العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ

مائدة الإفطار في إيران تعكس زخرفة الثقافات

إيران مهد الحضارات الأولى منذ ما قبل التاريخ، التي تلتقي فيها وتنصهر اثنيات وثقافات عدة تلفت أنظار الباحثين عن الثقافة والتنوع والعادات والتقاليد. على أرضها قامت حضارات عدة في سلسلة لم تتوقف حتى الفتح الإسلامي، ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، ظلت إيران حاضرة على الدوام حضوراً يوازي تاريخها العريق الذي أثمر ثقافة فريدة من نوعها هي مزيج من كل هذه الحضارات والعرقيات المتعددة التي تضمها مساحة ايران الشاسعة الممتدة من حدود القارة الهندية وحتى تركيا المطلة على البحر المتوسط وجنوباً إلى مياه الخليج الدافئة.
هذا الرصيد التاريخي وميراثه الثقافي الذي يعرفه العالم هو الذي يعتز به الإيرانيون باختلاف اثنياتهم وعرقياتهم وهو تراث وثقافة شكل على الدوام احد اوجه الثراء والحيوية التي تمتاز بها إيران في كل العصور.
ولما كان لإيران مكانة دينية خاصة تجسدت في وجود مزارات تعبق منها رائحة الرسالة المحمدية، كان لشهر رمضان المبارك نكهة خاصة احتفظ بها الإيرانيون على رغم اختلاف عادات مدنهم وتباعدها والتفاوت بين الريف والمدينة والاثنيات الإيرانية من فرس وأكراد وعرب وتركمان وأذريين، وعرقيات أخرى. فإن للضيف الكريم «رمضان» أجواءه الخاصة في إيران المشبعة بالثقافة والتاريخ.
التآلف والترابط الأسري سمة عامة يتمسك بها الإيرانيون في حياتهم مثلما هي حال الشعوب الشرقية عموماً، لكنها تأخذ بعداً أكثر في هذا الشهر. فيبقى رمضان في إيران عالقاً في الذاكرة والتقاليد بمشهد تجمع العائلة حول مائدة الإفطار وهي صورة باتت القاسم المشترك لكل الصور الاجتماعية في هذا الشهر في المجتمعات العربية والاسلامية.
ولشهر رمضان المبارك في إيران شعائر تتخذ صورة تشع طمأنينة وجمالاً وإحياؤها في ايران يتم في الحلقات الدينية التي تعقد بصورة يومية ويقصدها الراغبون في التزود بالمعرفة والاستفادة من المواضيع التي تطرح في هذه الحلقات والتي غالباً ما تتناول مواضيع دينية تخص الشهر الكريم. إنها إحدى مظاهر التُّقى التي يشيعها الشهر الكريم في المسلمين في مختلف الدول، عدا أنها في مجتمع مثل مجتمع إيران المعروف بمحافظته وتدينه تبقى أقرب للشعائر الاساسية التي يحرص عليها الإيرانيون في الشهر الكريم.
لكن العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، تكتسب اهمية مضاعفة لدى الايرانيين مثلما هي الحال مع المسلمين في جميع بلدانهم. يحيي الايرانيون العشر الأواخر من خلال قراءة الأدعية اليومية دون ان ننسى - بالطبع - المشاركة في مسيرات ضخمة في الشوارع في الجمعة الأخيرة من الشهر الكريم تضامناً مع القدس. لقد بدأ هذا التقليد في إيران منذ انتصار الثورة عندما دعا مؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل آية الله الخميني إلى اعتبار الجمعة الاخيرة من رمضان «يوم القدس».
التنوع الثقافي لمجتمع إيران عكس نفسه في المطبخ الإيراني الشهير بأطباقه الشهية التي كان لها حظ من الشهرة عبر العالم في سلسلة من المطاعم الإيرانية التي باتت مقصد الناس في كل مكان.
ان المطاعم الايرانية، لا تقدم الأطباق الإيرانية كمأكل فحسب، بل تقدم معها في الغالب ثقافة مجتمع بأكمله. فليس هناك مطعم ايراني في أي بلد يخلو من اللمسات الإيرانية الخاصة في الديكور والأثاث وحتى الخط الفارسي الشهير بدءاً من اسم المطعم وانتهاءً بقائمة الطعام، ولا ننسى المنمنمات التي تزين البلاط الكاشاني الأكثر شهرة في العالم.
المطابخ تعكس ثقافة مجتمعاتها، ومع مجتمع مثل المجتمع الإيراني ذي الثقافات المتعددة التي أنتجتها حضارات عريقة، فإن المائدة الإيرانية تعكس هذا التنوع الثقافي في أطباقها وتقاليدها أيضا.
في رمضان المبارك، يحرص الإيرانيون على وضع أطباق طعامهم المفضلة ابتداءً من الطبق الشعبي الأكثر شهرة لديهم وهو «الجلو كباب» وهو عبارة عن كباب مشوي على الجمر يقدم مع الرز الأبيض وقطعة صغيرة من الزبد وطبق «القوارمة سبزي» والذي يتكون من اللحم والخضر المشكلة و«آب قوشت» الذي يعتبر وجبة مفضلة لدى الإيرانيين وإن اختلفت ظروفهم المادية. لا يمكن ان يغيب الطبق الاكثر شهرة «الآش» وهو عبارة عن كمية من الخضراوات والبقوليات المطبوخة مع الدجاج أو اللحم.
ويعكس خليط الأطباق الإيرانية مزاج الإيرانيين وثقافتهم أيضا، فعلى رغم حضور البهارات فإنها ليست حراقة أو لاذعة. كما أن تقديم الطعام وتزيينه وطريقة تقديمه على المائدة ينم عن الحس المتأصل لدى الإيرانيين بأصول الإتيكيت التي خلفتها بلاطات كسرى منذ آلاف السنين والتي أخذ منها العرب الفاتحون الكثير من آداب المائدة.
وعلى رغم تعدد أطباق الطعام في المائدة الإيرانية فإن الحلويات الإيرانية تبقى تحتل الأهمية على مائدة الإفطار، فالأصناف متعددة ومختلفة باختلاف مدن إيران ولكن أشهرها يبقى حاضراً على موائدهم فهناك «الزلابية» و«الزردا» التي تعد من أشهر هذه الأصناف.
إن مكان المكسرات الإيرانية ثابت في قائمة الضيافة، والفستق أو «الخندان» أكثر هذه المكسرات شهرة وشعبية لدى الإيرانيين بالإضافة إلى قيمته التجارية التي جاءت منها تسميته بالماس الأخضر، وفي شهر رمضان يكثر تناول هذه المكسرات إذ يتم تقديمها للضيوف الذين يأتون لزيارة أقربائهم وأصدقائهم، فللزيارة بين الأصدقاء والعائلات في ايران قيمة كبيرة يضيفها هذا الشهر في برامجهم اليومية.
للمقاهي الشعبية في إيران أجواؤها العائلية التي يحب الإيرانيون ارتيادها وخصوصاً في شهر رمضان، وعادة ما تكون هذه المقاهي تحت إشراف البلدية في المحافظات المختلفة وتحرص على إبراز الطابع الإيراني العريق من حيث الديكور ولباس العاملين بها، فتأتي العائلات إليها، ويتبادلون الأحاديث ويستمعون إلى الموسيقى التقليدية ويدخنون النرجيلة التي باتت تمثل الصورة الاعتيادية لهذه المقاهي بعد أن غابت الألعاب الشعبية كالنرد منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران. وما ان ينتهي هذا الضيف الكريم يحل ضيف آخر فيبدأ الإيرانيون الاحتفال بعيد الفطر السعيد وربما أكثر ما يفعله الايرانيون هو ارتياد الحدائق العامة التي تنتشر بكثرة في كل مناطق إيران، او الاحتفال بالعيد في مناطق أخرى من البلد وخصوصاً تلك التي يقصدونها لطبيعتها الخلابة.

العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً