لا يدّعي هذا المقال أنه يقدّم إضاءة كبيرة في علاقة الإعلام بالظاهرة السياسية الإسلامية، لا لضيق المجال فقط، وإنّما أساساً لصعوبة السيطرة على المنشور إعلامياً في هذا الشأن، فضلاً عن متاهات المفهوم من مصطلح الإسلام السياسيّ. لذلك يكتفي هذا المقال بالبحث في بعض أسباب هذا الاهتمام ومظاهره، وحسبه في ذلك أن ينبّه الباحثين المختصين إلى أهميّة مزيد الخوض بعمق في هذه العلاقة.
يرمق العالم أجمع الظاهرة الإسلامية، في بعدها السياسيّ عموماً والجهاديّ خصوصاً، بعين التوجّس والحذر، ولربّما الاتهام، بل ويصفها البعض بصفات التطرف والإرهاب. ولعلّ العديد من الدول العربية قبل الأوروبية لاتزال في قلب العاصفة في هذه المرحلة الزمنية الاستثنائية التي يمور فيها الداخل الإسلاميّ موراً بعددٍ من التقلبات أفرزت أسئلة وموضوعات على غاية الأهمية والسخونة والتأثير، وهو ما أسال حبراً مديداً وقولاً كثيراً في وسائل الإعلام التقليدية، ومقاطع فيديو غريبة لا تمتّ إلى الإسلام بصلة في وسائل الإعلام الالكترونية وما تتوفر عليه من مواقع تواصل اجتماعيّة يدخلها الصغير قبل الكبير. لكن ما أسباب الاهتمام إعلامياً بالظاهرة الإسلامية السياسية عموماً والجهادية خصوصاً؟ وما مظاهر ذلك؟ وهل حقّق هذا الاهتمام انتظارات عامّة الناس وأصحاب القرار؟
لئن لم يكن من الممكن الحكم على عمق تفكير المثقف أو المحلل أو الإعلامي البارز في ستينيات القرن الماضي دون النظر في مدى معرفته بالماركسية فلسفةً وإيديولوجيا سياسية، فإنه يصعب اليوم، الحكم عليه بغضّ النظر عن مدى إلمامه بالظاهرة الإسلامية كواقع فرض نفسه، لا في الحياة الاجتماعية والدينية فقط، وإنّما أيضاً كظاهرة سياسية حقّقت مكاسب بقدر ما دوّنت في سجلها إخفاقات وانكسارات تكاد تذهب بألقها.
ومن الطبيعي أن يصحب هذه الموجة اهتمام إعلاميّ وفنيّ خصوصاً بالنظر إلى معطيات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية بل وأمنية أيضاً؛ من ذلك على سبيل الذكر لا الحصر قرار حظر تصدير النفط العربي للغرب سنة 1973؛ إضافةً إلى الثورة الإيرانية 1978/1979 التي تزامنت مع ما يعرف بالصحوة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي من 1975 إلى 1985؛ كما مثلت ظاهرة المجاهدين الأفغان والحرب ضد الاتحاد السوفياتي 1980 دافعاً للاهتمام المتزايد بهذه الظاهرة الوليدة. وطيلة عقدين من الزمن، أي منذ اغتيال أنور السادات 1981 حتى أحداث سبتمبر 2001، صار الحضور السياسيّ الإسلامي في المشهد السياسي الدوليّ بارزاً، حيث تبنت العديد من الحركات الإسلامية الإسلام كمشروع سياسيّ تغييريّ شامل، خصوصاً أنّ هذه الحركات وظّفت الإسلام بما فيه من قيم روحانية وأخروية لتعبئة عموم الجماهير وتوظيف بعضهم للقيام بعمليات ضدّ مصالح غربية أو حتى عربية. عمليات توصف بأنها استشهادية لدى معتنقي هذا النهج في التغيير، وتوصف بأنها انتحارية إرهابية عند المتضررين المباشرين خصوصاً وعموم الناس.
لهذه الأسباب وغيرها، كان لابد من وضع الظاهرة الإسلامية تحت المجهر بحثاً وتمحيصاً، ومن الناحية الإعلامية صار الخبر الأكثر إثارةً هو الذي تصنعه التنظيمات الإسلامية وخصوصاً ما يُوصف بالإرهابية منها.
وقد تنوّعت مظاهر الاهتمام ومنطلقاته؛ فلئن كان المثقف والإعلامي الغربي قد استبق نظيره العربي في الاهتمام بالظاهرة الإسلامية السياسية والجهادية منها على وجه الخصوص، فإنّ مدى العمق وكيفية التعامل قد اختلفت حيث تعامل المثقف الغربي معها على أنها تهديدٌ واضحٌ وصريحٌ قد يقف أمام تحكمّه الحضاري والعسكريّ في العالم. أمّا في العالم العربي والإسلاميّ فقد تحوّل الاهتمام بالإسلام السياسيّ وتعبيراته المتطرفة خصوصاً، إلى سلعة إعلامية رائجة ودون سابق إعلام، حيث برز في الإعلام مع تعدد القنوات التلفزية الإخبارية، «محللون» و«باحثون» مختصّون في الإسلام السياسي وآخرون مختصون في الإسلام الجهادي، وغيرهم خبراء في شأن الجماعات الإسلامية، فتراهم يركضون من قناةٍ إلى أخرى أو تركض وراءهم القنوات التلفزية وفق ما تفرضه سوق العرض والطلب، ما جعل البعض يشكّك في غايات رواج البحث في الظاهرة الإسلامية السياسية والجهادية على وجه الخصوص، ويعتبرها مجرد تلبية لطلبات السوق الإعلامية. وفي هذا الخضمّ الهادر من التحاليل وفي زحمة هذه القنوات تكاد تضيع جهود الباحثين الجادّين في الموضوع.
ولسائل أن يسأل: إلى أي مدى استفاد القارئ والمستمع والمشاهد في العالمين العربي والإسلامي، من هذا الزخم الإعلامي حول الظاهرة الإسلامية السياسية والجهادية تحديداً؟ إلى أي مدى استطاع أن يكوّن خلفيّةً واضحةً تمكّنه من التعامل الناضج النقدي مع الظاهرة؟
قد لا تبدو الإجابة بسيطةً، بل قد يكون التسرّع في الإجابة عن مثل هذه الأسئلة هو البساطة والسذاجة. ولكنّ الثابت أنّ الظاهرة الإسلامية السياسيّة بمختلف تمظهراتها تتصدّر الواجهة اليوم، لذلك فإنّ بحوثاً عميقةً ومختصّةً لابدّ أن تُنجَز وتُنشَر نتائجها حتى ترفد أصحاب القرار بالرأي السديد وعامة الشعب بالفهم الرشيد.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4182 - الإثنين 17 فبراير 2014م الموافق 17 ربيع الثاني 1435هـ
سؤال منطقي
ولسائل أن يسأل: إلى أي مدى استفاد القارئ والمستمع والمشاهد في العالمين العربي والإسلامي، من هذا الزخم الإعلامي حول الظاهرة الإسلامية السياسية والجهادية تحديداً؟ إلى أي مدى استطاع أن يكوّن خلفيّةً واضحةً تمكّنه من التعامل الناضج النقدي مع الظاهرة؟
والله صح
أمّا في العالم العربي والإسلاميّ فقد تحوّل الاهتمام بالإسلام السياسيّ وتعبيراته المتطرفة خصوصاً، إلى سلعة إعلامية رائجة ودون سابق إعلام، حيث برز في الإعلام مع تعدد القنوات التلفزية الإخبارية، «محللون» و«باحثون» مختصّون في الإسلام السياسي وآخرون مختصون في الإسلام الجهادي، وغيرهم خبراء في شأن الجماعات الإسلامية، فتراهم يركضون من قناةٍ إلى أخرى أو تركض وراءهم القنوات التلفزية وفق ما تفرضه سوق العرض والطلب،