العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ

«لحظات منسية»... حين يجرنا الماضي إلى خصومة الحاضر

في أول عروض مهرجان مسرح أوال الثامن

تصوير عقيل الفردان
تصوير عقيل الفردان

حتى لحظة كتابة هذا المقال شاهدت ثلاثة عروض مسرحية لمهرجان أوال المسرحي في نسخته الثامنة، والذي يعرض على الصالة الثقافية من (18 حتى 25 فبراير/ شباط 2014)، أولها «لحظات منسية» لمسرح أوال، ثم «البشت أم العباءة» لمسرح الريف، وأخيراً «الحلم» للمؤسسة العامة للشباب والرياضة.

ألف مسرحية «لحظات منسية» إبراهيم بحر والتي أخرجها سابقاً الفنان السوري أحمد المنصور بمشاركة الممثلين ليزا ميخائيل، وأفرام ديفيد من فرقة المواسم السورية في احتفالية مسرح الصواري بيوم المسرح العالمي قبل سنوات. تعود المسرحية هذه المرة لتفتتح مهرجان أوال المسرحي الثامن.

ويبدو من الحوار الذي نسج الحكاية أن أحداثها تدور بين زوجين تجري حياتهما في خط زمني رتيب ملؤه الضجر لتباينهما في الطباع واختلاف نمط الحياة. ولا يقطع ذلك سوى حدث مفاجئ هو سفر ابنهما (فايز) للدراسة في الخارج ومغادرته حياتهما، وهو ما رواه العجوزان لا ما شاهدناه بالفعل، مما يفتح الأفق لصراعات أخرى كامنة تجلّي مدى الاختلاف الذي راكمه الزمن بين العجوزين، وتكشف الاعترافات الكثير مما كان مخبوءاً خلف الرتابة والضجر.

أخرجت المسرحية غادة الفيحاني، وشاركها في التمثيل كل من الفنانين راشد العازمي في دور الرجل العجوز، وسارة البلوشي في دور الزوجة، وحمزة العصفور، وحمد عتيق مساعد مخرج.

أحداث كلامية

في المسرحية تجتهد المخرجة لتقديم إخراج يعكس رؤية تتساوق فيه مع طبيعة المسرحية نفسها، والتي يبدو أنها لا تعتمد على حدث فعلي بقدر اعتمادها على «حدث كلامي» يصنعه السرد وتراكم الحوار. ولذلك ليس غريباً انشغال المخرجة وممثليها بتفاصيل الحوار، وليس أبعد منه، خصوصاً حينما يستعيض المؤلف نفسه عن الفعل المسرحي بفعل كلامي.

ولهذا تبدأ المسرحية في سرد «حدوثتها» عبر عجوزين يبدو أنهما يعيشان أيامهما الأخيرة بطبيعتها الرتيبة التي لا تخلو من المناكفات والخصومة كما هي عادة الأزواج حيث تكون هذه المنكفات هي ملح حياتهم اليومية لإعطائها النكهة والتفاصيل وتلوين إيقاعها الرتيب، وخصوصا حين تغيب تفاصيل الحدث اليومي فيتسع المجال لتفاصيل صنعها الماضي وراكمها الزمن والتي سيسمح الحوار باستعادتها كلما تقدم إلى الأمام وكثر الكلام.

سيكولوجيا المرأة

لعل أهم ما تمعن فيه المسرحية التأكيد على الحالة المتخيلة التي تستهوينا حين نرسم صورة للمرأة الثرثارة وولعها بتفاصيل الكلام، حين لا يكون هناك «فعل».

هكذا وحينما لا يكون هناك حدث يومي تنشغل به الذات المستلبة من واقعها تبدأ في استدعاء الماضي وتفاصيله الغائبة لتشعل فيه ناراً تبعث في اللحظات الراهنة حرارتها. ولا تكتفي بالانشغال بهذا الماضي لوحدها بل لا بد من استدعاء الآخرين ليشتبكوا معها فيه. ومن هنا يبدأ الصراع فما إن ينتهي الحوار من استدعاء حكاية ما للخصومة حولها حتى تشرع في استذكار غيرها، وهكذا تظل المسرحية رهينة المناكفات والخصومة بين الزوحين حول هذا الماضي.

الماضي والتأويل

حينما يكف الواقع عن صناعة الحدث اليومي تبقى الذات حبيسة ماضيها، وهنا يحدث الصراع بين واقع غائب وماض مستحضر دائماً، فحينما يغيب الإنسان عن واقعه يبدأ الماضي في الحضور والطغيان، عاصفاً بصاحبه ساحباً إياه إلى أتونه، وهنا تتجذر عناصر الصراع على الماضي وكيف كان بالفعل وما طبيعة فهمنا له، وحين نبدأ في استعادته يكون لكل منا تأويله الخاص وفهمه لمنطق تحولات الأحداث، ولذلك نرى العجوزين يبدآن في التصارع على تأويل هذا الماضي كل لصالحه وصالح تبريراته التي اتخذها في ذلك الحين أو التي بدأت تنضج في هذه اللحظة وبدأ يتبناها.

بين الأنا والأنت

تظل المسرحية تدور بين العجوزين ولا يحضر الولد بينهما إلا على مستوى الحكي والتذكر، حيث يتخاصمان على مَن كان السبب في إرساله للدراسة في بلاد بعيدة. وبين اتهام الأم للأب في التسبب بهذا المصير للولد تنشأ الخصومة، ويبدآن في فعل التذكر بين حبهما مرة ولحظات اللقاء الأول، وهنا يكثر ضمير (النحن) ويكادان يتوحدان ويكونان نسخة من بعضهما. ويستمر الإيقاع الرتيب في العرض مع شيء من حرارة اللقاء الأول، وحين يحضر الولد في الحكاية بواسطة الحوار عبر الضمير الغائب هو، تبدأ الخصومة في الاشتعال ويبدآن في تراشق الاتهامات وتتفكك النحن إلى (الأنت والأنا). هنا ينتقل الحدث من حدث تواؤمي بين ذاتين ملتحمتين في الضمير نحن إلى ذاتين متفارقتين، في الأنا والأنت. تجرنا هذه الخصومة من صراع على صناعة مصير الولد إلى صراع على الماضي نفسه وما تخلله من (لحظات منسية) يتم استدعاؤها والخصومة عليها من جديد، مما يكشف أن حباً قديماً كان متوارياً، وثمة مواقف يتم نبشها وإحياؤها لإذكاء المزيد من الخصومة.

ويبدو من الحكاية أن العجوز والد الفتى قد وشى بمن سبقه من محبي تلك الزوجة قبل اقترانه بها وهنا تشتعل الخصومة حين تتهمه بإخفاء هذا السر، ويتهمها هو بالحنين لمن سبقه، ويبدو أن المآل الذي صنعه هذا العجوز بذلك الحبيب لن يتوقف عند تلك اللحظة بل ربما تكون هناك حكاية أخرى، حين يكتشف العجوزان أن صورة ابنهما تتصدر الصحيفة بتهمة الإرهاب.

أراجيح الحكاية

على مستوى العرض ظلت الخلفية التي صنعتها المخرجة حالة مشهدية ثابتة حتى آخر المسرحية في شكل أراجيح ثابة تحمل الكتب التي ربما هي كتب الحكايات المنسية والذكريات الماضية. تواءم ذلك مع استخدامها أحيانا كصيغة للتذكر حيث يمكن تأويلها أن المسرحية تظل متأرجحة بين الماضي والحاضر كما هي طبيعة الشخصيات المتأرجحة بين حاضر ملغي وماض مستحضر بتفاصيله.

العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً