العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ

تأسيس البلاد القديم ولغز الاستيطان

تناولنا في الفصل السابق ملخصاً بأهم نتائج البعثات التي نقبت في المواقع الإسلامية المبكرة، ويجب التنويه إلى أن المواقع التي نقب بها إما أنها اكتشفت بالصدفة أو أنها مواقع مشهورة، وهذا لا يعني بالضرورة عدم وجود مناطق استيطان أخرى تعود إلى الحقبة الإسلامية المبكرة؛ حيث لا توجد عمليات مسح آثارية للبحث عن مواقع تعود إلى تلك الفترة. أضف إلى ذلك أن هناك نصوصاً تؤكد وجود حركة تجارية في جزيرة أوال في الحقبة ما بين العامين 400 و 700 م.

وقد سبقت الإشارة إلى أنه لم يعثر على أثر في جزيرة أوال يعود إلى هذه الحقبة، وهي حقبة السيطرة الساسانية على البحرين. وقد أدت قلة الآثار في هذه الحقبة إلى ترجيح أن أوال لم تكن جزءاً من شبكة التجارة البحرية التي أسسها الساسانيون (Larsen 1983, p. 111)، إلا أن السبب الرئيسي، المرجح لعدم العثور على آثار تعود إلى هذه الحقبة، هو عدم البحث عن مواقع للتنقيب فيها.

على سبيل المثال، لماذا لم يتم التنقيب في منطقة جدحفص؟، فهي منطقة أقدم من البلاد القديم؛ حيث كانت بها تلال لمقابر تعود إلى الحقبة الهلنستية، كذلك، فهي أقرب للساحل الشمالي من البلاد القديم.

هذا مجرد مثال، وهناك العديد من المناطق التي لم يتم التنقيب بها. فالآثار التي عثر عليها تشير إلى أن منطقة البلاد القديم وقرية باربار وقرية أخرى بالقرب من عالي تم استيطانها أو إعادة استيطانها في القرن الثامن الميلادي، هذا أمر مؤكد، إلا أنه لا يمكن البت في أن جزيرة أوال لم تستوطن إلا في القرن الثامن الميلادي في هذه المناطق بعد أن هجرها الناس في القرن الخامس الميلادي إبان السيطرة الساسانية. فقد ذكر اسم أوال في الشعر الجاهلي مرتبطاً بالتجارة البحرية، وهذا ما يثير أسئلة عديدة.

ذكر أوال في الشعر الجاهلي

أوال هو اسم كبرى جزر البحرين قديماً ومن المرجح أنه أصبح في وقت لاحق يعني الأرخبيل بكامله، ولا يعرف تحديداً زمن ظهور هذا الاسم، إلا أن أقدم ذكر له ظهر في شعر الشاعر الجاهلي عمرو بن قميئة (448 م – 540 م):

هَل تَرى عيرَها تُجيزُ سِراعاً كَالعَدولِيِّ رائِحاً مِن أُوالِ

كما ذكر الاسم فيما بعد العصر الجاهلي في شعر المخبل السعدي (المتوفى العام 633 م):

تَحَمَّلنَ مِن ذاتِ الإِزاءِ كَما اِنبَرى

بِبَزّ التِجارِ مِن أُوال سَفائِنُ

وكذلك في شعر تميم بن أبي (554 م – 657 م)

مَالَ الحُدَاةُ بِهَا لِحَائِشِ قَرْيَةٍ وكَأَنَّهَا سُفُنٌ بِسِيفِ أَوَالِ

لا حظ أن اسم أوال ذكر مرتبطاً بالسفن، وخصوصاً «العدولي». وسفن العدولي هي سفن ضخمة ربما كانت تستورد من خارج الخليج العربي، وقد سميت نسبة إلى قوم من التجار أو إلى منطقة معينة (العماري 2010، محلة الواحة العدد 59).

هذا الشعر يدل على وجود ميناء كبير في جزيرة أوال، منذ القرن الخامس وحتى القرن السابع، فأين يقع هذا الميناء؟. لقد تقدم كل من Mcnicoll و Roaf باقتراح مفاده أن البلاد القديم كانت السوق الرئيسية في جزيرة أوال منذ حقب قبل الميلاد، وأن البلاد القديم تتمتع بمرفأ طبيعي أفضل من الساحل القريب من موقع قلعة البحرين (Larsen 1983, p. 47). إلا أن هذا الاقتراح يبقى كفرضية، ويترك المجال مفتوحاً، فربما تكشف لنا تنقيبات أثرية مستقبلية سر الاستيطان على جزيرة أوال.

تأسيس البلاد القديم

بحسب المعطيات الآثارية الحالية، يتضح أن المركز التجاري الرئيسي في البحرين أسس في البلاد القديم وذلك في القرن الثامن الميلادي، ولا يمكننا تحديد زمن محدد في القرن الثامن؛ لأن أقدم فخار عثر عليه في البلاد القديم يغطي حقبة القرن الثامن (Carter 2005). وبالتوازي مع تأسيس البلاد القديم تأسست قرية صغيرة بالقرب من قرية عالي الحالية، والتي تأسست بالقرب من وادٍ يمر أمامها من الجنوب إلى الشمال حيث يصل إلى قرابة موقع سار الأثري (Sasaki et. at. 2011). وبالتوازي معها أيضاً، أعيد استيطان معابد باربار (Frifelt 2001).

لقد عثر في أقدم طبقة أثرية في البلاد القديم على أنواع مختلفة من الفخار, قرابة 60 في المئة من هذا الفخار هو فخار مستورد من العديد من المناطق، مثل إيران، والعراق، وعمان، والهند، والصين وغيرها، مما يدل على أن البلاد القديم في هذه الحقبة تمثل مركزاً تجاريّاً مرموقاً (Carter 2005). ويمكننا هنا أن نتصور أن منطقة كالبلاد القديم بهذه الأهمية في بلد دخل الإسلام في القرن السابع الميلادي؛ لا بد أن يكون بها مسجد مبني يليق بمركزها في جزيرة أوال. فهل التنقيبات الأثرية تؤكد على ذلك؟. هناك من يرجح ذلك، إلا أنه لا يمكن تأكيده بصورة مطلقة.

المسجد الأول في البلاد القديم

كشفت نتائج البعثة الفرنسية في مسجد الخميس بقيادة مونيك كيرفران أن هناك ثلاثة مساجد تم بناؤها في موقع مسجد الخميس (Kervran et Kalus 1990, p. 17). إلا أنه لا يعلم بالتحديد تاريخ بناء تلك المساجد، باستثناء تاريخ بناء أو ترميم المسجد الثالث في الحقبة العيونية. أما عن المسجدين الآخرين فلا توجد إلا نظريات.

أقدم بناء للمسجد، أو المسجد الأول، لم يتبقَّ منه إلا بقايا جدار القبلة الذي لا يتجاوز ارتفاعه نصف متر أما طوله فيبلغ 8.5 أمتار، ويبلغ سمكه 60 سم، ويوجد في وسطه محراب مجوف على شكل نصف دائرة يبلغ قطرها 70 سم وعمقها 35 سم. وهذا المحراب ليس له بروز إلى الخارج بحيث يرى من خارج المسجد. وقد عززت المنطقة المقابلة لتجويف المحراب بدعامة خارجية عبارة عن قوائم على شكل حرف (L). وقد عثر، أيضاً، بالقرب من هذا الجدار على مجموعة من القبور الإسلامية (Kervran et Kalus 1990, pp. 17-18).

في العام 2003م نشر Whitehouse ملاحظاته حول بناء مسجد الخميس، وقد علق على الدعامة التي تأخذ شكل حرف (L) خلف الجدار، ورجح أن هذا الشكل ليس دعامة وإنما هو بقايا من غرفة قبر لها أربع أعمدة مبنية على شكل حرف (L) وتعلوها قبة (Whitehouse 2003).

إن هذا الوصف لا يعطي تاريخاً محدداً لبنائه، ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أن المحراب المجوف ظهر عند ترميم مسجد المدينة قرابة (707 - 709م) (Khoury 1998)، وأن البلاد القديم تأسست في تاريخ مّا في القرن الثامن الميلادي, فإنه يمكن إعطاء تاريخ نظري لبناء المسجد الأول ما بين العامين 709 و 800م.

في القرن التاسع الميلادي حدث تطور ملحوظ, في البناء والعلاقات التجارية, فهل سينعكس ذلك على بناء المسجد أيضاً؟.

العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً