إذا كانت الكتب تُقرأ فكتاب «الغريفي ملامح من صور البصيرة» للمصوّر الفوتوغرافي محمد المخرق يُقرأ ويُشاهد معاً. إنه عبارة عن «غاليري» شيّق يعثر فيه القارئ على مشاعر وذكريات وتجربة عاشها مُعد الكتاب مع عالم الدين السيد علوي الغريفي (1919 – 2011) لأكثر من عقدين من الزمن.
يحسب للمخرق أنه ممن ساهم مع فنانين قلّة في نقل «الصورة الفوتوغرافية» إلى مرتبة الثقافة والفن. للصورة ألف لسان، وهي قادرةٌ على قول الكثير. المصور الفوتوغرافي نصفه رسّام ونصفه الآخر كاتب. لذلك يرسم لوحاته الضوئية بكثير من الشاعرية وحضور الذات محمّلةً بالكلمات الملوّنة والضاجة بصخب الحياة، فرحها وحزنها، مفاجآتها ومآسيها.
بلغة الضوء والألوان، يسرد المخرق في كتابه سيرة السيد الغريفي في الفترة منذ 1989 حتى وفاته. ولقد جعلنا بهذا العمل نعيد النظر في دور الصورة الفوتوغرافية كقيمة جمالية وثقافية تتجاوز أغراضها «الخبرية» القصيرة وتتحايل على يومياتها وزواليتها وسرعة انقضاء جماليتها. وهو نجح في تحويل بعض إرشيفه المهني الهائل من الصور الورقية إلى وثائق تنبض بالحياة.
الصورة وثيقة بصرية تتضاعف أهيمتها كلما بعد بنا الزمن عن ميعاد ولادتها. وقد حاول المخرق أن يكتب تاريخاً بأسلوبه الخاص. وفي التراث الديني ما يحفّز ويحث على الحفاوة بسير أهل الفضل من العلماء والصالحين، فـ «من أرّخ مؤمناً فكأنما أحياه، ومن قرأ تأريخه فكأنما زاره». ومن هنا فإن هذا الكتاب الذي انتظمت فيه 517 صورة توزعت على 240 صفحة من الحجم الكبير منذ 1989 حتى وفاة السيد الغريفي في 2011، هو نوع من الإحياء والتخليد.
الكتاب من تصميم المخرج ماجد عبدالله، في طبعة متميزة عن المطبعة الشرقية بالمنامة، أُلحق مع قرص مدمج لفيلم وثائقي عن حياة السيد الغريفي في ستين دقيقة من إخراج محمد هاشم الموسوي.
يقول المهتمون بتاريخ الصورة أن معنى الصورة قد بدأ يتبلور في مجال الدين. فكانت الصور داخل الكنائس المسيحية والمعابد تأخذ معنى الآلهة تتجه إلى معنى القدسية، مثل صورة الآلهة المصرية في الفترة الفرعونية الدالة على عظمة الآلهة وكبرها فتعتبر مقدسة بالنسبة للفراعنة. كما أخذت الصورة دوراً آخر في المسيحية أصبحت تبرز معنى الرمزية كصورة الصليب، أما عند المسلمين فقد تبلورت بشكل خاص مع الرسومات التي ظهرت مع بعض المتون الأدبية بتأثير من الثقافة الهندية والفارسية.
مبكراً جداً وقع المخرق في هوى الصورة، في السادسة عشرة من العمر حمل كاميرتهx700 minolta بخيلاء وراح الوميض من يومها يشع دون توقف أو إبطاء. وقدَّم المخرق الذي عُرف بفن البورتريه لكتابه بمجموعة كلمات قصيرة لزملاء السيد الغريفي من علماء الحوزة العلمية، ومن شاركه الحضور في الساحة العلمائية في البحرين، كالسيد جواد الوداعي، والشيخ أحمد العصفور، والشيخ عيسى أحمد قاسم، والشيخ محمد صالح الربيعي، والسيد عبدالله الغريفي، والسيد شرف الخابوري (عمان)، والمرحوم الشيخ علي العصفور. ومن العراق الشيخ نعمة الساعدي، زميله الذي كان يقرأ عليه كتب العلم ويراجع معه دروسه. وقد جاء هذا الاختيار لهذه الشخصيات لمعرفة المُعد بقربها من السيد الغريفي ومكانتها في قلبه.
بموازاة مشروع المخرق، تنتصب مشاريع موازية أنعشت هذا الحيز الجميل من ذاكرتنا التاريخية، هكذا سيبرز عمل الصحافي إبراهيم بشمي التجميعي (أيام زمان) والذي اكتسب صفة الريادة يصدر عن مطبوعات بانوراما الخليج (1986)، فقد كان أول كتاب من نوعه يصدر في دول المنطقة.
كذلك تبرز أعمال الفوتوغرافي عبدالله الخان مع الزميل المفتون أبداً بسحر الصورة ونبض النصوص حسين المحروس في كتاب «المحرق.. وردة البحر»، و»ديمقراطية 73»؛ وكتاب «ملامح» بأجزائه الثلاثة، الذي صدر عن «جمعية العاصمة للثقافة الاسلامية»، وتضمن إرشيفاً مصوّراً لمعالم وشخصيات المنامة. وهي أعمال تختلف في موضوعاتها لكنها تتفق جميعها في اعتبار الصورة ركناً أساسياً من أركان الوعي الثقافي والفني الجديد.
ولد محمد سلمان محمد المخرق في ديسمبر 1968، وبدأ مسيرته الصحافية العام 1990 في مجلة «المواقف» قبل أن يلتحق بصحيفة «الوسط» العام 2003، وشارك في تغطيات خارج البحرين، وأقام ثلاثة معارض شخصية منذ 2008 باسم «الحسين... مأوى الفؤاد».
لقد قدّم المخرق بعدسته خلاصة تجربته مع الغريفي بعد عملٍ مضنٍ في الكتاب استمر عامين، مع عامين آخرين ظلّ الكتاب حبيساً في أدراج هيئة شئون الإعلام لضرورات رقابية، لكن لتلامذة الغريفي وعارفيه أقلامهم أيضاً. ونحن ننتظر النصوص التي تُكمل الجزء المغيّب والنصف المخبوء من السيرة.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ
أالرابط خطأ
وهو لكاتب آخر