العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ

الرازي الطبيب الفيلسوف والعالم الفذ

البروفيسور فيصل عبداللطيف الناصر - رئيس قسم طب الأسرة والمجتمع بجامعة الخليج العربي 

24 فبراير 2014

هو أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي، من علماء القرن الثالث الهجري، ولد بمدينة الري جنوبي طهران بفارس سنة 250 هـ / 864م، وسمي بالرازي نسبة إلى هذه المدينة. تنقل بين مدينة الري وبغداد التي استقر بها في زمن الخليفة العباسي المقتدر بالله جعفر بن المعتضد عضد الدولة. اهتم بأمور متعلقة بالبيئة والسلامة فاستخدم موهبته عندما استشاره الخليفة عن الموقع الذي من الممكن بناء البيمارستان (المشفى) فيه. فقام بتوزيع قطع من اللحم في أماكن مختلفة من ضواحي مدينة بغداد، وبعد أيام عدة طاف على الأماكن التي وضع القطع فيها ليرى تأثير الجو والزمن عليها، فإذا تَلفَتْ بسرعة اعتبر أن المنطقة لا تصلح لإقامة المشفى، أما إذا ظلت قطعة اللحم دون أن يصيبها التلف أو تأخرت، فدليل على طيب هواء المنطقة والصلاحية لإقامة المشروع. وعندما أنشأ الخليفة مستشفى الري جعله رئيساً لأطبائها.

عمل في بداية حياته بالصرافة, وكان يحب الموسيقى ويضرب على العود ويغني وينظم الشعر في صغره. ولكنه تـرك الغناء عندما التحى وجهـه قائلاً: «كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف».

كان من أعظم الأطباء المسلمين في العصور الوسطى، تتلمذ في علوم الطب على يد علي بن زين الطبري (صاحب أول موسوعة طبية عالمية «فردوس الحكمة»)، والفلسفة على يد البلخي. فكان متقناً لمهنة الطب، عارفاً بأوضاعها وقوانينها، حتى اشتهر وأصبح معروفاً، فقصده الطلبة وطالبو العلم من جميع الجهات؛ لكي يتعلموا فأصبح مرجعاً لمعظم الحالات المرضية المستعصية.

قال عنه النديم: «كان الرازي أوحد دهره، وفريد عصره، قد جمع المعرفة بعلوم القدماء سيما الطب». ويصفه ابن أبي أصيبعة في كتابه «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» بقوله: «كان الرازي ذكياً فطناً رؤوفاً بالمرضى، مجتهداً في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه، مواظباً للنظر في غوامض صناعة الطب والكشف عن حقائقها وأسرارها وكذلك في غيرها من العلوم، بحيث إنه لم يكن له دأب ولا عناية في جل أوقاته إلا في الاجتهاد والتطلع فيما قد دوَّنه الأفاضل من العلماء في كتبهم». ولقب بجالينوس العرب, أمير الأطباء، أبقراط العرب، منقذ المؤمنين. وقيل عنه «كان الطب معدوماً فأوجده أبقراط, وميتاً فأحياه جالينوس, ومشتتاً فجمعه الرازي».

كان ذا ذاكرة قوية، لا يضيع وقتاً إلا في التعلم والقراءة، مدوِّناً كل ما يقرأ وخاصة في المساء، فقد كان يضع سراجه في مشكاة على حائط يواجهه، وينام في فراشه على ظهره ممسكاً بالكتاب حتى إذا ما غلبه النعاس وهو يقرأ سقط الكتاب على وجهه فأيقظه ليواصل القراءة من جديد.

امتاز بكثرة التدوين؛ فكانت مؤلفاته شاملة جامعة لبحوثه المبتكرة وآرائه ولعلوم اليونان والهنود. فله 220 كتاباً ومخطوطاً ومقالاً في مختلف العلوم, ضاع جزء كبير منها وبقي البعض الآخر في المكتبات الغربية. شملت مؤلفاته كتباّ في الطب، وفي الطبيعيات، والمنطق والرياضيات والنجوميات وما وراء الطبيعة والفلسفة والإلهيات والكيمياء وفي الشروح والتراخيص والاختصارات، والفنون المتنوعة. امتازت مؤلفاته بالعلمية والموضوعية؛ فحاول الابتعاد عن المصطلحات الغامضة والخرافات الشائعة في عصره. وكتبه في الكيمياء كانت غنية بالمعلومات مما جعلت مؤرخي العلوم يصنفونه «بمؤسس الكيمياء الحديثة في الشرق والغرب»، فترجم العديد منها إلى اللاتينية. وظلت كتبه مراجع أساسية لدراسة الطب في أوروبا حتى القرن (11هـ / 17م)، فكان لها أكبر الأثر في الارتقاء بهذا العلم وتطويره.

العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً