تعودت الأنظمة العربية عبر حقب طويلة، على قمع الرأي الذي يختلف معها إلى درجة تصل إلى التخلص منه كلياً، أو إقصائه من المجتمع عبر ممارسات تمييزية تخلق حالةً يغيب عنها ميزان الإنصاف والعدالة.
وعادةً ما استخدمت الحكومات في المنطقة «الأمن القومي» ذريعةً لتبرير ممارسات المنع للصوت الذي يعارضها وينتقدها، فتقوم بكبته بشتى الوسائل، بحجة محاربة الإرهاب.
ويرى مراقبون مثل أستاذ اللسانيات والفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي، أن إدخال قوانين أكثر تقييداً لمكافحة الإرهاب في معظم بلدان العالم، له تأثير خطير على حرية التعبير وغيرها من الحقوق. كما أن مثل هذه التدابير قصيرة النظر، إذ أن الحوار المفتوح واحترام حقوق الإنسان هو الشيء الوحيد الذي من خلاله يتم تحقيق الأمن والتنمية معاً في أي مجتمع.
واليوم تعمل منظمات حقوق الإنسان الدولية، على وقف تقويض الحكومات لحقوق الإنسان باسم الأمن القومي أو مكافحة الإرهاب. وتقوم هذه المنظمات بالتحقيق وإطلاق الحملات مثلاً، لكشف المسئولين عن السماح بوقوع حالات الاحتجاز غير القانونية، والاختفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة؛ والتصدي لغياب المساءلة في الدول؛ وتنظيم حملات الدفاع عن حقوق ضحايا الإرهاب والعنف الذي تقوم به الجماعات المسلحة.
كلام تشومسكي الذي قاله العام الماضي في مدينة بون الألمانية خلال منتدى الإعلام الدولي، يبين بكل وضوح غياب الأدوات التي تخفّف من احتقان المجتمعات، ألا وهي وسائل الإعلام التي تسمح بتعدّد الآراء رغم كل شيء. كما أن الحوار المتواصل مع مختلف أطراف المجتمع يقيه من الانزلاق إلى مطب الاستفراد بالرأي الواحد ويقصي الطرف الذي لا يريد هذا الرأي.
وهو ما يعني أن العدالة وحرية التعبير والتعددية لابد أن تكون جزءًا مكمّلاً من تطوّر المجتمعات، وهذا لن يتحقق -كما قال تشومسكي- إلا من خلال وجود الإعلام الحر والمستقل الذي ينقل الرأي الآخر بسلاسة، وليس صوت الحكومات.
تشومسكي ضرب مثلاً بالعاصفة الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة، بأنها قد تنقل مفاهيم جديدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي قائلا: «الديمقراطية الممارسة لا يمكن أن تبقى بالصورة نفسها كما هو عمل الأحزاب ولهذا فإنه لابد أن يكون للناس رأي في خلق ديمقراطية نوعية عبر مؤسسات لا تمسك بيد مجموعة وتترك الأخرى، ولهذا فإن ما حصل اقتصادياً يعكس خطأ السياسات المعمول بها حالياً في الولايات المتحدة، وهي بحاجة إلى إعادة نظر».
هذا في الدول التي تحظى بممارسة حقيقية للديمقراطية، وأيضاً بإعلام حر ومجتمع منفتح، لكن ماذا عن الدول التي مازالت شعوبها تناضل من أجل إسماع صوتها، كالذي حصل في ثورات واحتجاجات الربيع العربي في العام 2011، والتي كشفت بدورها مدى النقص الشديد في الحرية بكل أشكالها، وصولاً إلى حرية الإعلام والرأي الذي يجب أن يتكلم بصوت الشعب وليس بصوت الحكومة. وهو صراع للأسف مازال قائماً لأنه يعكس صراعاً يدور حول حقوق الإنسان والانفتاح الإعلامي. كما أن أسباب تراجع حرية التعبير في بلدان كان من المفترض أن يحمل إليها الربيع العربي الانفتاح إلى الفراغ القانوني الحاصل بعد الثورات والتعيينات على رأس وسائل الإعلام العمومية والاعتداءات الجسدية والمحاكمات المتكررة التي تقوم بها الحكومات الجديدة.
إن حرية التعبير تمثل اليوم واحدةً من أثمن الحقوق، لأنها تعتبر الركيزة التي تقوم عليها كل حرية أخرى، وهي أساسٌ لكرامة البشرية، بل وتمثّل وسائل الإعلام الحرّة والتعددية والمستقلة شرطاً أساسياً لممارسة هذه الحرية. وكما ورد في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتعد هذه الحرية عنصراً أساسياً في بناء مجتمعات سليمة ومفعمة بالحياة. كما لا يمكن أن تفعل بصورة كاملة إلا في مجتمعات تحترم أخلاقيات المهنة وحقوق الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4187 - السبت 22 فبراير 2014م الموافق 22 ربيع الثاني 1435هـ
اختلف معك ( هناك اعلام حر )
ولكن من الجانب الآخر هناك حرية لمن يشتم ويسب ويلعن في المعرضة ويمدح في الحكومات ، هناك حرية ولكن اقتصارها على الموالين للحكومات ، تلفتي فقط قليلا لما حولك من صحف صفراء خمراء زرقاء واقرأي من يسمون بالكتاب سترين كل الحرية مطلقة لهم لسب وشتم المعارضين وياليت يقتصر الوضع على السياسة ولكن يتعداه للأمور الشخصية الخاصة حيث يعبر من يكتب ذاك الأعلان وليس المقال ويخرج كل ما في جعبته من مرض عنصري وطائفي وكل رزالة نفسه وقيحها على غيره بينما تنطبق كل تلك الصفات على ( كاتبها ) اذا في حرية لهم فقط .