العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ

القطان يحذر: الرشوة مهدرة للحقوق ومعطِّلة للمصالح

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

الجفير - محرر الشئون المحلية 

21 فبراير 2014

حذَّر خطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان، في خطبته أمس الجمعة (21 فبراير/ شباط 2014)، من أن «الرشوة مهدرةٌ للحقوق، معطِّلة للمصالح»، ودعا إلى الوقوف في وجه كل باطل، وإنكار هذا المنكر، ومنع شيوعه.

وتحت عنوان: «التحذير من الرشوة وأثرها على المجتمعات»، قال القطان: «من المبادئ المقرَّرة في دين الإسلام، وجوبُ التعاون بين الراعي والرعية، وفرضيةُ حفظ المسئولية المناطة بما يحقق الخير للبلاد والعباد، ويحفظ المصالحَ للمجتمع، ويكفل الأمن والرخاء. ولا يستقيم للبلاد أمرٌ، ولا يتَّسِق لها شأن، إلا إذا قام كل مسئول بمسئولياته، والتزم بواجباته، بصدق وإخلاص، وتفانٍ وتضحية، ومراعاةٍ لحدود الله وأحكامه، ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية بكل المقومات الأساسية، والركائز الأصيلة، التي تحفظ مقاصد المسئولية، وتدْرأ عنها أسباب الانحراف وعوامل الشر والفساد. ومن هذه المقومات وتلك الركائز، النهيُ الأكيد والزجر الشديد عن جريمة الرشوة أخذاً وإعطاءً وتوسُّطاً».

وأوضح القطان أن «الرشوةُ أكلٌ لأموال الناس بالباطل، وتناولٌ للسحت والحرام، وحقيقة الرشوة كلُّ ما يدفعه المرء لمن تولَّى عملاً من أعمال المسلمين، ليتوصَّل به إلى ما لا يحل له، وهي تأتي على صور كثيرة، من أعظمها ما يُعطى لإبطال حق، أو إحقاق باطل، أو لظلم أحدٍ من الناس. ومن صُورها دفع المال في مقابل قضاء مصلحةٍ يجب على المسئول عنها قضاؤها بدون هذا المقابل، أو هي كما قال بعض أهل العلم: ما يؤخذ عمّا وجب على الشخص فعله. ومن صورها أيضاً من رشى ليُعْطى ما ليس له، أو ليدفع حقاً قد لزمه، أو رشى ليُفضَّل أو يقدَّم على غيره من المستحقين».

وشدد على أن «الرشوة مَغْضبة للرب، ومَجْلبة للعذاب، والرشوة داءٌ وبيل، ومرض خطير، خطرُها على الأفراد عظيم، وفسادها للمجتمع كبير، فما يقع فيها امرؤ إلا ومُحِقت منه البركة في صحته ووقته ورزقه وماله وعياله وعمره، وما تدنَّس بها أحد إلا وحُجبت دعوته، وذَهبت مروءته، وفسدت أخلاقه، ونُزع حياؤه، وساء منْبَته».

وذكر القطان أن «الرشوة مهدرة للحقوق، معطِّلة للمصالح، مجرأة للظلمة والمفسدين، ما فشت في مجتمع إلا وآذنت بهلاكه، تساعد على الإثم والعدوان، تقدم السفيه الخامل، وتبعد المجد العامل، تجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، كم ضيّعت الرشوة من حقوق، وكم أهدرت من كرامة، وكم رفعت من لئيم وأهانت من كريم، وكم حصل بسببها من طمس لمعالم الحق، وحجب للعدل، وإقرار للظلم، وتستر على ذوي الجرائم والفساد والشرور، وتلفيق للتهم حول الأبرياء، فكم من تقي صالح لم يوفَ حقه وأهين عند موظف لئيم، لأنه لم يدفع له رشوة، وكم من فاسق قدم على غيره وأعطي مطلبه وإن كان باطلاً، وكم من حقوق ضيعت، وأموال خاصة وعامة نهبت، ومصالح مجتمع وأمة أهدرت، بسبب الخيانة وقبول الرشوة، بل وكم أزهقت بسببها أرواح واستبيحت من حرمات مما جرّ على دول وشعوب مصائب عظمى وفجائع كبرى».

وأضاف «لو تساهل بعض حراس الحدود والثغور ومسئولي الأمن في بلد من البلدان، وخانوا الأمانة التي ائتمنوا عليها مقابل رشوة من مال يأخذونه، فتسلل الأعداء والمجرمون والمفسدون وما معهم من معاول الشر والفساد والجرائم، إلى داخل البلاد، فكم يحدث من جراء ذلك من فساد عريض وبلاء عظيم على البلاد والعباد، وإن في وقائع السابقين لعبرة، وفيما سطّرت كتب التأريخ لموعظة».

وأشار القطان إلى أن «الرشوة في الإسلام محرَّمةٌ بأية صورة كانت، وبأي اسم سُمِّيت، سواء سُميت هديةً أو مكافأة أو إكرامية، فالأسماء لا تغيِّر من الحقائق شيئاً، والعبرة للحقائق والمعاني لا للألفاظ والمباني. ومن المقررات في شريعة محمد (ص) أن هدايا العمَّال غلول (أي خيانة)، والمراد بالعمَّال كل من تولى عملاً للمسلمين، وزيراً أو مديراً أو قاضياً أو نائباً أو موظفاً، أياً كانت مسئولياتهم، ومهما اختلفت مراتبهم وتنوعت درجاتهم».

وبيّن القطان أن «للرشوة صوراً متعددة، فقد تكون في طلب الوظائف والمسابقة فيها، فيقدم من أجلها من لا ينجح، أو تعطى له أسئلة المسابقة قبل الامتحان، فيولى الوظيفة مَن غيره أحق منه، وأغرب من ذلك أن تدخل الرشوة في التعليم والثقافة، فينجح من أجلها من لا يستحق النجاح، أو تقدم له أسئلة الامتحان أو يشار إلى أماكنها من المقررات، أو يتساهل المراقب في مراقبة الطالب من أجلها، فيتقدم هذا الطالب مع ضعف مستواه ويتأخر من هو أحق منه مع قوة مستواه العلمي، وإن الرشوة قد تكون في تنفيذ المشاريع، ينزل مشروع عمل في المناقصة، فيبذل أحد المتقدمين رشوة، فيرسو المشروع عليه، مع أن غيره أنصح قصداً وأتقن عملاً، ولكن الرشوة عملت عملها ولا حول ولا قوة إلا بالله».

وأكد القطان أن «تفنُّن الناس في تسمية الرشوة بغير اسمها لا يخرجها عن حكمها، سمَّوها بغير اسمها، ولقّبوها بألقاب تخدع السذج من الناس وتسرّ الغششة، حتى انتشرت الرشوة بينهم انتشار النار في يابس الحطب، حتى أفسدت كثيراً من الذمم، الطالب يعطي أستاذَه، الموظَّف يهدي إلى مديره، صاحب الحاجة يقيم مأدبة وعزيمة لمن هو محتاج إليه، في صوَر أفسدت العمال والموظفين على أصحاب العمل، يجعلون الخدمة لمن يدفع أكثر، ومن لا يدفع فلا حول لهم ولا قوة، لا يجد الإنسان أمامه إلا نفوساً منهومة وقلوباً منكّسة، ولو كانوا صادقين في إباحة ما أخذوا ما بالهم لا يعلنونه أمام الملأ».

وأضاف أن «من قصور النظر أن يظن أن الرشوة لا تعدو أن تكون مالاً يتبرّع به شخص لآخر، إن كل منفعة كائنة ما كانت بذلت لجلب منفعة أخرى بغير حقّ فهي داخلة في الرشوة».

العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً