قال رئيس مجلس إدارة جمعية البحرين للبيئة شبر إبراهيم الوداعي، إن «حل مشكلة النفايات في البحرين يتحقق باعتماد نظام إجرائي وقانوني مؤسس وممنهج للإدارة والرقابة، وكذلك تبني برنامج منهجي لتوعية وتعليم المجتمع المحلي طرق التقليل والتخلص من النفايات وإلزام القطاع الصناعي والإنتاجي في استخدام المنهج الإداري والفني السليم للحد والتخلص من النفايات». وأفاد الوداعي بأن «مشروع إنشاء مصنع لتدوير النفايات عبر حرقها ليس ذا جدوى نسبية، وأنه تتوافر 6 طرق بديلة مختلفة اعتمدتها الدول المجاورة للتقليل من حجم النفايات».
وأجرت «الوسط» لقاءً مع رئيس مجلس إدارة جمعية البحرين للبيئة شبر إبراهيم الوداعي، حول النفايات في مملكة البحرين والآليات المطروحة لإدارتها في إطار التحذيرات الرسمية من مقاربة مكب النفايات في منطقة عسكر بلوغ طاقته الاستيعابية النهائية في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة، وفيما يلي نص اللقاء:
تصاعدت وتيرة الاهتمام الرسمي وكذلك البلدي والبيئي بموضوع إنشاء مصنع لتدوير النفايات في مملكة البحرين بالمنطقة الجنوبية يستخدم تقنية الحرق، كيف تجدون هذا المشروع وتقيمونه؟
- الاهتمام الرسمي بمشكلة النفايات أمر طبيعي للحد من زيادة تراكمها وإيجاد بديل علمي وآمن للتخلص منها دون أن يكون لذلك أثره على صحة الإنسان وأمنه البيئي، وتشكل المخاوف المؤكدة علمياً من إمكانية أن يؤدي استخدام طريقة حرق النفايات إلى أضرار صحية وبيئية؛ السبب الرئيس لقرار المجلس الأعلى للبيئة في عدم الموافقة على إنشاء مصنع لتدوير النفايات في مملكة البحرين بالمنطقة الجنوبية يستخدم تقنية الحرق، وذلك ما نجده قراراً وجيهاً يؤكد المسئولية الوطنية العالية والأمانة العلمية في معالجة المشكلة انطلاقاً من المصلحة الوطنية وصون حقوق المواطن الصحية والبيئية، ويفتح ذلك القرار الطريق إلى دراسة متمعنة ومعالجة دقيقة ومؤسسة علمياً للموضوع والبحث عن حلول ومخارج أكثر أمناً وجودة، واعتماد حلول جذرية للتخلص من مشكلة النفايات الآخذة في الزيادة وبوتيرة عالية.
من المعروف أن عملية التخلص من النفايات عن طريق الحرق وسيلة أثبتت عدم جدواها صحياً وبيئياً، لذلك أخذ العديد من الدول في وقف عملية الحرق للتخلص من النفايات والتفكير في ابتكار مناهج حديثة أكثر جودة وفائدة تحقق الجدوى الصحية والاقتصادية والبيئية.
الموقف من عملية حرق النفايات ليس جديداً حيث إن الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للبيئة عادل خليفة الزياني؛ أكد في تصريح نشر له في صحيفة «الوسط» ضمن العدد رقم 3460 بيوم الإثنين (27 فبراير/ شباط 2013) مفاده أن «أعمال حرق الحاويات والمواد المطاطية كالإطارات لها أضرار كبيرة على صحة القاطنين والسكان في مواقع الحرق، وأن انبعاث الأدخنة الناتجة من الحرق تحتوي على العديد من الغازات السامة كأول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت، كما تحتوي على جسيمات هيدروكربونية متناهية الصغر تؤدي إلى أمراض الربو والالتهابات الرئوية، بالإضافة إلى غازات الدايوكسين والفيرون التي تنبعث عند احتراق المطاط والمواد البلاستيكية في العراء، والتي تؤدي إلى أمراض القلب وزيادة في معدلات السرطان». وبالاتساق مع تلك الرؤية جرى اتخاذ موقف واضح من مشروع مصنع تدوير النفايات الذي كان يجري العمل على إقرار خطة إنشائه في المنطقة الجنوبية.
وفي حقيقة الأمر، ليس هناك خلاف بين الباحثين على أن ظاهرة حرق النفايات تؤدي إلى التسبب في حدوث أضرار صحية، وبيئية واقتصادية أيضاً، وتشير الأبحاث إلى وجود علاقة بين السكن قرب منطقة حرق النفايات وبين التأثيرات الصحية على المجتمع المحلي، وتتمحور تلك التأثيرات في سرطان الأطفال والكبار على حد سواء، وأمراض في جهاز التنفس والقلب، والتأثير على جهاز المناعة، وازدياد حالات الحساسية وعاهات الولادة، وذلك بسبب تناثر المواد السامة في الهواء عند الحرق وتتمثل تلك المواد في الرماد المتطاير، والرماد المنخفض والديوكسين، وتزداد تلك التأثيرات عند التواجد قرب موقع حرق النفايات، كما أن عملية حرق النفايات تتسبب في حدوث الأضرار البيئية، فحرق النفايات يؤدي إلى تلوث الهواء، والأرض والمياه ويضر بالحيوان والنبات، وعلى المدى البعيد، تتسبب الحرائق في ارتفاع ظاهرة الاحتباس الحراري.
إذاً ما هو المصنع أو الفكرة البديلة المطروحة على صعيد تدوير النفايات في حال أيدتم فكرة رفض مشروع التدوير المقرر إنشاؤه كما هو واضح أعلاه؟
- التخلص من النفايات معضلة متداخلة في مكوناتها وحيثياتها وهي في حاجة إلى قراء مؤسسة، وفق دراسة علمية تضع المخارج العملية في إقامة المشروع الأنسب المتوافق مع طبيعة واحتياجات البحرين، وبالتالي الموضوع لا يمكن معالجته ضمن مقابلة صحفية أو حديث عابر، بل هو في حاجة إلى تعاون مشترك بين مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة في بحث الاتجاهات العملية والمفيدة في عملية التخلص من النفايات بطريقة سليمة، وفي إطار الجهود للبحث عن مخارج للحد من ظاهرة تزايد معدلات حجم النفايات من الطبيعي دراسة التجارب الأخرى ذات الجدوى لواقع بلادنا، ومن المعروف أن هناك طرقاً مختلفة اعتمدتها الدول المجاورة للتقليل من حجم النفايات نذكر منها على سبيل المثال، طريق الطمر الصحي، التخلص من النفايات بواسطة الكبس في بالات ثم طمرها، تحويل النفايات إلى محسنات تربة، تدوير النفايات والحصول على المواد الخام منها، استخدام النفايات في توليد الطاقة، إعادة تدوير النفايات واستخدامها في مشاريع مفيدة اقتصادياً واجتماعياً.
وينبغي هنا التشديد على أن حل مشكلة النفايات لا يتحقق وفق بناء مشروع للتخلص من النفايات وحسب، بل هو في حاجة إلى اعتماد نظام إجرائي وقانوني مؤسس وممنهج للإدارة والرقابة، وكذلك تبني برنامج منهجي لتوعية وتعليم المجتمع المحلي طرق التقليل والتخلص من النفايات وإلزام القطاع الصناعي والإنتاجي في استخدام المنهج الإداري والفني السليم للحد والتخلص من النفايات.
الكثير من البيئيين وكذلك المراقبين يعوِّلون على تغيير سلوك المواطنين لتقليص حجم النفايات التي نحتاج إلى إعادة تدويرها للتخلص منها، والبعض يرى هذا شبه استحالة وتحتاج لوقت طويل، هل هذا الكلام صحيح؟ وهل بالإمكان فعلاً تغيير السلوك نحو الإيجابية؟
- التوعية ونشر ثقافة السلوك البيئي السليم منهج مهم في منظومة الحلول البيئية وليس هناك مستحيل في بناء ثقافة الإنسان وتعليمه السلوك الصحيح في العلاقة مع محيطه البيئي، الأمر هو في حاجة إلى إدارة منظمة وموجه لإدارة إنتاج خطط ومناهج للتوعية والتعليم البيئي وفق خطة مدروسة ترتكز على أهداف مؤسسة تحدد طبيعة الفئات المستهدفة وكيفية الوصول إليها وبناء ثقافتها وسلوكها البيئي السليم. ويجري الحرص على تبين المناهج المناسبة الميسرة في الوصول إلى المتلقي التي يمكن من خلالها توجيه رسائل ترتكز على مدخلات منظومة القيم الدينية والاجتماعية والتربوية، والعمل على بناء شراكة مع مختلف القطاعات وخصوصاً منها القطاع التربوي والتعليمي والقطاع الإعلامي للاستفادة منها في إنجاز نشر مناهج ثقافة التقليل والتخلص من النفايات، إلى جانب اعتماد منهج التوحد القطاعي في العمل كمنج مجرب وأكد جدواه البيئية في العمل البيئي، وهو منهج مفيد لبناء الشراكة في العمل البيئي وتعزيز قيم المسئولية المشتركة في إنجاز الأهداف الاستراتيجية للتخلص من النفايات، ذلك منهج جرى اعتماده في إمارة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة حين كنت رئيساً لإدارة التوعية والتثقيف البيئي وأميناً تنفيذياً للجنة التوعية والتثقيف البيئي هناك، حيث أمكن بفعله توحيد العمل المؤسسي البيئي وجعل قضايا البيئة محور رئيس في منظومة العمل المؤسسي في الدوائر الحكومية في الشارقة، ومحور في خطط المدارس التربوية والتوعوية في المجال البيئي.
في حال تحقق فعلاً تغيير في سلوك المواطنين بشأن إدارة النفايات وتقليص استخدامها، هل سيغنينا ذلك حقاً عن مشروع مصنع لإعادة التدوير؟
- إذا تمكنا من نشر ثقافة تقنين إنتاج النفايات والتقليل منها وتنمية الوعي الاجتماعي بالطرق السليمة للتخلص منها؛ نكون حققنا إنجازاً كبيراً وحللنا جزءاً مهماً من معضلة تزايد حجم النفايات، بيد أن ذلك لا يغنينا عن إنشاء مشروع متخصص في إعادة تدوير النفايات والتخلص منها.
البعض يربط ضرورة تواجد المشكلة واستمرارها نظراً لضيق المساحة في البحرين، ما هي حقيقة المشكلة تشعب بعض وجهات النظر؟
- إذا كنا جادين في البحث عن حلول ينبغي ألا نسلك طريق تعظيم واقع الحدث، وينبغي أيضاً إدراك حقيقة أن البحث العاقل يوجد مخارج عاقلة، وأجزم أننا جميعاً نسعى إلى سلوك منهج للمعالجة العاقلة لقضية النفايات التي تشكل أحد القضايا البيئية، والتي هي في مقدمة أجندة المشروع الدولي البيئي، وعلينا إدراك حقيقة أن قضية النفايات في بلادنا ليس مشكلة مستعصية مقارنة مع الدول الأخرى التي تعاني من النفايات المتداخلة في مكوناته والتي بالفعل تشكل مشكلة.
هل ترون أن التشريعات والقوانين والأنظمة كفيلة بإيجاد حل لهذه المشكلة؟
- التقليل من حجم النفايات ومناهج الحد من تزايد مستوياتها معادلة ضمن منظومة متداخلة سبق الإشارة إليها، ويدخل في سياقها القانون والإدارة الفنية والرقابة وإستراتيجية العمل للتوعية بطرق التقليل والتخلص منها.
كيف تعلقون على دور المجلس الأعلى للبيئة على هذا الصعيد، ولاسيما أنه رفض فكرة المشروع لانتفاء الضمانات البيئية؟
- المجلس الأعلى للبيئة يشكل محوراً رئيسياً في إدارة وتنظيم آليات العمل البيئي والرقابة على عملية التخلص من النفايات، وهو مصدر التشريع وبناء مؤسسات الحلول، وبدونه لا يمكن الحديث عن حلول ممكنة.
البعض يقول إن الحكومة لم تعِ فعلاً مخاطر مصنع تدوير النفايات، وأن الشركات المطورة لمثل هذه المشروعات دائماً ما تقدم الإيجابيات وتصور السلبيات بأنها قابلة للمعالجة؟ أين الخلل؟ وهل الحكومة فعلاً لديها قصور في هذا الجانب؟
- هذا القول كثر الحديث عنه، وأنا كمختص ولدي خبرة طويلة في هذا المجال وجدت من مسئولياتي أن أعلق على أحد الإخوة الذي تعرفت عليه مؤخراً برفض ما طرحه من مرئيات، وأكدت له أن ليس كل ما يقال يقارب الحقيقة، والدول تبذل جهدها وتقرّ المشروعات، لكن يحدث ما لا في الحسبان يحول دون إنجاز المشروع البيئي.
كما أن القول بعدم وعي الحكومة بمخاطر مصنع تدوير النفايات قول غير مؤسس، وعلى من يقول ذلك أن يدرك أن المجلس الأعلى للبيئة من وجهة نظر القانون البيئي يمثل السلطة البيئية المختصة، وهو المرآة التي من خلالها تعكس خطط ومرئيات الحكومة، والمجلس قال رأيه المفصلي في شأن مشروع مصنع النفايات، وذلك يجسد مدى بعد الرؤية الحكومية في هكذا مشروعات، ويدحض الرأي القائل بوجود قصور في موقف الحكومة في هذا الشأن.
وفيما يخص ما جرى الإشارة إليه بشأن موقف الشركات في تقديم الإيجابيات وتصوير السلبيات بأنها قابلة للمعالجة، فذلك منهج تتبعه جميع الشركات في تسويق منتجها، بيد أن الأهم والعبرة فيما ينبغي اتخاذه من موقف وقرار بشأن اعتماد السلعة المطروحة من عدمه، والأمر في هذا السياق جرى حسمه دون الأخذ بما حددته الشركة المعنية بإقامة المشروع من مواصفات وتخمينات.
بعض المسئولين في وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني باعتبارها المسئولة عن هذه المشكلة لديهم نوعاً من الإحباط بشأن تغيير السلوك لدى المواطنين ويعتبرونها مشكلة عقيمة، كيف تعلقون؟
- ليس هناك ما يؤكد ذلك الرأي، والموقف وخير دليل على ذلك ممّا عملت على تنفيذه البلديات والمجالس البلدية من مشروعات بشأن التوعية في كيفية التخلص من النفايات، وذلك ما بدا واضحاً في مشروعات التوعية البيئية في موسم عاشوراء الأخير إضافة إلى البرامج المتواترة الأخرى.
في ظل كل هذه الإشكاليات المثارة حول النفايات، بين من يقول ضرورة إيجاد مخرج للمشكلة بسبب امتلاء مكب النفايات في عسكر، وبين من يقول لا يجب إنشاء مصنع للتدوير، ما هو الحل إذاً؟
- الرأي القائل بألا يجب إنشاء مصنع لتدوير النفايات ذلك رأي غير واعٍ لطبيعة أبعاد المشكلة الصحية والبيئية. ومن وجة النظر الصحية والبيئية؛ الحل يكمن في ضرورة إيجاد بديل علمي يسهم في إيجاد مخارج عملية لإعادة تدوير النفايات والاستفادة منها في مشروعات اقتصادية واجتماعية مربحة وذات جدوى.
العدد 4181 - الأحد 16 فبراير 2014م الموافق 16 ربيع الثاني 1435هـ
مشكلة النفايات
النفايات بالفعل هي مشكلة وتحتاج الى حل