محمود جبريل، هو رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الوطني الانتقالي الليبي بين مارس/ آذار ونوفمبر/ تشرين الثاني 2011. طوال أيام، تحدث الرجل لصحيفة «الحياة» اللندنية، بمزيجٍ من التوثيق التاريخي خلال فترة الصراع ضد نظام معمر القذافي وعلاقتهم كمعارضة بالخارج وبين الرؤية الفكرية والسياسية، التي دلَّت على ما يتمتع به الرجل من دراية وقدرة على التنظير.
إن ما تحدث به جبريل يجب أن يقرأه الجميع لأهميته. ولأن مجموع كلمات الحوار وصلت إلى حدود العشرين ألف كلمة، فإنني سأتجاوز الكثير من القول لأقف على ما أعتقد أنه مهم ومحل فائدة بالنسبة لنا كعرب خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة.
أولاً: كانت لدى جبريل رؤية تشخيصية لظروف الدول وطريقة عمل الأنظمة المتخلفة. هو يعتقد أن بلاده ليبيا خلال حقبة القذافي، كانت تُشكِّلها ثلاث دوائر. الأولى هي «الدائرة الأمنية»، والثانية هي «دائرة الآيدولوجيا»، ودائرة ثالثة هُلامية تحاول أن تتشكّل، مرةً يسمّونها دائرة الإصلاح ومرةً يسمونها دائرة التنمية، ولكن لا ملامح لها ولا هوية».
وكان يرى بأن الدائرتين الأولى والثانية، تربطهما «علاقة عضوية أبدية» وتبادليَّة كلٌ تخدم الأخرى. لكن هاتين الدائرتين (الأولى والثانية) تحالفتا ضد الدائرة الثالثة، وهي التنمية، «بينما الأمن الجديد في المنطقة لن يتأتَّى إلاَّ من خلال التنمية، ولن تكتسب الآيدولوجيا صِدقية إلاَّ لو كانت هنالك تنمية حقيقية على الأرض». لكنه أيضاً كان يعتقد بأن التنمية تحتاج إلى رؤية ورجل حُكْم، وكان يُعلِّق في ذلك على دور سيف الإسلام القذافي.
فسيف كما يراه جبريل كان «شخصاً مذبذباً»، وكان يُشبِّهه بـ «مَنْ يتسوّق من واجهات المحال المغلقة في شوارع أوروبا، يرى المعروضات ويُعجب بها ويختار ما يريد منها ولكنه لا يشتري شيئاً». كان سيف الإسلام يُقدِّم نفسه على أنه مصلحٌ في نظام أبيه، لكنه كان عاجزاً عن فعل شيء. وربما كانت تلك خطة القذافي أن يجعله هكذا فـ «أينما تمطر فخراجها لي». لذا، ظلَّ سيف الإسلام شخصية مُحنَّطة وسط نظام مُجوَّفٍ وبالٍ.
ثانياً: وهي تتعلق بمسألة الفساد وقلة التجربة في السلطة. فقد كانت الاستثمارات الليبية في الخارج 168 مليار دولار حتى نوفمبر 2011. وكانت حكومة الكيب لديها 68 مليار دولار. وعندما جاءت حكومة زيدان كان لديها 88 مليار دولار. وكانت هذه المبالغ في نظر جبريل «نهباً لأموال الشعب الليبي». هو يعتقد بأنه وخلال حكم القذافي، وطبقاً لخبراء البنك الدولي فإن «القدرة الاستيعابية» لاقتصاد ليبيا «لا تتجاوز أربعين مليار».
كان جبريل يؤمن بأن «هناك معادلة معروفة، فحواها أن الإنفاق العام يُفترَض ألاّ يتجاوز 17 إلى 23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة». لذا، فهو كان يعتقد بأن ليبيا يكفيها 24 مليار دولار سنوياً ولمدة عشرين عاماً، طبقاً لناتجها الإجمالي البالغ مئة مليار دولار سنوياً، «وما يزيد على ذلك يكون في شكل استثمارات خارجية واستثمارات القطاع الخاص». عند هذه النقطة، ينشأ الفساد وسوء التخطيط، الذي عادةً ما تقع فيه الدول.
ثالثاً: تحدث جبريل بعمق شديد عن مفهوم الربيع العربي، وبهامش تفكير بعيد، وَصَلَه إلى أمرين أساسيين: اقتصادي وثقافي. هو يرى أن هذا الربيع «نشأ كرد فعل لبوادر بزوغ نسق قيَم جديدة في المنطقة، مرتبط بالظاهرة الكونية التي سُميت بالعولمة» التي أنهَت «سوق الأوراق المالية في وول ستريت، فكشفت أن البنية المتولدة عن عصر الصناعة لم تعد صالحةً للتعامل مع العصر الجديد الذي أساسه السرعة والتغير المعرفي المتسارع».
لقد أولَد لنا «التحالف ما بين رأس المال والتكنولوجيا، ما يُعرف بالاقتصاد الفائق الرمزية الذي يعتمد على سرعة دوران الأموال والبورصة والسندات ما بين الأسواق المالية». وبدأت الاستفادة من فروقات أسواق المال «دون تدخل البنوك». لقد أنتَجَ ذلك تحول «الاستثمار من مالٍ يخلق مزيداً من الإنتاج إلى مالٍ يخلق المزيد من المال من دون أن يُترجَم ذلك في إنتاج حقيقي»، وهو ما يعني زيادة في حالات الفقر بين الناس وسط تزايد عدد السكان.
وفي الشق الثقافي يرى جبريل أن جوهر العولمة القائم على «الترابط والتواصل عبر الحدود بين الأجيال المختلفة» قد شكَّل «نسقاً قيمياً جديداً في منطقتنا العربية»، الأمر الذي قلَّلَ من «تأثير الأسرة في تربية أبنائها»، وقلَّل من «تأثير المدرِّس في خلق نسَق القيم»، وكذلك المسجد أمام تأثير الانترنت «فبات الفرد مرتبطاً أكثر بالآخر، أكثر من ارتباطه بالداخل». هذا كله أدى إلى انكسار «عقدة الخوف»، وظهور «قيمة المبادرة» و»الاقتحام» و»المخاطرة».
رابعاً: يعتقد محمود جبريل بأن هناك رؤية غربية لصورة الجيوش في العالم العربي، وعلاقة ذلك بالأمن الإسرائيلي. فهو يعتقد، بأن تفكيك الجيش العراقي، وإنهاك الجيش السوري، وقتال حزب الله «الصعب» في سورية، ثم الرغبة في تفكيك الجيش المصري، هو يأتي في سياق صياغة منظومة أمنية يريدها الغرب، توفر لـ «إسرائيل» أمناً صلباً بحيث لا توجد قوة عربية قادرة على مواجهة «إسرائيل» بعد الحالة التي وصل إليها هذا الأمن من «السلام شبه المطلق». لذا فـ «الأمن الإسرائيلي أصبح في أفضل حالاته منذ 1948».
وعندما يعكس تلك الرؤية على الحالة الليبية، فإنه يعتقد بأن اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، الذي كان وزيراً لداخلية القذافي قبل أن ينشق عنه وينضم للمعارضة الليبية، ويقود القتال ضده، سببه محاولة يونس «تأسيس جيش ليبي جديد». وكان حلمه أن لا تدخل المعارضة الليبية طرابلس إلاَّ ولديها «جيش نظامي». فـ «إقامة جيوش جدية في المنطقة تتعارض مع برنامج الفوضى»، وربما هذا الرأي هو الأقرب للمنطق.
باعتقادي، أن ما تحدَّث به محمود جبريل من حقائق وتفسيرات يبقى غايةً في الأهمية. فأمراضنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية كثيرة وكبيرة، ونحتاج إلى مَنْ يُنبّهنا إليها بطريقة مختلفة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4181 - الأحد 16 فبراير 2014م الموافق 16 ربيع الثاني 1435هـ
شكرا شكرا
مقالاتك تستحق القراءة
مافهمت
ما فهمت شي من المكتوب!!
الهدف الأساسي هو هذا :
يعتقد محمود جبريل بأن هناك رؤية غربية لصورة الجيوش في العالم العربي، وعلاقة ذلك بالأمن الإسرائيلي. فهو يعتقد، بأن تفكيك الجيش العراقي، وإنهاك الجيش السوري، وقتال حزب الله «الصعب» في سورية، ثم الرغبة في تفكيك الجيش المصري، هو يأتي في سياق صياغة منظومة أمنية يريدها الغرب، توفر لـ «إسرائيل» أمناً صلباً بحيث لا توجد قوة عربية قادرة على مواجهة «إسرائيل» بعد الحالة التي وصل إليها هذا الأمن من «السلام شبه المطلق». لذا فـ «الأمن الإسرائيلي أصبح في أفضل حالاته منذ 1948»
صباح جميل لك يا استادى
والله كنت اتمنى ليبيا بوجود الكلونيل معمر القدافى وعلى وحشيه النظام ولا القاعده السلفيه التكفيريه الهمجيه التى اغتصبت من النساء وقتلت من الشعب الليبى اكثر ما قام به القدافى الله يلعن الدى كان السبب فى تدمير كل البلدان العربيه
تحياتي الصباحية
مقال مفيد . تابعت جزء من حلقات جبريل وكانت بحق ذات فائدة كبيرة خصوصا فيما يتعلق بعلاقات بعض الدول بالثورة الليبية