العدد 4179 - الجمعة 14 فبراير 2014م الموافق 14 ربيع الثاني 1435هـ

موقف

ذات وهلة توجهت مع صديقي إلى إحدى المكتبات المرموقة. ركنت السيارة في الموقف العمومي وكان مكتظّاً بالسيارات. تمشينا إلى المكتبة وتجولنا في دهاليزها واقتنينا بعض الكتب ثم عدنا أدراجنا إلى السيارة. فوجئنا بسيارتين تحاصران سيارتنا، واحدة من الأمام والأخرى من الخلف. اشتعلت غضباً واستنكرت هذا التصرف المستهتر.

كان هناك رجل عجوز واقفاً وهو يتصبب عرقاً. كان هادئاً وردَّ ببرود: أنا أيضاً لا أستطيع تحريك سيارتي. لا تغضب فكلها دقائق ويأتي أحد السائقين. ربما ذهبا إلى السوبرماركت القريب ولن يتأخرا. لم يرق لي كلامه فقلت لصديقي: هيا ندفع السيارة الأمامية. وفعلاً بادرنا بدفعها لكنها لم تتزحزح. والشيء نفسه فعلنا مع السيارة الخلفية من دون أي جدوى.

انتظرنا قليلاً خارج السيارة ثم دخلنا السيارة وواصلنا الانتظار لحوالي عشر دقائق دون أن يأتي الفرج. طرأت لي فكرة ونفذتها في الحال، قمت بتصوير السيارتين بالهاتف النقّال وهما في الوضع المعيق لسيارتي تحسباً لأي طارئ. فلربما تتطور الأمور ونطلب من شرطة المرور أن تتدخل في الموضوع أو ربما ينكر السائقان أو أحدهما فعلته هذه. صاحبي أيضاً كان في عجلة من أمره وزوجته تنتظره على العشاء بفارغ الصبر وفي كل خمس دقائق تتصل وتستعجله.

عدت إلى سيارتي ورحت أتسلى بسماع الراديو وتصفح رسائل الهاتف وأنا أغلي من الداخل. بعد نصف ساعة تقريباً أشار إليّ صديقي بأن أحد السائقين قد جاء، فترجلت من السيارة بسرعة وكان السائق يهم بالانطلاق دون أي اعتبار لما فعل. ضربت زجاج نافذته بقوة ففتحها وقلت له: لماذا سددت علينا الطريق؟ لقد منعتنا من الخروج وعطّلتنا. لم يتفوه الرجل الذي يبدو على ملامحه أنه آسيوي بأية كلمة فبادرت بالكلام: أنت أجنبي ويجب أن تكون قدوة للناس في احترام النظام والقوانين وعدم مخالفتها. يجب على الأقل أن تقول آسف وتعتذر عن فعلتك. فتمتم باللغة الإنجليزية وبصوت خفيف: أنا آسف لكن عندما وقفت وراءك لم تكن هناك سيارة واقفة أمامك وكنت تستطيع التحرّك. ازددت حنقاً وصرخت عليه: لا أريد مبررات. انصرف بسرعة وإلا طلبت الشرطة.

ركبت السيارة وكنت لا أزال غاضباً وأنا أقودها. فكرت أنني كان من الأفضل أن أفرّغ إطارات السيارة من الهواء قبل أن أغادر المكان. إن تصرفهما هذا بعيد عن الأخلاق وعطّل أعمال الناس وهما يستحقان ذلك. أجل كان ينبغي أن أعطيهما درساً لا ينسيانه.

بعد ساعتين، حينما خلدت إلى السرير وهدأت أعصابي، استرجعت أحداث تلك الواقعة وقلت لنفسي: التفكير بهذه الصورة غير سليم، فيجب ألا أواجه الخطأ بخطأ مثله، وإن شيمي وأخلاقي أسمى وأبعد من التصرف الذي كنت سأقدم عليه. وحمدت الله أنني لم أقم بعمل طائش.

العدد 4179 - الجمعة 14 فبراير 2014م الموافق 14 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً