قيمة الإنسان بضميره، بموقفه، بعطائه لخدمة الإنسانية والمجتمع... قيمة الإنسان بوعيه الديني، بعمق تفكيره، برجاحة عقله وليس بتهوره أو بانفلاته، ولو في قراءة الدين نفسه، وقيمة كل شيء بتحقق مضامينها.
شهر رمضان شهر ترويض للنفس على الإذلال أمام الخالق والعزة أمام المخلوق، كبرياء الروح لأجل الحق، سمو المعنى في سمو الذات.
فالثوب الجميل لا يغير النفس الدنيئة، والبيت الكبير لا يسع النفس العظيمة، فإن هناك نفوساً تفكر في الكيف وفي نوعية العبادة والحياة.
قل: «كيف عاش»، ولا تقل: «كم عاش» من جعل الحياة إلى عُلاه سبيلاً. ففي شهر رمضان الكيفي يخرج الإنسان من سلطان البطن إلى حرية الروح، كان عليٌّ (ع) يقول: «كان لي في ما مضى أخٌ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان أكثر دهره صامتاً، فإذا قال، بزّ القائلين ونقع غليل السائلين، وكان خارجاً من سلطان بطنه».
الإنسان الحر هو الذي يحرر ذاته ويكبر نفسه من التمسح بالآخرين من أجل أهداف آنية، بل يعمل في سبيل المصلحة العليا والهدف الأكبر وهو: انتشال المجتمع من عبادة الشخص إلى عبادة الله.
فكل الأشياء تفنى، ويبقى ما هو لصالح آخرة الإنسان، فجاء في الدعاء المأثور: «إلهي إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي»، إذ العمل ما لم يكن خالصاً لوجه الله يكون عملاً ينتهي أثره وتتلاشى قيمته مع الأيام، لأن ما لله ينمو ويبقى.
البعض منّا يصوم من أجل السمعة، ويصلي من أجل الاستعراض العبادي، ويتصدق حتى يقال عنه محسناً، وكل ذلك لا ينفع الإنسان ما لم يخلص النية، حتى لو قام بتأسيس ألف عمل خيري.
والتاريخ يخبرنا بقصة بهلول عندما مر على مسجد قام ببنائه رجلان من أهل «الإحسان»، ولكنه تفاجأ - بعد انتهاء البناء - بالرجلين كلٌّ منهما يزعم أنه قام ببناء المسجد دون الآخر، وكلٌّ راح يطمح في السمعة، غير أن بهلولاً ذهب ليلاً وعلق لافتة كتب عليها اسمه هو، فأصبح المسجد باسم «مسجد بهلول»، وفي الصباح ضجّ الرجلان لهذا الموقف وادعيا أن بهلولاً سرق جهدهما وعملهما، فقال لهما بهلول: «إن كان عملكما لله فلا يضيركما ذلك... فإنني لو خدعت الناس فلن أقدر أن أخدع الله».
كثير من أعمالنا تحتاج إلى مراجعة، لأن جزءاً منها ليس لله، بل للسمعة والرياء والوجاهة الاجتماعية، لذلك يدبُّ الخلاف في بعض مساجدنا ومآتمنا وأعمالنا الخيرية.
العدد 74 - الإثنين 18 نوفمبر 2002م الموافق 13 رمضان 1423هـ