تعودنا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام أن يصدر التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية، وقد أضيف إليه و«الإدارية» أيضاً في إيحاء بتوسيع صلاحياته. وعلى امتداد شهري نوفمبر وديسمبر/ كانون الأول، تثار ضجة في الصحافة والبرلمان والرأي العام عموماً، ويعقد مجلس الوزراء جلسة خاصة، وتشكل لجنة عليا تتبعها لجان للنظر في ملاحظات وتوصيات الديوان، ليعلن بعدها أن التوجيهات قد صدرت لمختلف الوزارات والجهات والشركات العامة، لتصحيح أوضاعها ومعالجة ملاحظات الديوان. ثم تتوالى التصريحات والإعلانات من قبل مختلف الوزارات والهيئات والشركات بأنها بادرت بالفعل إلى تصحيح أوضاعها، لتنتهي حفلة العلاقات العامة «ويا دار مادخلش شر».
أما مجلس النواب فله قصة أخرى، إذ يحتاج الوضع إلى إحالته للجان المختصة، والتي بدورها تحيلها إلى فرق دراسة متخصصة! وذلك يتطلب أشهراً من العمل، ثم يجري تكرار التوصيات الواردة في التقرير إلى توصيات باسم البرلمان، والذي يقدّمها إلى وزير شئون مجلسي والشورى والنواب عبدالعزيز الفاضل، الذي يرفعها بدوره إلى الحكومة، والتي بدورها ترد بأنها بادرت حتى قبل ورود توصيات البرلمان باتخاذ اللازم. مشاهد متتالية من حفلة علاقات عامة، أضحت مملةً من كثرة التكرار.
بالنسبة للجمعية البحرينية للشفافية، فقد دأبت على عقد طاولة مستديرة لمناقشة التقرير، حيث يدعى لها اختصاصيون، نواب وشوريون ومسئولون من وزارة المالية، لكنه باستثناء الاختصاصيين فإن الباقين (عمك أصمخ)، وتمتنع صحف البلاد وتلفزيون العائلة الواحدة عن الحضور باستثناء صحيفة «الوسط»، التي تنشر مشكورةً وقائع الندوة.
في هذه السنة حدث شيء غير مألوف، إذ إن مجلس الوزراء وفي جلسته المخصصة لتقرير الديوان، قرر تشكيل لجنة خاصة برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد، تستعين بمن تشاء للنظر فيما جاء في تقرير الديوان وتوصياته، واتخاذ ما تراه في ذلك. وقد استشعرنا الجدية، لما يتمتع به ولي العهد من مصداقية، وبالفعل فقد أصدر قراراً وعمّمه على جميع الوزارات والهيئات والشركات العامة، محدّداً فيه نصف شهر لها للرد على ما جاء في تقرير الديوان، وبعدها حدّد موعداً آخر لها لذكر الخطوات التي اتخذتها أو ستتخذها لتصحيح أوضاعها في ضوء ملاحظات الديوان. أما الخطوة التي يبدو أنها جادة فهي تحديد ثلاثين حالة بها شبهة فساد، وإحالة خمس منها في وزارة البلديات والصحة و«ألبا» ومركز التحكيم التجاري الخليجي، إلى النيابة العامة، والتي تحركت لأول مرة طوال عشر سنوات من عمر تقارير الديوان لتباشر التحقيق في هذه القضايا.
ومن ناحيتها، فإن وزارة الداخلية، ممثلةً بمدير دائرة مكافحة الفساد وغسيل الأموال بسام المعراج، صرّحت أثناء الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد في 9 ديسمبر في نادي ضباط الداخلية، بأن دائرته باشرت التحقيقات في قضايا الفساد المحالة إليها من قبل لجنة سمو ولي العهد، بل ان صاحب السمو الملكي ولي العهد قام بزيارة ذات مغزى بصحبة وزير الداخلية إلى الدائرة المذكورة. لكن المفاجأة أنه وبقدرة قادر، انتقلت رئاسة اللجنة الفعلية إلى نائب صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله بن خالد آل خليفة ليرأس لجنة وزارية مختصة، ثم نفاجأ بأن الوزير محمد المطوع هو المنسق ما بين الوزراء المعنيين بالتحقيق فيما جاء في تقرير الديوان. لكن المفاجأة الكبرى تصريحه للصحافة، بأنه سيجري تعيين مخبرين سريين في الوزارات، خصوصاً الخدمية منها وليس السيادية، لتتبع حالات الفساد والمفسدين، وإحالتهم إلى النيابة، وكأننا في فيلم بوليس هوليوودي، وكأنه بذلك يردّ على «الداعية الإسلامي» القادم من حفلات التعذيب، في تصميمه على إقامة وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تختصر جميع أجهزة الدولة المعنية بإنفاذ القانون (الداخلية والنيابة العامة والقضاء) لتأخذ الأمر بيدها بعيداً عن السلطات الثلاث، ولتقيم الحد على الفاسدين والروافض... هكذا!
وكما في حالات عديدة نبدأ بشيء وننتهي إلى شيء مخالف تماماً، كما هو الحال في معالجة الدولة الحالية لتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية. وأخيراً، ليتم كل شيء في الضوء، ولتكشف كل الحقائق، ولا يؤخذ صغار فاسدون كأكباش فداء للتغطية على آخرين غيرهم، وليشمل التحقيق الجميع ومن جهة مستقلة فعلاً وتملك الإرادة وتعطى لها كامل الصلاحيات.
نُشر أمس مقال «أسد الإسلام أبوالفلافل» باسم الكاتب، والصحيح انه للزميل سعيد محمد، لذا وجب التنويه والاعتذار
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4187 - السبت 22 فبراير 2014م الموافق 22 ربيع الثاني 1435هـ