إن تحسين أوضاع المواطن المعيشية ضمن تفعيل حقيقي للقوانين ودستور واضح يضمن هذه الحقوق، هو مطلب أساسي للشعوب التي سُلبت منها إرادتها سواءً من قبل نظام شمولي أو نظام لم يتخلّص بعد من الأبوية التي تحكمه، في صورة لا تعطي الحق في أن تطالب وتخرج في الشوارع بسلمية، لأن المُطالبة بذلك تعتبر تحدياً للنظام الذي يعتمد على الاستعباد والاستبداد أسلوباً للحكم.
ما يحدث اليوم في المشهد السياسي العربي يتكلّم بصورة واقعية وهي: ما كان مقبولاً قبل خمسين عاماً لا يمكن أن يعمل أو يقبل به في وقتنا الحالي، والسبب هو التطور، والعقلية تغيّرت مع جيل اليوم مقارنةً بالأجيال السابقة. وهو أمرٌ لا يقتصر على فئة دون أخرى، فحتى المرأة التي استخدمت كوقود للثورات والاحتجاجات في الشوارع والميادين العربية، هي اليوم تسعى إلى أن ترسم لها طريقاً لشكل الدور الذي تريد أن تلعبه في موقع صنع القرار، خصوصاً في ظل استمرار المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة، والتي قد تحمل مفاجآت مثلما حدث مع مطلع العام 2011.
ورغم المحاولات المتواصلة لكسر إرادة المواطن العربي، فإن الشارع اليوم، أصبح واعياً للمنزلقات التي تسعى لهدر الطاقات في التناحر الذي تحرّكه قوى لم تعد خافية على أحد في المنطقة العربية، وهي قوى مازالت تقاوم التغيير المناصر للديمقراطية، وتعمل باستمرار على تقسيم المجتمع من أجل أن لا تكتمل صورة المشهد الديمقراطي الذي سيغير المعادلة السياسية، التي تعمل على قمع حرية التعبير والتظاهر السلمي والعمل السياسي.
ولو نظرنا إلى ما يحدث في الشوارع العربية، فهي حتى الآن لم تستسلم بعد للأنظمة الحاكمة رغم القمع والقتل وربط ما يحدث بتهديدات ومؤامرات خارجية، وهو السيناريو الذي يُعاد تكراره مع كل حركة مطلبية في مراحل التاريخ العربي الحديث. وبدلاً من الاعتراف بالمشكلة السياسية العالقة في المجتمع ومحاولة حلها، تذهب الأنظمة إلى تبنّي الحلول الأمنية والعسكرية لإسكات صوت الحراك المطلبي أو القضاء عليه كلياً.
كما أن الشارع وجد أمامه تحديات كبرى شلّته من إكمال حلم الديمقراطية والكرامة التي يبحث عنها، هذه التحديات تمثلت في وجود صعاب كقيام حركات أكثر تنظيماً، وأجهزة عسكرية وأمنية بتسيُّد الساحة السياسية. وفي الأماكن التي انتصر فيها الربيع العربي لم يتغير الوضع من جانب التنمية، ولم تكن هناك خطة لحماية مكتسبات ثورات الربيع العربي، بل ازداد الأمر سوءًا في البلدان التي انزلقت نحو تناحرات تديرها وتثيرها إمّا جماعات الكراهية أو مال يضرب تلك الشعوب وربيعها بالقوة كما حدث في بلدٍ مثل مصر، التي دخلت دائرة عنف تلو الأخرى دون الالتفات بأن ما خرج إليه الناس كان من أجل الحرية المسلوبة والكرامة المهدرة.
كل ذلك تسبّب حالياً في انتكاسات كثيرة أضرت بالمبادئ والأهداف التي خرج الناس من أجلها، رغم أن أياً من هذه المبادئ غير قابلة للاختفاء بعد أن تغلغلت في وجدان المواطن العربي، الذي نهض لأول مرة في تاريخه السياسي من أجل كرامته وحريته، ومن أجل أن يؤسس نظاماً ديمقراطياً يفسح المجال لتنمية حقيقية تضمن ازدهار وتطور المجتمعات.
ما حدث ويحدث في المنطقة العربية لم ينتهِ إلى مطاف يُحقق حلم الحريّة بسهولة، ولكنه استطاع كسر عامل الخوف في الشارع العربي الذي ظلّ منذ زمن طويل يعيش عقدة الخوف. ولذا فإن ما حدث قبل ثلاث سنوات استطاع أن يرسم البداية للسير نحو التغيير الذي يُؤسس للحقوق السياسية والمدنية التي تتوق إليها المجتمعات العربية. وهي بداية مازال أمام الشعوب الكثير من العقبات لتجاوزها، ولكنها في الوقت نفسه كشفت من يريد إصلاحاً حقيقياً ومن ارتضى لنفسه التخلّف السياسي. ولهذا فإن المشهد العربي الحالي صورةٌ لم تكتمل معالمها بعد.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4190 - الثلثاء 25 فبراير 2014م الموافق 25 ربيع الثاني 1435هـ
محمد
نعم يا ريم ما نقدر انخالف شي اتقوليه صحيح اهم الاخطاء اللي ارتكبه العرب والبحرين هي عدم تطوير العمل السياسي ؟ والقبيح بين دول مجلس التعاون ما عندهم شي غير التعاون الامني وتطوير عملها ؟
والاقبح من القبيح ان الشرطة والاستخبارات تدير السياسيين والعمل السياسي