أن تضع أمامك كومة أوراق، ومجموعة كتب، ويكون هدف القلم مذهبياً، ثم تبدأ في الكتابة، فماذا تتوقع أن تلفظه منك؟ لؤلؤ ومرجان؟ أم دررٌ من الكلام وفيض اللسان؟ لا أظن ذلك ولو تم القسم بأغلظ الإيمان!
وحتى لا ندّعي كغيرنا، نؤكد بدايةً، نحن لسنا خُزان علم التاريخ، ولسنا أوصياء على علم التاريخ، ولسنا وحدنا من له رأيٌ في تاريخ البلاد والعباد بإقصاء الرأي الآخر؛ ولكن نقول لمن يختط طريقاً في البحث عن التاريخ بمنهجيةٍ مذهبية، وعصبيةٍ جاهلية؛ هذا لعمري هو أول الانحدار نحو الهاوية.
فمن الصعب أن تأتي برأي مهلهل في التاريخ وتدّعي بأنه وجهة نظر نقدية، وتصر على أنه هو الأصح بين كل ما سبق أمام ما هو متوافر من حقائق تاريخية، بل وتلغي بقية وجهات النظر الأخرى. وإن سلّمنا بأن ما تقوله أنت فرضيةٌ معينةٌ تؤمن بها وحدك، في حالة التمكن علمياً من إثباتها بحقٍ وبوثائق ومصادر من كل الأطراف لا تقبل الجدل والشك الكبير؛ فلا يمكن في ذات الوقت أن تنسف كل ما ذكره غيرك من فرضيات واقعية مستندة إلى مصادر التاريخ المعتبرة والمتعددة، وليست مصادر الآحاد، والأهم أنها مدعّمةٌ بالوثائق والشواهد والآثار على أرض الجزر لا تقبل التأويل ولا التبديل.
على مثل هؤلاء أن يؤمنوا، بأن فرضيتهم أو رأي الآخرين لا تصمد في صدقها أو كذبها إلا أمام الحفريات والآثار وشواهد القبور التي خلفها الأوائل، أضف إليها، المصادر المكتوبة وسير العلماء الأفاضل، الذين برز منهم في زمن معين وفي مجلس واحد للتعزية 300 عالم فقط، ثم كذلك من حكم الجزر من الداخل، ومن غزاها من الخارج، ومن هاجر ومن استقر، ومن فرّ بسبب من كرّ عليه. عندها فقط، ولا سواها، تظهر الحقيقة المُغيّبة التي يركب ظهرها البعض ليطمسها، بالقلم الطائفي، أكثر في قاع الأرض، وإن لم يفلحوا فيكون نصيبها الإزالة والمسح، بحجة العمران والفُسح.
ومع ذلك، فالتاريخ لن يتغيّر عند السكان الأصليين للأراضي التي أُطلق عليها أميركا، بغزو الأوروبيين لها بعد عصر الكشوف الجغرافية البحرية الأوروبية في القرن الخامس عشر للميلاد؛ ولا استيطان الانجليز وغيرهم لقارة استراليا يُلغي وجود شعبها الأو ل؛ ولا انطلاق رعاة البوادي الواقعة بين جبال «آلطاي» شرقًاً، وبحر قزوين في الغرب من أواسط قارة آسيا، ممن يسمون الأتراك ذوى العرق الأصفر أو المغولي، وتأسيس الدولة العثمانية في أواسط الأناضول، غيّر من أصولهم وموطنهم الأول، ومن أصول الشعوب التي غزوها واستولوا على أراضيها عنوة! ولا وجود العرب المسلمين مع البربر في شمال أفريقيا غيّر من حقيقة السكان الأصليين، ولا مع وجودهم كذلك مع الأكراد في شمال العراق، وجنوب تركيا وغرب إيران. أبداً لم يغيّر كل هذا في التاريخ من حقيقة وجود السابقين ثم اللاحق لهم على نفس الأرض، ولكن ليس في نفس الزمان.
هكذا هي حركة البشر وعلاقاتهم، أو صراعاتهم على مر الزمان... فلا يزعجن أحدٌ نفسه بالبحث عن جذور تاريخية مصطنعة، حتى ولو عبر آلاف الأوراق، ولا ترفعن رأسك كثيراً وأنت تحاول ردم الحفر والقبور التي تدوس عليها لتدعي بأن الأرض كانت مستويةً قبل وصولك، فالجرف سحيق والانحدار مميت.
ونشير فقط في هذا المجال، إلى أن الخلط المتعمد، عند البعض، حين الحديث في التاريخ بين إقليم البحرين في أراضي شبه الجزيرة العربية، وبين جزر أوال، والزعم بأن المقصود بـ «البحرين» هو فقط جزر أوال القديمة؛ لهو ضربٌ من التعسّف والهذيان الذي لا يصمد أمام التوزيع الجغرافي التاريخي لأقاليم شبه الجزيرة، وتفاصيل كل إقليم وتسميته حينها.
كما أنه من التعسف والانحدار إدخال اسم صلاح الدين الأيوبي عنوةً في موضوع عن تاريخ الجزر! والإدعاء، ضمن نفس المنوال، أنه لم يقضِ على الدولة الفاطمية ولم يدمّر المكتبات الخاصة بها.
هي ليست مباراةً في ملعب التاريخ ليجتزئ من يريد أن يدلّس على الآخر أجزاء من التاريخ ويبني عليها ما يرمي إليه، ليس من أجل تثبيت الحقائق، بل على نسق «ولا تقربوا الصلاة»، دون أن يكمل الآية حتى يعرف الحقيقة كاملةً.
فالتاريخ لا يتغيّر برأي طائفي ولو نُشر لفترةٍ من الزمن، إنما الوثائق والشواهد هي من تقول كلمتها الفصل. وهنا لا نقف حتى مع القوى الوطنية إن حاولت فعل ذلك؛ ولا أظنها، لأنها، كما أعتقد من خلال أدبياتها وخطاباتها المعلنة، تعلم بأن قضية الأزمة لدينا لا تسير في هذا المنحى، بل القضية الأهم في الأجندة الوطنية لكل بحريني تتمحور في من هو المواطن الصالح الذي يعشق تراب وطنه الساكن أرضه اليوم لدرجة الشهادة من أجله ومن أجل قضاياه العادلة، ومن هو المواطن خلاف ذلك.
وليس من الحصافة في الكتابة، لدعم أي رأي في تاريخ الجزر، تجميع عدة أسماء مثل (العبدي البحراني الكوفي، والقاضي أبو الفضل البحراني البصري، والشاعر ابن المقرب العيوني)، وغيرهم وتلبيسهم نفس رداء صعصة بن صوحان العبدي مذهبياً، أو الوقوف أمام أحد الذين شَرَحوا ديوان شعر ابن المقرب والحديث عنه بذات النَفَس! فما يضير أن يكون شَارح الديوان من غير مذهب صاحب الديوان؟ ما هو الإشكال في ذلك؟ إنه يشرح عملاً أدبياً وليس رسالةً فقهية!
ثم ما الذي يزعج أيّ باحث أو كاتب في التاريخ أن يعرف بوجود 360 قرية في جزر البحرين زمن ابن ماجد أو ابن المجاور اليمني، إذا كانت وثيقة حديثة وبتوقيع حاكم البلاد في الثلاثينيات من القرن العشرين (1936) تقر بوجود 200 قرية في البحرين، وهو ما تم نشره في هذه الصحيفة، بزاوية «وثيقة»، أم هذه سيتم تكذيبها وطمسها أيضاً؟
أما ما تحاوله أقلام البعض من تزييف تاريخ البحرين في الفترة البرتغالية، فحدّث بلا حرج عن أخطاء ملأت صحائف مشحونةً بالقطران، لنا معها وقفة أخرى.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4182 - الإثنين 17 فبراير 2014م الموافق 17 ربيع الثاني 1435هـ
محمد
يعني خلاص منعتون الجدب ؟ اشلون السياسييين والنواب ايعيشون ما نظرتون ليهم بشيء من الانسانية ؟
واستغفر الله لي ولكم ايها المواطنون
شكرا أستاذنا الفاضل
نشكرك أستاذنا على هذا المقال الرائع والمتضمن لحقائق يتقصد المتمصلحون بطمسها، ولكن كما تفضلت استاذنا فالجرف سحيق والانحدار مميت
كل شيء يحل في داخله نقيضه
كل شيء يحل في داخله نقيضه: الانحدار نحو الهاوية. الحقيقة تتأخر لكنها تظهر اكثر من ذي قبل- والشواهد والآثار على أرض الجزر لا تقبل التأويل ولا التبديل
اين القضاء النزيه
لو كنا في دوله المؤسسات والقانون , لقدم وزير العدل للمحاكمه هو و وزيرة الصحه البلوشيه لكذبهم علنا وتبليهم على الكادر الطبي
آسف
آسف هذا التعليق كان من المفروض ان يكون لعمود الاخت الفاضله بنت الشروقي
شكرا
شكرا استاذنا الفاضل على هذة المعلومات وللذين يحاولون تشويه التاريخ نقول لهم كما قالت زينب عليها السلام للطاغيه يزيد ...كد كيد واسعى سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا
حق عودة البحارنة المهاجرين و المهجرين اجدادهم بالعودة
الاحصاء التقديري وجود نصف مليون من اصول بحرانية هاجر اجدادهم و تركوا مبان و مزارع خوفا على انفسهم و اعراضهم من حروب تشن على الجزيرة و هل هؤلاء لو فكروا بالرجوع تمنحهم الشرعة الدولية الحق