العدد 2462 - الأربعاء 03 يونيو 2009م الموافق 09 جمادى الآخرة 1430هـ

الانتخابات اللبنانية في حسابات مراكز الاستطلاع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف قرأت مراكز الاستطلاع نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية قبل عشرة أيام من منع وزارة الداخلية نشر أرقام التوقعات حتى لا يتأثير المقترع بالاعلان عن فوز هذه اللائحة أو تلك؟

كل القراءات كانت متقاربة في توقعاتها باستثناء تلك المحسوبة على تيار الجنرال ميشال عون. فالمراكز الممولة والمدعومة من الجنرال أطلقت راجمة من الصواريخ العشوائية باتجاهات متخالفة ولكنها أجمعت في النهاية على فوز غير مسبوق لتيار عون (الوطني الحر) في تاريخ لبنان الحديث.

أما القراءات الموضوعية والدقيقة المحسوبة أيضا على الطوائف والمذاهب والمناطق وأمراء الأحزاب والحروب كانت عقلانية ومتواضعة ولم تبالغ في إطلاق النتائج عشوائيا حتى لا تسقط في مهزلة سياسية. وأكثر التوقعات مبالغة وزعت المقاعد بين 65 لقوى 14 آذار و63 لقوى 8 آذار. وأحيانا توقعت مراكز الاستطلاع أن تظهر احتمالات غير محسوبة وأخطاء غير مقصودة ما سيؤدي إلى انعكاس الصورة وانقلاب النتيجة لمصلحة 8 آذار من دون أن تحصل على عدد يتجاوز 65 مقعدا مقابل 63 لقوى 14 آذار.

نسبة الخطأ وانقلاب الاحتمالات في كل مراكز الاستطلاع لم تتجاوز عشرة مقاعد لمصلحة 14 آذار في حال نجحت في نسج تحالف متين مع القوى المستقلة (الوسطية) إلا أن توقعات الجنرال كانت شاذة في حساباتها إلى درجة أكد أنه سيشكل أكبر كتلة برلمانية في تاريخ لبنان وستتفوق على كل المجموعات الحليفة أو المعادية.

مراكز الجنرال أشارت إلى 40 و45 مقعدا وهو رقم خرافي في حسابات بلاد الأرز التي تتوزع الطوائف والمذاهب والمناطق (العائلات) مقاعد البرلمان بحسب ما يقتضي نظام المحاصصة في الأقضية والدوائر والمحافظات. فمن أين جاء الجنرال بهذه الاحصاءات وكيف توصلت أجهزته إلى صنع تلك الأرقام وتسويقها إعلاميا وديماغوجيا؟.

الاحتمال الوحيد يتركز على أن جنود الجنرال اعتمدوا في توقعاتهم على مبدأ مراكز استطلاع الأنظمة العربية الشمولية التي لا تتراجع حصتها عن نسبة 90 في المئة من أصوات الجماهير. فهذه النسبة التي اعتمدت عليها ماكينات الجنرال تعطي فعلا تياره بالتحالف مع القوى والأحزاب المسيحية الأخرى هذا المجموع من المقاعد وغير ذلك تصبح التوقعات مجرد أحلام يقظة وجنون عظمة.

فهل صحيح أن شعبية الجنرال ستجتاح مقاعد الشارع الماروني - المسيحي بنسبة 90 في المئة حتى يحصل على هذا الرقم الاستثنائي في المجلس النيابي؟. كل الترجيحات تشير إلى أرقام مخالفة وموضوعية ومتواضعة وهي عقلانية في مقاربتها للواقع باستثناء قذائف الجنرال العشوائية.

ماكينات رئيس مجلس النواب أشارت مثلا إلى أن كتلة حركة أمل (نبيه بري) لن تتجاوز رقم 19 في عدد مقاعدها. ماكينة حزب الله التي تعتبر حديثة والأكثر تنظيما توقعت ألا تتجاوز مقاعد الحزب رقم 12. والمجموع العام لمقاعد حزب الله مع شريكه الأول في الطائفة الشيعية ومحيطها الإطاري - الجغرافي لن يتعدى 31 مقعدا.

ماكينة تيار المستقبل (سعد الحريري) وهي الأقوى والأكبر أشارت إلى أن مقاعده لن تتجاوز رقم 27 وهي ربما ستشكل القوة النيابية الأولى منفردة. وماكينة الحزب التقدمي الاشتراكي (كتلة اللقاء الديمقراطي) توقعت تراجع مقاعده إلى رقم 11. كذلك أشارت ماكينات حزب الكتائب والقوات اللبنانية إلى كتلة مشتركة لن تتجاوز عدد مقاعدها رقم 11. حتى مراكز استطلاع القوى المستقلة (الوسطية) توقعت ألا يتجاوز نصيبها من المقاعد رقم 7.


جنون عظمة

من أين جاء الجنرال برقم 40 و45 مقعدا؟ وكيف توصل إلى هذه النتيجة الوردية؟ الاحتمال الوحيد هو أن ماكينات الجنرال قررت سلفا أن شعبية التيار ستكتسح 90 في المئة من مقاعد أقضية زغرتا، الكورة، البترون، المتن الشمالي، كسروان، بعبدا، جبيل، دائرة بيروت الأولى، زحلة، وجزين. والمجموع العام لمقاعد هذه الأقضية 45 في حال تم احتساب كل الطوائف والمذاهب والأحزاب والكتل المحلية.

حسابات الجنرال ليست غبية كما يبدو ولم تقرأ العينات من فراغ. فالرقم 40 أو 45 جاء بناء على استطلاعات تأسست على مزاعم ايديولوجية شمولية وقناعات ديماغوجية أعطت مراكزه نسبة لا تقل عن 90 في المئة من المقاعد في المناطق المسيحية والمارونية إضافة إلى تلك الدوائر والأقضية التي يلعب فيها الصوت الشيعي أو الأرمني قوة ترجيحية تغلب لائحة على أخرى.

بناء على هذه الفرضيات أسس الجنرال فوزه الساحق قبل توجه الناخب اللبناني إلى صناديق الاقتراع في 7 يونيو/ حزيران الجاري. ولكن السؤال يبقى كيف توصل تيار «الجنرال المهيب» إلى هذه النتيجة المخيفة في دلالاتها الشمولية؟ الجواب المنطقي يتطلب تفكيك شيفرة النتيجة العشوائية وإعادة قراءة خريطة الاقضية والدوائر حتى يتقارب رقم مقاعد الجنرال مع الواقع الطائفي والمذهبي والمناطقي في بلاد الأرز. القراءة الموضوعية تشير إلى أن قوة الجنرال لن تتجاوز 50 في المئة من الأصوات المارونية والمسيحية وبالتالي فإن عدد مقاعد تياره سيتراوح بين 18 و22 مقعدا. يضاف إليه مقاعد الكتل والأحزاب المسيحية وهي تيار المردة (سليمان فرنجية) وكتلة زحلة (ايلي سكاف) وحزب الطاشناق (الارمني) والحزب السوري القومي الاجتماعي. الإضافة من الحلفاء وحلفاء الحلفاء ترفع رصيد كتلة الجنرال إلى مجموع يتراوح بين 30 و32 مقعدا وهي تعادل نسبيا كتلة تحالف حركة أمل وحزب الله. وفي حال جمعت مقاعد كل القوى في 8 آذار فإن تعدادها سيتراوح بين 63 و65 مقعدا مع الاحتفاظ بحق حصول هامش من الخطأ لا يتراوح 5 في المئة صعودا أو هبوطا.

ادعاءات الجنرال بحرق الأخضر واليابس قبل حصول الانتخابات وإعلان النتائج رسميا تؤشر على عقلية شمولية خطيرة لا تحترم كثيرا الحد الأدنى من العقلانية في التعامل مع تعقيدات الواقع اللبناني وتضاريسه السكانية وتنوع ألوانه وتعدد أنماط حياته ومعاشه. فالاستطلاعات التي اعتمدها تياره تؤكد نزوع الجنرال إلى الاستبداد السياسي والاستئثار ومصادرة القرار الماروني ومنع حتى القوى المستقلة (الوسطية) من ممارسة حقها في تشكيل مراكز موازية في الشارع المسيحي الذي يمثل 50 في المئة من مقاعد البرلمان.

طموح الجنرال ونزوعه نحو التفرد بالقرار المسيحي ليس منطقيا باعتبار أن القراءات المضادة تشير إلى احتمالات مخالفة ونتائج أكثر تواضعا. والاحتمالات مرشحة للتغير إذا انكشفت حقيقة الأرقام خلال الأسبوع الجاري ودور مراكز الجنرال في تزييف الصورة وتدوير الزوايا... إلا أن الخطورة ليست في التزوير والتزييف وإنما في حصول هذه الظاهرة. فمجرد ظهور أحلام يقظة بمثل هذا الادعاء المفرط في طموحاته يؤشر إلى نمو حالة سياسية سيئة هي أقرب إلى «جنون العظمة» وأبعد ما تكون عن تمثيلها للشارع المسيحي في بلد فولكلوري متنوع يشبه في خريطته لوحة فسيفساء. وخطر الجنرال المباشر سيكون لا ريب على الحلفاء وأيضا على الكتلة البشرية المسيحية المنفتحة التي دفعت غاليا ثمن اصطدامها الدائم مع التوجهات الايديولوجية المنغلقة والشمولية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2462 - الأربعاء 03 يونيو 2009م الموافق 09 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً