العدد 4184 - الأربعاء 19 فبراير 2014م الموافق 19 ربيع الثاني 1435هـ

شكراً لك يا سيد «واتساب»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شكراً لبرنامج الـ «واتساب» (WhatsApp)، فقد كَشَفَ مَنْ اعتادوا على «الموضات» الدينية «ادعاءً» لا أكثر. ولأن الموضة هي علم المظاهر، وتُلهِم المرء الرغبة «في أن يبدو لا أن يكون» كما كان يقول الكاتب الفرنسي المبدع ميشيل دي مونتين، وبالتالي فإن هذا البرنامج التواصلي كَشَف حقيقة الجميع، وأزَال ما أمكن من المساحيق عن الوجوه المُضلِّلَة.

مَنْ كان يُقدِّم نفسه على أنه شخص صاحب عقل، ظَهَرَ جنونه البيِّن. ومن كان يُقدِّم نفسه على أنه معتدل ظَهَرَ تطرفه ونَزقه. ومَنْ كان يُقدِّم نفسه على أنه وحدوي ظَهَرَ كيف أنه فتنوي بامتياز، وراية من رايات الحروب المذهبية، التي يتلذَّذ بتفاهتها الأعداء، أو في أحيان أخرى يسكت عنها الأصدقاء فلا يجبُّونها، فيصبحوا شركاء فيها.

أتذكر قولاً جميلاً لجون لانكستر سبالدنغ يقول فيه: «أعلى درجات الشجاعة أن تجرؤ على الظهور على حقيقتك». وقد أصاب الرجل فيما ذهب إليه حقاً. فوسط هذه الحرب الالكترونية، التي تشتعل على رماحها نيران الفتنة والاحتراب، تغيب الشجاعة عن البشر، حين يُقدِّمون عقولهم ونفوسهم ومشاعرهم على غير كنهها وما يؤمنون به.

مع كامل الحسرة والألم، لم يجد البعض، كلمة «حَسَنَة» من بين ثلاثة عشر مليون مفردة عربية من مفردات لغتنا الجميلة، لكي يبثونها بين الناس! ينتقون من الكلام أدناه وأقلّه. اثنان وثلاثون مرة، ذُكِرَت كلمة «أحسن» في القرآن الكريم؛ وثلاثة وعشرون مرة ذُكِرَت كلمة «حسنا»؛ وثلاث عشرة مرة ذُكِرَت كلمة «الحسنى»، لكن ذلك البعض عجز عن فعلها مرةً واحدة، رغم أن حروفها قليلة، ومعناها كبير، وأثرها لا حدَّ له. إنه الشقاء بعينه.

في منتصف شهر يونيو/ حزيران الماضي، قالت شركة الـ «واتساب» أن سجلاتها اليومية رَصَدَت سبعة وعشرين مليار رسالة، تم إرسالها بالـ «واتساب». وإذا قلنا أن في عالمنا اليوم مليارَيْ هاتف ذكي، فهذا يعني أن كل هاتف منها أرسل 135 رسالة واتساب في اليوم! ومن سمات التكنولوجيا (سواءً في هذه أو غيرها) أنها لا تكذب في إيصال المضمون. بمعنى إنْ أنتَ نطقتَ خيراً عبرها أو شراً فإنه يأتي كما هو، لا تُجمِّله الموضة ولا العواطف بالمطلق.

لم نعد نُحسن الكثير من قولنا وفعلنا في هذه الحياة. لغة جميلة، وهي أكثر اللغات السامية انتشاراً وتحدثاً، صرنا نستخدمها للتنابز والتعيير. وتكنولوجيا متقدمة تمناها الأوَّلون لمواجهة صعوبات الحياة، صرنا نستعملها في السُّباب والشتيمة، فتحوَّلت وسائل التواصل إلى مزيد من القطيعة والتكريس لها، وكأننا نمشي القهقري. واأسفاه.

ماذا لو تخيَّلنا أن كل كلمة «سالبة» أرسلناها، استبدلناها بأخرى «مُوجَبة» فماذا عسى أن يحدث؟ مليون كلمة «مُوجَبة» حَلَّت محلَّ أخرى «سالبة»! النتيجة، هي زيادة في الصلة والقرب، وتسكينٌ لهواجس النفس، ولجمٌ لشرورها، وبالتالي تكريسٌ للسلام والمحبة. والخيال ذاته يمكن تصوُّره في الحالة المعاكسة، عندما تطغى الحالة السلبية على غيرها.

فرعون الذي «طَغى» في الأرض، ذَكَرَه الله سبحانه في القرآن الكريم أزيد من ستين مرة. لكن، عندما أرسلَ إليه الرسل أوصاهم: «فقولا لهُ قَولاً ليِّناً»، وهو فرعون الذي سامَ الناس سوء العذاب، وكذَّب بآيات ربه واستكبر وأسرف وعلا في الأرض، وضلَّل قومه، وادعى الألوهية، وجاء بالخاطئة! فكيف بأخوة الدين والإنسانية! إنها دروس باتت تُردّدها الألسن وتهجرها القلوب، خصوصاً عند من يدّعون وصلاً بالدين والسماء.

اليوم، وأمام هذا «التردِّي» الأخلاقي، القادم من فوهة حرب الكترونية، فإن الصيغة المثلى لمواجهته (فضلاً عن تثبيت قانون الإقلاع عنه) هو إيقاف كرته المتدحرجة. فإن جاءت أحدٌ رسالة أو نصاً يحتوي على «كُره» صريح، أو دعوة للتهكم، أو تثوير لغرائز شيطانية لنصرة «بائسة» لا يساعد على نشرها، بل ولا يحكي كنهها حتى، ففي ذلك وأدٌ للفتنة.

فكم من كلمةٍ أسالت دماءً، وكم من كَتْمٍ لها حَفِظَ أرواح الناس واجتماعهم. ألَم تفعل كلمة البسوس فعلتها في بني بكر وتغلب طيلة أربعين سنة من الدم؟ حين عافت عقولهم نصيحة: يا بني اتئد فالموت لا يستحق أن يعجل إليه! فالشتيمة وردّها، تأتي بالشرّ في الصدور، أما الإعراض عنها فيقضي عليه، وما أكثر حاجتنا إلى هذا اليوم.

هذه هي حاجتنا، وهذه هي حياتنا، وهذا هو مستقبلنا. ومَنْ يفعل غير ذلك، فهو ضد حاجات مجتمعه، وقاتلٌ لحياة بني جلدته، ومُخرّبٌ لمستقبلهم. وما دام هو كذلك، فهو حقاً عدو لأمته ولمصالحها، حين لا يظهر منه حرص على ضرورات العيش المشترك.

أضع نقطة الختام لهذه المقالة بعد أن أسرِدَ ما جاء في كتاب «المستطرف في كل فن مستظرَف» لبهاء الدين أبي الفتح الأبشيهي من قولٍ جميلٍ يناسب المقام. فقد قِيْل لبعضِ الحكماء: بِمَ يُعرَف عقلُ الرجل؟ فقال: بِقِلَّةِ سَقَطِهِ في الكلام وكثرةِ إصابته فيه. فقيل: وإن كان غائباً؟ فقال: بإحدى ثلاث: إما برسولهِ، وإما بكتابِه، وإمَّا بِهَدِيَّتِهِ. فإن رسوله قائمٌ مقامَ نفسه، وكتابَهُ يصِفُ نطقَ لسانِه، وهَدِيَّتَه عنوان هِمَّتِه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4184 - الأربعاء 19 فبراير 2014م الموافق 19 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:53 ص

      إن ما في القلوب يظهر في فلتات الوتساب

      نعم وما أكثر القصص التي تحكى عن ما كشف والعلاقات التي قطعت بسبب سيد واتسأب

    • زائر 2 | 4:03 ص

      اااااااااااا

      في منتصف شهر يونيو/ حزيران الماضي، قالت شركة الـ «واتساب» أن سجلاتها اليومية رَصَدَت سبعة وعشرين مليار رسالة، تم إرسالها بالـ «واتساب». وإذا قلنا أن في عالمنا اليوم مليارَيْ هاتف ذكي، فهذا يعني أن كل هاتف منها أرسل 135 رسالة واتساب في اليوم!

    • زائر 1 | 10:59 م

      تجربة

      ما ذكرته صحيح مئة في المئة وقد حصلت لي تجربة شخصية مع شخص اعرفه ارسل لي جزء من فيلم يحتوي على سب واستهزاء مذهبي ثم عاد وارسل لي اعتذار . هذا يعكس ان الكثير من الناس لا يظهرون بوجههم الحقيقي

اقرأ ايضاً