في البلاد يا سعادة النواب كثير من الاعوجاج الذي يراد تعليمه الاستقامة، بدءاً من الطوابير في شتى الوزارات والمؤسسات الحكومية، والتي غالباً ما تُخترق حين يطل أحد معارف من يجلس خلف طاولة المراجعة، حتى مع وجود نظام الأرقام الآلي، فتراه يقوم له مرحباً سائلاً عن حاجته أمام دهشة المراجعين، الذين كانوا ينتظرون لساعات طويلة، مروراً بالاختلاسات الكثيرة التي يزخر بها تقرير ديوان الرقابة المالية الذي ينسى بعد الأسبوع الأول من صدوره وكأنه لم يكن، ومروراً بالوساطات الفاضحة التي تضج بها بعض الوزارات في التوظيف، فترى طوابق بأكملها يترأس أقسامها أفراد عائلة واحدة، بالرغم من وجود من هم أكثر كفاءة منهم في ذات الأقسام، بل ولديهم من المؤهلات العلمية ما يخولهم بأن يكونوا - لو كانوا في دولة أخرى- رؤساء أقسام فوق مستوى رؤسائهم!

الاعوجاج في البلاد يصل إلى ملفات الإسكان يا سعادة النواب، فنرى عدد المنتظرين لأدوارهم خلال السنوات العشرين الماضية يفوق بأضعاف عدد الحاصلين على طلباتهم، ومازالت الملايين تهدر في بناء بيوت ومساكن للمواطنين الجدد في حين ينتظر المواطن المولود على هذي الأرض لسنوات تصل إلى خمسة وعشرين عاماً، فيصاب بالحسرة كلما مرّ بهذي المساكن، وهو يراها تغتصب أمام عينه، ويأخذ أصحابها دوره في طابور الانتظار الطويل، إضافة إلى معيار المناطقية الذي صار مصدر إزعاج لكثير من المواطنين الذين لم تبنَ على أرض مناطقهم مشاريع منذ سنوات طويلة فصار انتظاره أطول بأضعاف ممن حالفه الحظ في بناء مشاريع في منطقته بعد عامين من تقديمه الطلب.

والاعوجاج يا سعادة النواب يصل أيضاً إلى ملفات وزارة الأشغال ووزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني التي تزخر بالعثرات، فترى مناطق سكنية تعاني الأمرّين من شوارعها بينما يعاد تعبيد شوارع مناطق أخرى لمرات متتالية لأن فيها يسكن «فلان بن فلان»، إضافة إلى مياه الأمطار التي تتجمع فتمنع مرور سكان بعض المناطق وتمنع مرور السيارات حتى في الشوارع العامة حديثة التعبيد!

ويصل الاعوجاج في البلاد إلى ملفات ديوان الخدمة المدنية، حيث يوظف في المناصب العليا بوزارات الدولة وهيئاتها - بعلمه وموافقته - من لا يملك شهادة جامعية بينما ينتظر التوظيف صاحب الشهادات العليا ولو بوظيفة «فرّاش»، ويستبعد بعض المبدعين في البلاد من التوظيف حتى وإن كانوا بمؤهلات فوق المطلوب بسبب انتمائهم السياسي أو الأيديولوجي أو الحقوقي، كما يستبعد بعضهم من الترقية والحوافز والمكافآت لنفس السبب.

الاعوجاج يا سعادة النواب في البلاد وصل إلى كل هيئة حكومية، ولن أتحدث أبداً عن الاعوجاج السياسي لأن الحديث حوله يطول، ولأنكم لستم أهلاً أبداً للخوض فيه أو التحدث عنه تحت قبة برلمان لا يمثل الشعب لأنه ناقص ولأن كثيراً من المواطنين لم يصوّتوا لانتخابكم لأنهم يعرفون بأنكم لن تستطيعوا حل أية مشكلة في البلاد؛ ربما لخلل في قدرات معظمكم، ولكن ما هو مؤكد هو أن الخلل الأكيد موجود في طبيعة صلاحية المجلس الذي تمثلونه، وما زلتم معجبين بالخطوط الحمراء التي تفرض عليكم.

يا سعادة النواب قبل أن تقوّموا الاعوجاج الموجود في البلاد، عليكم أن تقوّموه بداخلكم وتحت قبة برلمانكم حتى لا تسرق أوراق أحدكم مرة أخرى حين تفكرون في استجواب أحد ممن تعملون لديهم.