كانت النظرة السائدة بين الإسلاميين عموماً والسلفيين منهم على وجه الخصوص، أن الديمقراطية بمفهومها الغربي لا تتفق مع الإسلام، وبالتالي فإن القبول بها أو الدعوة إليها يعد خروجاً على قواعد الاسلام. صحيح أن بعض علماء المسلمين من غير السلفيين كان لهم رأيٌ آخر؛ حيث رأوا أن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تجتمع على غير الإسلام ومفاهيمه وبالتالي فإن الانتخابات لا يمكن أن تأتي بمن يخالف الإسلام ويفرض قواعد تخالفه، وبالتالي رأوا أن الديمقراطية لا تخالف الإسلام ولم يمانعوا في التعاطي معها، ودعوا الآخرين لذلك لكي لا يتركوا الساحة الإسلامية لغير الإسلاميين. وجاءت أحداث الربيع العربي فانخرط غالبية السلفيين في لعبة الديمقراطية ماعدا المتطرفين منهم، حيث استمر هؤلاء على رأيهم.
ولعبة الديمقراطية كان يمارسها الليبراليون والعلمانيون، وكانوا يملأون الدنيا ضجيجاً وهم يتحدثون عن الحريات العامة وحقوق الانسان والمرأة، وكيف يجب أن يقفوا مدافعين عن هذه المثل بكل قوة حتى لو افتدوها بأرواحهم، وكانوا في الوقت نفسه ينتقدون الاسلاميين «المتعصبين» الذين يحاربون الحريات وخصوصاً حرية المرأة، ويطالبونهم بممارسة الديمقراطية والانخراط في الحياة المدنية والدخول في الاحزاب كيرهم كي لا يكونوا شاذين عن عصرهم ومتطلباته!
وجاءت أحداث الربيع العربي لتثبت أن الغالبية العظمى من دعاة الديمقراطية سقطوا سقوطاً مريعاً من أول اختبار، ولتثبت أنهم من ألد أعداء الديمقراطية ومن أكثر الناس حرباً عليها. ولم يكن هذا في بلد واحد بل في كل بلد عربي مارس الانتخابات حتى لو كانت انتخابات بلدية أو جامعية ليست بذات قيمة.
في الجزائر وفي العام 1992، فازت الجبهة الاسلامية للإنقاذ في الانتخابات فوزاً كاسحاً، وكان مقتضى العرف الديمقراطي أن يبارك الجزائريون هذا الفوز وينظروا ماذا ستفعل الجبهة، فإن أحسنت أعادوا انتخابها وإن أساءت انتخبوا غيرها، ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل سارع الجيش فانقلب على الرئيس الشاذلي وألغى الانتخابات، وأدخل قادة الجبهة السجون. ومع هذا فقد ادعوا أنهم إنما عزلوا الرئيس ولم يلغوا المسار الديمقراطي، وزادوا على إفكهم بأن الجبهة هي من عطّلت الديمقراطية، ولهذا سارعوا بحلّها وسجن زعمائها وحظر جميع أنشطتها.
هذا الإجراء الظالم استفز مجموعةً من أنصار الجبهة فأسسوا الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي حارب الدولة قرابة العشر سنوات، وقتل في هذه الحرب قرابة المئتي ألف، وخسرت الدولة مليارات الدولارات.
بطبيعة الحال ليبراليو الجزائر وعلمانيوها لم يقفوا مع الديمقراطية التي تعلّموها من فرنسا بل وقفوا ضدها لأنها لم تأتِ بهم، وشجّعوا على محاربة أنصار الجبهة ووصفوهم بأبشع الصفات، وكل ذنب هؤلاء أن الشعب وثق بهم واختارهم ولم يثق بأولئك وابتعد عنهم!
وتكرّرت الصورة مع «حماس» التي فازت في انتخابات حرة ونزيهة بشهادة مراقبين دوليين، ولأن الآخرين ما كانوا يتوقعون أبداً هذه النتيجة فقد رفضوها وحاربوا «حماس» بصورة كبيرة أدت إلى انقسام الشعب الفلسطيني وإضعافه وتسلط الاسرائيليين عليه، ومازال هذا الانقسام إلى اليوم. وتكرّر أيضاً موقف العلمانيين والليبراليين من الانتخابات، فهي مرفوضة لأنها لم تأت بهم، أما الوطن ووحدته فهو آخر اهتماماتهم فالمهم أن يصلوا إلى السلطة!
وفي مصر انكشف موقف الليبراليين والعلمانيين والشيوعيين، فقد ضرب هؤلاء بالديمقراطية والمبادئ عرض الحائط، بل إن تذكيرهم بها أصبح جريمةً منكرةً! السيد محمد مرسي فاز في انتخابات نزيهة باعترافهم، وكان من مستلزمات الديمقراطية أن يمارس سلطاته المدة القانونية ثم يترك الأمر للشعب إن شاء اختاره وإن شاء عزله عن طريق الانتخابات، ولكن هؤلاء لم يطيقوا صبراً وقد رأوا أن السلطة ذهبت لغيرهم وأن الشعب لا يثق بهم فاخترعوا حكاية سلطة الشارع، وما هي كذلك لمن يعقل ولكنها سلطة القوة وشهوة الحكم. وفي هذه التجربة سقطت النخبة سقوطاً مدوياً وغير مسبوق في أي مكان آخر، وقد استنكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة ورئيس المركز القومي للبحوث السياسية والاستراتيجية سيف عبدالفتاح موقف النخبة المثقفة في مصر التي تحوّلت -حسب قوله- من نخبةٍ محنّطةٍ إلى نخبة منحطة، لأنها لم ترفض سياسات الانقلابيين التي أدت إلى سفك الدماء وعودة الدولة البوليسية والاعتقالات العشوائية وضرب المتظاهرين وتكميم الأفواه، وهم الذين صدّعوا رؤوسنا بالحديث عن الحريات وحقوق الانسان في عهد الرئيس مرسي.
معظم الليبراليين والعلمانيين صفّقوا كثيراً لتكميم الأفواه وسجن وقتل الآلاف، بل إنهم شاهدوا كما شاهد العالم صورة تلك الفتاة ذات الثمانية عشر عاماً وهي تلد في السجن وكانت مقيّدةً بالأصفاد إلى سريرها، وكل جريمتها أنها شاركت في مظاهرة يقول الدستور أنه يسمح بها، ومع بشاعة المنظر لم ينكر أولئك القوم ولاذوا بالصمت المعيب!
بالمقابل نجد أن الإسلاميين مارسوا الديمقراطية وطبّقوها بصورة لا يمكن مقارنتها أبداً بما فعله الآخرون؛ ففي تونس فازت حركة النهضة بالأغلبية، ولما رأت أن مدعي الديمقراطية لم يقبلوا بنتيجة الانتخابات ذهبوا إلى مسألة التوافق، وكانوا أكثر مرونةً من الليبراليين ومن على شاكلتهم فتنازلوا عن كثيرٍ من الحقوق التي اكتسبوها للطرف الآخر، وبدا واضحاً أنهم أكثر حرصاً على أمن وطنهم ومواطنيهم، وكانت تنازلاتهم سبباً في إجهاض ما كان يخطط لبلدهم، وهذا الفعل سيُحسب لهم وسيكون علامةً فارقةً لصالح الإسلاميين الذين مثّلوا الفعل الديمقراطي على أفضل وجه.
وفي الكويت نجد شيئاً مشابهاً وإن كان بدرجة أقل، وذلك في انتخابات مجلس الأمة الذي كان الاسلاميون على تنوع تياراتهم يفوزون بغالبية مقاعده، ومع نزاهة الانتخابات إلا أن أصحاب التيارات الأخرى كانوا يجهدون أنفسهم في البحث عن أسباب واهية يجعلونها سبباً في فوز الاسلاميين!
الشيء الذي يحاول العلمانيون ومن لفّ لفهم تجاهله وإغماض أعينهم عنه، أن الإسلام هو الدين الذي يؤمن به العرب، وأنهم بالتالي سيرشّحون من يرونه محققاً لمقتضيات ما يؤمنون به، وبالتالي فلن يرشّحوا من يحارب دينهم أو يهزأ به أو يستنقصه أو يتخذ من الفساد بكل أنواعه منهجاً له أو يضع يده مع أعداء دينهم، ولهذا استبعدهم في كل البلاد العربية التي جرت فيها انتخابات حرة ونزيهة، ولهذا جن جنونهم فاختاروا الانتخابات الأخرى التي ينجحون فيها بالنسبة المعروفة سلفاً وهي 99%، حتى لو جاءت على بحرٍ من الدماء، أو قادت البلاد إلى التخلف والتمزق والتبعية للآخرين.
التشدق بالشعارات لا يكفي وحده، فالكلام الأجوف يسقط في أول اختبار، والشعوب ما عادت جاهلةً ينطلي عليها معسول الكلام، ولو كان العلمانيون والليبراليون يدركون ذلك لترددوا كثيراً في اتخاذ مواقف مخزية لا تتفق مع المبادئ التي يتشدقون بها، كما لا تتفق مع أبسط المبادئ الانسانية، أما الإسلاميون فمازالوا ناجحين في تجربتهم وآمل أن يستمروا على مواقفهم.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 4182 - الإثنين 17 فبراير 2014م الموافق 17 ربيع الثاني 1435هـ
الوطن ابقى من الجميع
الليبراليون والعلمانيون لم يكونوا يوما رقما مؤثرا في اية انتخابات سابقة .انهم لا يمثلون الشارع ولا يعبرون عن السواد الاعظم من الجماهير .السلفيون يعتقدون ان الديمقراطية كفر والانتخابات رجس من عمل الشيطان لكنهم وجدوها السبيل الوحيد للاستيلاء على السلطة .الاخوان المسلمون محترفوا عقد صفقات مع الانظمة الديكتاتورية .الاسلاميون جميعهم مهرة في المتاجرة بالشعارات الدينية .الليبراليين على الاقل يثمنون مصلحة الوطن بينما سيف عبد الفتاح ورئيسه المعزول يتباكون على ضياع فرصة غير مستحقة لجماعةارهابية
القليل من العلم يولد الإلحاد،والكثير منه يولد الإيمان
القليل من العلم يولد الإلحاد،والكثير منه يولد الإيمان- أصبح ما يمليه علينا الغلاة والكذابون في الدين هو دين الله، وإن إنكار ما أدخلوه وابتدعوه وزوروا به هو من الكفر ---والخروج عن الدين
محمد
الالحاد مو شي جديد الجديد هو الاديان ؟ والاديان السماوية ؟ ظهرت قبل ثلاث الف سنة ؟ وشي منطقي الجهل يسبق العلم ؟ لكن لو كان الانسان مدركا قبل 10 الف سنة لبنا له بيت يحتمي به من العصور الجليدية ؟
ولا جاب الانسان على ابسط سؤال وهو من هو الاقدم الزمان ام المكان ؟ وبكل تعريف الزمان يثبت لك ازلية المكان ؟
ولما اتروح للفيزياء يقولون ان المادة لا تفنى ولا تستحدث او تاتي من عدم ؟ لكن الفلسفة اصدق من الفيزياء ولهذا حقيقة وجود الكون هي مسالة وقت وتحل كاملة ؟ يعني الالحاد واقع لا فرار منه ؟