العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ

وثيقة: مطالب شعبية تحملها سفينة بريطانية!

مظاهرات الشعب في المنامة - 1955
مظاهرات الشعب في المنامة - 1955

بين أيديكم اليوم، الوثيقة الثالثة التي صدرت بتاريخ (28 أكتوبر/ تشرين الأول 1955)، وتنفرد بميزة خاصة ضمن مسيرة الحراك الشعبي في البحرين إبان فترة الخمسينات من القرن العشرين. فهي عبارة عن الرد الحكومي، غير المباشر، على وثيقة المطالب الشعبية التي قدمتها الهيئة التنفيذية العليا في يوليو/ تموز 1954، ممثلة لطوائف الشعب آنذاك في زمن غير هذا الزمان، يوم غابت المصالح الفردية الآنية لكل الأطياف عن الساحة وبرزت فقط مصلحة الوطن وآمال سكانه على السطح، وهذا ما أقلق السلطات البريطانية آنذاك.

يقول نص الوثيقة:

« حكومة البحرين

إعلان

العدد 77/ 1375

نحن سلمان بن حمد الخليفة - حاكم البحرين وتوابعها- نأمر بما هو آتٍ:-

1. جلب خبير لسنِّ قانون مدني وجنائي ولتنظيم المحاكم.

2. وضع كمبدأ عام تعيين وانتخاب لجنة لمساعدته فيما يتعلق بأوضاعنا وتقاليدنا وديننا، وذلك بعد وصوله بأمد.

3. جلب قاض لكل محكمة بجانب القضاة المحليين وذلك لتطبيق مواد القانونين الخاصين بعد عملهما.

4. تنظيم الأمن على حسب النظم المتبعة في العالم.

5. فيما يتعلق بلجنة المعارف والصحة:

أ‌. تستقل كل لجنة بماليتها في نطاق المبلغ المعين من قبل الحكومة على أن تصرف مالية المعارف للمعارف ومالية الصحة للصحة فيما يعود للصالح العام.

ب‌. أن تستقل كل لجنة استقلالاً إداريّاً بالتعاون مع الحكومة.

ت‌. يكون عمر كل لجنة سنتين.

6. تأليف لجنة من أربعة أشخاص لدرس انتخابات مجلس الصحة والمعارف فقط بالتعاون مع مدير العلاقات العامة.

7. نؤكد أن الإصلاح في السجون قد جرى ولا يزال جارياً.

حرر في 12 ربيع الأول 1375

الموافق 28 أكتوبر 1955

ختم سلمان بن حمد الخليفة

حاكم البحرين»

وتعليقاً على ذلك، نشير إلى أن هذا الإعلان لم يناقش إلا بعض المطالب الشعبية المذكورة في وثيقة يوليو 1954، مثل مجلسي الصحة والمعارف فقط. ولم يتم ذكر مجلس البلديات الذي دونته المذكرة الوطنية في البند الرابع مع بقية المجالس. كما لم يتم التطرق بتاتاً إلى المطلب الأساس في المذكرة وهو (تشكيل مجلس استشاري بطريق الانتخاب الحر يمثل أهالي البلاد سنة وشيعة بالتساوي). وتم تحوير مطلب تشكيل لجنة من رجال القانون لسن قانون عام للبلاد يتماشى مع حاجاتها وتقاليدها، وإصلاح المحاكم وتنظيمها؛ إلى جلب خبير لسن قانون مدني وجنائي ولتنظيم المحاكم، وجلب قاض لكل محكمة بجانب القضاة المحليين وذلك لتطبيق مواد القانونين الخاصين بعد عملهما.

وأمام مطلب القوى الوطنية بإصلاح جميع دوائر الأمن التي كان يتولاها الأجانب في تلك الفترة؛ تمت الإشارة بعبارة هلامية إلى «تنظيم الأمن على حسب النظم المتبعة في العالم! وأن الإصلاح في السجون قد جرى ولا يزال جارياً».

كما نوثق، أنه خلال تلك الفترة الحرجة من تاريخ البحرين في منتصف القرن العشرين، وما أشبه الليلة بالبارحة، لم تهدأ حركة الـ (Telegram) بين المقيمية السياسية البريطانية في الخليج (ومقرها البحرين منذ العام 1947)، وبين وزارة الخارجية البريطانية في لندن. فقد فوجئت السلطات البريطانية بالحراك الوطني البحريني وتوحد البلاد، سنة وشيعة، ضد تردي الوضع السياسي والإداري في البحرين، والإصرار من قبل الشعب البحريني على مطالب الديمقراطية، والحرية، والعدالة، ونيل الحقوق، وتقرير المصير.

أضف إلي ذلك، طول نفس الحراك الشعبي البحريني الذي استمر لأكثر من عامين متتالين. حيث حفل الأرشيف البريطاني بمثل هذه البرقيات، ومنها مثلاُ، ما أُرسل قبل إعلان حكومة البحرين بالاستجابة لمطالب إصلاح القضاء والصحة والمعارف والأمن في البلاد الصادر، كما هو موضح في الوثيقة، بتاريخ 28 أكتوبر. أُرسلت تلك البرقيات في عهد (Bernard Alexander Brocas Burrows) المقيم السياسي البريطاني (عُين من 22 أكتوبر 1953 حتى مطلع أكتوبر 1958)، الذي عاصر جميع مراحل حركة المطالب الوطنية في الخمسينات؛ وكان ملف البحرين يُطلق عليه حينها «وضع البحرين الداخلي». فهناك برقية مهمة جدّاً أُرسلت من قبل المقيم (Burrows) اعتماداً على برقية أخرى وصلته من المعتمد البريطاني في البلاد آنذاك (Charles Alexander Gault) و(عُين بين عامي 1955و1959)؛ يشرح فيها ما سيتم إعلانه في 28 أكتوبر على لسان الحاكم بشأن تنظيم مجلسي الصحة والمعارف قائلاً: «تدهورت الحالة ثانية... وبعد عدة مناقشات بين الهيئة والحاكم تم حصر الاتفاق على لجنة ممثلين لمجلسي التعليم والصحة، وبعد أن تم حذف الإشارة للإصلاح في سلطات الشرطة القضائية».

وكان هناك اتهام من قبل الحكومة، كما هي العادة، للقوى الوطنية البحرينية بأنها تلقت دعماً ماديّاً خارجيّاً باتصالها بمصر الثورة على يد الشملان عندما قام بزيارة القاهرة. ما جعل المقيم السياسي البريطاني يبحث للتأكد من هذا الأمر، فجاءت برقيته في 28 أكتوبر لتقرر أن لا شيء ثبت عن تلقي الهيئة الوطنية للدعم المالي من الخارج، أي من مصر.

أضف إلى ذلك، أنه بسبب هذا الإعلان وما أسفر عنه وما حدث بعده بين الحكومة والقوى الوطنية؛ فقد أرسل المقيم تقريراً مطولاً إلى وزارة الخارجية البريطانية مكوناً من ست صفحات تضمن سبع نقاط أساسية عن الأوضاع في البحرين، وبعض النصائح للتعامل بحذر مع الوضع المتأزم بسبب عدم الاستجابة بشكل صريح وعلني لكل المطالب الشعبية، وما يمكن أن يؤدي إليه من تفجر خطير مستقبلاً!

لكن كل تلك المطالب الشعبية السلمية، وتحذيرات بعض الساسة من عواقب عدم الاستجابة لها؛ غيبتها أصوات محركات السفينة البريطانية (Loch Insh) وهي تحمل على متنها أهم ثقل ثلاثي للحراك الوطني آنذاك في (26 ديسمبر/ كانون الأول 1956)، بالنفي إلي جزيرة «سينت هلينا»، كما خطها تماما بحروفها تلك، صاحب الأمر الرسمي بقراره السري.

العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:28 ص

      شكرا للوسط

      و سيبقى التاري النضالي للآباب يخط طريق الحرية بسواعد الشباب
      و النصر قادم قريبا لا محالة

اقرأ ايضاً