لعل التوتر سمة من سمات العصر الحديث كثير التسارع، وكما في المجتمعات الأخرى نرى أن حالة التوتر والتشنج والعصبية تسود بصورة كبيرة في وسط الأفراد والجماعات، وتنعكس على العلاقات البينية أفقياً وعمودياً بينها.

طوال ساعات اليوم يشهد الواحد منا صوراً متعددةً لحالات التوتر، في حركة المرور وطريقة القيادة، في مراجعة الدوائر الحكومية وحتى مؤسسات القطاع الخاص، في مواقف الناس بعضهم من بعض. وحتى في التغذية الدينية والثقافية ترى أن الآراء الفقهية متشدّدةً ويسودها التوتر، والمواقف السياسية للجماعات أيضاً حادة وصارمة.

نادراً ما تدخل مؤسسةً من المؤسسات الحكومية أو الخاصة -كالبنوك وشركات الاتصالات والمواصلات- وترى من فيها سواءً أكانوا موظفين أو مراجعين، مرتاحين ومبتسمين، بالعكس فإنهم متوترون ومتبرمون في معظم الحالات والكل يشكو من الآخر.

وحتى في متابعة برامج إخبارية أو تحليلية أو حتى دينية وثقافية، تشعر وكأن البرنامج يسوقك إلى التوتر سوقاً، بدلاً عن أن يقدّم لك مادةً إخبارية أو ثقافية متوازنة تراعي فيها مشاعرك وفهمك وهدفك. فكثير من الأحيان تكون مثل هذه البرامج -الرسمية والأهلية منها- سبباً ودافعاً لمزيدٍ من التوتر وخصوصاً عندما تقدّم من قبل شخصيات بارزة ومعروفة.

صور التوتر هذه تؤثر بشكل عام في أنماط التفكير واتخاذ القرارات، وفي التعامل اليومي بين الناس، وتنعكس بالطبع على ما يليها من أعمال. ومع مرور الزمن يتحوّل هذا المسلك إلى نهج حياتي وسلوك يومي مقبول ينتقل بين الأفراد والجماعات. من هنا نرى أن الجو السائد حولنا مليء بمسببات التوترات النفسية والاجتماعية، وأن سلوك الأفراد يتسم بهذه الحالة وكأنها الطريقة الوحيدة والمثلى للتعامل بين الناس.

في مجتمعنا المحلي تتضاعف هذه الحالة أيضاً بسبب غياب وسائل الترفيه الاجتماعية والثقافية وغيرها، كالمسرح والموسيقى ودور السينما والكوميديا والمتنزهات وقلة المساحات الخضراء. وقد نلحظ انعكاساً لذلك في ارتفاع معدلات الجريمة والطلاق وزيادة المشكلات الأسرية المختلفة، وفي غياب الحوار البناء بين مختلف الجماعات والفئات.

لاشك أن هنالك حاجة ماسة لدراسات نفسية واجتماعية تقيس مستوى حالة التوتر بطرق علمية كي يمكن التعرف على أسبابها، وكي يمكن وضع الحلول والمعالجات المناسبة لها. فكثيرٌ من القضايا تتضخم وتتعقد بسبب طريقة المعالجة عندما يتم تناولها ضمن أجواء متوترة ومتشنجة، بينما لو تمت معالجتها بموضوعية وروية وهدوء، لكان حلها أسلم وأقل تكلفة وأكثر سرعة.

كما أن هنالك حاجة ماسة إلى إيجاد قنوات تهتم بمعالجة أبرز مشكلات التوتر، واستلام شكاوى المواطنين والمراجعين والنظر إليها بطريقة جادة لإيجاد حلول تسهم في تخفيف التوتر الحاصل لديهم، حيث إن غياب مثل هذه القنوات يجعل خيارات المراجع محصورة.

الفرد يمكن أن يكون عاملاً مهماً في تعديل سلوكه بالابتعاد عن مصادر التوتر، والنظر إلى الأمور من زوايا أكثر غير متشنجة، ولكن المحيط العام التربوي والثقافي والاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في الدفع باتجاه التوتر والتشنج.