكس زوجتي التي تعشق التاريخ وكتبه، فشجعتني على البدء بالكتابة ولكن بأسلوب سلس يحبه القارئ وبدأت تجربة الكتابة في حدود حسابي الخاص بالأسرة، وشجعني الجميع على إنشاء حساب آخر للعموم، وأعترف أني لست باحثاً أو مؤرخاً، فأنا فقط مهتم بنقل المعلومة التاريخية بأسلوب يفهمه جيل الأمس وجيل اليوم.
لماذا المنامة بالذات؟
- المنامة هي مسقط رأسي وفترة صباي التي لم يعيشها أبنائي ولم يقرأوها، وهي تاريخ أجدادي الذي لم يحفظ في كتاب، هي مركز الحراك السياسي إبان الاستعمار وبعد الاستقلال وهي الغنية بتاريخ وأصالة أهله وهي قلب شعب البحرين الذي يحوي كل ألوانه واللوحة الجميلة التي يحاول البعض تشويهها.
ما الهدف من قيامك بتوثيق تاريخ المنامة؟
- ظلمت المنامة من عدة جهات، فهجر تاريخها وأجرت مساكنها للوافدين وتشتت عوائلها وتوزعت في مختلف مناطق البحرين، حتى ضعفت علاقاتها الاجتماعية، لدرجة أنها وصمت بضعف العلاقات الأسرية والاجتماعية، فقررت أن تكون صور وذكريات الماضي سبباً وأداة لربط الأجيال ببعضها البعض والتعرف على حقيقية تاريخ المنامة لحفظة من الاندثار، ليتمكن الجيل الجديد من النظر لما كان بمنظار وأدوات يستطيع فهمها والتفاعل معها، لأن معظمهم وللأسف هجروا قراءة الكتاب والمقال الطويل.
من أين تستقي الصور والمواد التي تدرجها عن المنامة وتاريخها في موقعك؟
- مصادر الصور متنوعة، فهي تبدأ بالكتب ثم البحث في الإنترنت ومواقع الباحثين والمهتمين بالتاريخ وأهمهم موقع سنوات الجريش والباحث حسين الجمري ثم فؤاد الشكر وميرزا القصاب ورضي التناك، بالإضافة إلى اللقاءات الشخصية مع كبار السن وأحلاها هي جلسة الأهل من مختلف فئاتهم العمرية والحديث حول واقعة أو حادثة تاريخية.
كيف يتفاعل القراء معك؟
- التفاعل في البداية كان بحسب المتوقع ولكن بعد أن بدأ الناس بالانشغال والاشتغال والبحث عن كل ما هو تاريخي وبدأ بعض الأخوة بترويج الحساب ارتفع أعداد المتابعين لأكثر من ثلاث أضعاف؛ ما تعذر معه الرد على جميع التعليقات التي عادة أهتم بها، واعتقد البعض أني أتجاهله فليعذرني الجميع من عدم تمكني من الرد على كل التعليقات، وأجمل ما فيها هي الإضافات التي تثري الموضوع وتستحضر حقائق وأحداث تاريخية جديدة لم أكن أعرفها.
كما أن هذا التواصل أصبح مادة وحواراً للكثير من العائلات عند اجتماعها، فقد أخبرني الكثير من المتابعين أن غالبية المواضيع التي أطرحها يتم حولها نقاش في أيام اجتماع الأسر، بل إن إحدى الأخوات أخبرتني أن النساء والأمهات العزيزات ينتظرنها يومياً لتقرأ لهن ما كتب الرياش اليوم ليكون محور حديثهن وبعض المواضيع كانت جسراً لتعريف البعض بعائلاتهم وأقربائهم الذين لا يعرفونهم، وأنا شخصياً تعرفت على أحد الأقرباء عن طريق واحد من المواضيع التي طرحتها.
والممتع أن البعض أخذ يقترح مواضيع لطرحها وكأننا في برنامج ما يطلبه المستمعون (القراء)، بالإضافة إلى أن البعض بدأ بطلبات للبحث في جذور أو شجرة عائلته معتقداً أني متخصص في علم الأنساب أو علم تراجم الرجال.
هل يتعارض نشاطك مع عملك الأساسي؟
- لا أعتقد ذلك، فأغلب تدويناتي أكتبها وأحضرها في المساء أو في أيام الإجازة وأنشرها في أوقات مختلفة وعندما أشعر بأي ضغط من العمل أحرص على أن تكون الأولوية المطلقة لعملي وأتوقف عن الكتابة والبحث حتى أنهي عملي بالكامل، فما أكتبة أعده عملاً أمارسه في وقت فراغي.
ما هو أول ما قمت بتدوينه؟
- أول تدوينه كانت صورة خطوبتي في العام 1990 حيث كنت شخصية مختلفة تماماً عمّا أنا عليه اليوم، مما شد انتباه العائلة التي تناقلت الصورة فيما بينها مع توصيف لها كلّ بحسب قراءته، وإضافاته.
هل سبب لك التدوين أية مشاكل من أي نوع؟
- فتح التدوين بعض النقاط الساخنة في العلاقات بين الأسر أو القرى وانتقدني البعض بسبب نقص معلومات معينة في بعض المواضيع، إلا أنني أعيد وأكرر أنا مجرد ناقل وهاوٍ يحاول قدر المستطاع أن يطلع جيل اليوم على ما فاته من الماضي. ولعلّ حب البعض لطريقة طرحي جعله يجبرني على التدوين لأبعد من حدود المنامة. وهو ما بدأته الآن ولكن المنامة مازالت مغناطيس الجذب في مجمل صوري.
من مثلك الأعلى في هذا الجانب؟
- القرآن الكريم وسرده القصصي وخصوصاً سورة يوسف، فهو الملهم والمثل الأعلى الذي دفعني للكتابة بهذا الأسلوب الذي لا يمله القارئ والمتلقي من دون أن يحرف الأحداث أو ينتقص من المعلومة وحقيقتها التاريخية.
إلى من توجه نشاطك؟
- نشاطي موجة إلى جيل يقرأ الصورة وما خلفها جيل لا يقرأ السرد التاريخي أو الأكاديمي الجاف ويبحث عن المعلومة بطريقة يفهما بسهولة ويسر وجيل يستذكر ماضيه الذي عايشه وجيل لم يولد بعد ليقرأ كيف مر التاريخ من هنا.
هل تربط أولادك بتاريخ البحرين؟
- كل ما أكتبة أشارك زوجتي وأولادي في سرده وصياغته، وعندما أعجز عن الحصول عن الصورة فإني أقوم بتصوير أولادي بالمحتوى المراد التعرض له لتقريب الفكرة للمتابع والقارئ، بل أصبح تاريخ المنامة والبحرين هي قصة نتداولها كل يوم وحكاية البحرين قبل النوم.
ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك؟
- لعل أبرز الصعوبات هي نقص المادة الموثقة والصورة المرتبطة بالحدث ولي عتاب على أهل المنامة، فكثير من العوائل لديها صور ووثائق تحتفظ بها ولا تشارك الآخرين في الاطلاع عليها ما ترك لنا فراغاً لم نتمنه في معرفة وتوثيق أحداث وقعت ونسيها الناس بسبب عدم تداولها ووفاة رواتها والبعض اكتفى بأن يخبئها في أدراج منازلهم، فحبذا لو تعاون معنا الجميع لملأنا الفراغ ووضعنا النقاط على الحروف لكل الوقائع الحزينة والجميلة.
كما أن تحفظ البعض لكتاباتي عن بعض النساء اللاتي ساهمن في صناعة التاريخ وأثرن فيه كان موقع استغراب فلولا أمهاتنا لما كان لهذا التاريخ أن يرى النور ولعليّ بتدويناتي حولهن فتح الباب أمام الكثيرين ليسلطوا الضوء من دون تحفظ على تاريخ المرأة في البحرين.
ما السبب وراء زيادة نشاطك خلال هذه الفترة؟
- تفاعل المتابعين، تشجيع الأهل والأصدقاء وتعاون البعض في إرسال المعلومة والصورة كان له الأثر الكبير في زيادة هذا النشاط، فالعلاقة طردية بين توافر المادة وزيادة النشر التي تحركها العواطف والأحداث الاجتماعية والسياسية.
هل يسبب لك تدوينك لبعض الصور حرجاً أو سوء فهم مع البعض؟
- أحياناً، فمن الصعب إرضاء الجميع، كما أنني أحياناً اضطر للاستعانة بصور فقط لتوضيح الفكرة، والبعض للأسف يستخدم الصورة أو التاريخ لكشف سلبيات البعض وليس الاستفادة من التاريخ.
ما هي خططك فيما يتعلق بالتدوين؟
- هناك مشروع بدأ يتبلور بطباعة كتاب عن المنامة بأسلوب قصصي وأتمنى أن يرى النور، وهناك فكرة لجمع كل ما كتب عن المنامة من خلال الإخوان وصياغته بعد إجراء الإضافات اللازمة والتدقيق حول المصادر، كما أن فكرة التدوين باللغة الإنجليزية تراودني أحياناً وذلك للخروج من سور المنامة إلى التعريف العالمي بالمنامة وتراثها ورجالاتها.
العدد 4191 - الأربعاء 26 فبراير 2014م الموافق 26 ربيع الثاني 1435هـ
شكرًا و شكرًا
شكرًا جزيلا للأستاذ الرياش وكذلك لصحيفة الوسط التي سلطت الضوء على هذا النشاط
شكرا
لقد بدأت بمتابعة الحساب بعد قرائتي الخبر ولم استطيع اغلاق الصفحة بل كنت اود قراءة كل شي في نفسالوقت :) شكرا لك على هذا الطرح الجميل ويعطيك العافية .
كا كي كو
يآأيها الباب المقابل بابنا
هذا سلام من أبونا و أمنا
و هذي عشر قبلات من قبلاتنا
هذه كلمات كتبت في رسالة خطية من حجي رضي القطري رحمه الله إلى ابنه حسين كي ينقل تحياته لبيت الرياش الذي كان يقابل بيتنا في المنامة أثناء سفرنا مع الوالدين للعراق في عام 1978
و ما أحلى تلك الأيام
شكرا أبا حسن
كل الشكر والتقدير على مجهودكم المتواصل لتوثيق تاريخ المنامة وعائلاتها
لك خالص الدعاء بالتوفيق يا توفيق ...
أستاذ توفيق مفخرة لكل من له علاقة به...