في الفصل السابق لاحظنا كيف رجح البعض بناء مسجد الخميس في العقد الثاني من القرن الأول الهجري قرابة العام 640 م، وسبق هذه الرواية رواية النبهاني الذي زعم أن المسجد بني نهاية القرن الهجري الأول أي قرابة العام 718م، وفي نهاية الثمانينات من القرن الماضي ظهرت رواية رسمية جديدة أعلن عنها في صحيفة «أخبار الخليج» ونقل نص الخبر حسن السعيد في كتابه «العقد النظيم في تاريخ أوال والبلاد القديم» ونص الخبر:

«كتبت آمال الخير، تحت عنوان «كشف أثري هام: مسجد الخميس لم يبنه عمر بن عبدالعزيز عام 99هـ وإنما بناه المبارك المعظم عام 84 هـ»؛ واتضح من نتائج التنقيبات الأثرية التي قامت بها إدارة السياحة والآثار التابعة لوزارة الإعلام، إن مسجد الخميس قد بني في عهد شخص يدعى (المبارك المعظم عام 84 هـ)، وليس كما كان معروفاً أنه بني في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز عام 692م أي عام 99 ـ 101 هـ. صرح بذلك مدير إدارة السياحة والآثار الشيخ راشد آل خليفة»، (السعيد 1994، ص 54).

بعيداً عن الأخطاء في تحويل السنوات بين الهجري والميلادي، فإن الخبر يتحدث على نتائج البعثة الفرنسية التي نقبت في مسجد الخميس، وبالرجوع إلى نتائج البعثة الفرنسية التي صدرت في دراستين في العام 1990م لا يوجد نقش يعود لهذه الحقبة، والنقش الوحيد الذي يذكر فيه بناء المسجد وصفة المعظم هو نقش الترميم ونصه «أمر بعمارة هذا المسجد المبارك الصاحب المعظم ... الخ) (Kervran et Kalus 1990، p. 28)، وهو يعود للعام 1374م. وقد استشهد بهذه الرواية عدد من الدارسين وآخرها سعيد هاشم في دراسته المنشورة في كتاب «المشهد ذو المنارتين».

إضافة إلى ذلك فإن نتائج البعثة البريطانية التي نقبت في البلاد القديم تشير إلى أن أقدم طبقة في سوق الخميس تعود للقرن الثامن الميلادي.

مراحل تأسيس وتطور البلاد القديم

في العام 2001م قامت بعثة بريطانية بقيادة Timothy Insoll بالتنقيب في موقع سوق الخميس والمناطق المجاورة لمسجد الخميس في منطقة البلاد القديم. وقد تم نشر التقارير الأولية لهذه البعثة في كتاب The land of Enki الذي صدر العام 2005م. وتشير تلك التقارير إلى أن البلاد القديم تأسست في القرن الثامن الميلادي، وقد تمت دراسة الطبقات الآثارية الممتدة من القرن الثامن وحتى القرن الرابع عشر الميلادي، والتي تم تقسيمها إلى ست فترات. وقد أكد Carter في دراسته للفخار والتي نشرت في الكتاب نفسه، أن اللقى الآثارية تؤكد أن البلاد القديم ومنذ بداية تأسيسها كانت المركز التجاري الأساسي في البحرين، وأنها، أي البلاد القديم، كانت بمثابة العاصمة (Carter 2005). يذكر أن هناك مناطق تعود لحقبة تأسيس البلاد القديم نفسها، ولكن إلى الآن لم يعثر على منطقة كانت معاصرة للبلاد القديم تصلح أن تكون هي العاصمة بدلاً من البلاد القديم (Carter 2005). وهنا نعطي تسلسلاً مبسطاً للمراحل الآثارية بحسب عمليات التنقيب في البلاد القديم ومقارنتها بالمناطق الأخرى (Carter 2005، Sasaki et al. 2011، Frifelt 2001، Larsen 1983)، على أن نتناول تفاصيل كل حقبة بصورة منفصلة في الفصول القادمة:

1 – مرحلة القرن الثامن الميلادي، وفيه تأسست البلاد القديم، وبني الجزء الشرقي للقرية الإسلامية المبكرة في قرية عالي، وبدأ استيطان بسيط بالقرب من معابد باربار.

2 – مرحلة القرن التاسع وبداية القرن العاشر الميلادي، وهي تعرف باسم حقبة الفخار السامرائي العباسي، وفيه انتعشت التجارة في البحرين، فقد توسعت القرية الإسلامية المبكرة في عالي، وكذلك الاستيطان في باربار. وبنهاية هذه الحقبة بدأ العديد يهجر البلاد القديم ربما بسبب السيطرة القرمطية على هذه المنطقة.

3 – مرحلة القرن الحادي عشر، وفي هذه الحقبة يرجح أن البلاد القديم فقدت مكانتها كمركز تجاري رئيسي، وظهر مركز تجاري جديد في موقع قلعة البحرين.

4 – مرحلة منتصف القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر، وفي هذه المرحلة بدأت تعود البلاد القديم لوضعها الطبيعي بعد طرد القرامطة من البحرين وإعادة بناء أو ترميم مسجد الخميس.

5 – مرحلة نهاية القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر الميلادي، حدث توسع في الاستيطان وخصوصاً في منطقة باربار.

6 – مرحلة القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وهي بداية ظهور القبور المجاورة بمسجد الخميس، وهي فترة يقدر فيها Larsen أنه تضاعف عدد السكان ثلاث مرات عمّا كان عليه في صدر الإسلام، وفي هذه الفترة ظهر وصف أبي الفداء لجزيرة أوال وهو وصف مثير للجدل؛ حيث وصفها بأن بها 300 ضيعة.

يذكر أن تاريخ تأسيس البلاد القديم ربط بتأسيس مسجد الخميس؛ حيث تشير نتائج الفخار إلى أن البلاد القديم تأسست في القرن الثامن وكذلك رجح البعض أن تأسيس مسجد الخميس كان في الحقبة ذاتها (Carter 2010، p. 66). وعليه سنستعرض كل حقبة مما سبق ومقارنتها بمراحل بناء مسجد الخميس. وهنا سنعطي ملخصاً عاماً لمراحل بناء مسجد الخميس التي سنتناولها بالتفصيل لاحقاً.

مراحل بناء مسجد الخميس

رجح عدد من الباحثين تواريخ محددة لمراحل معينة من بناء مسجد الخميس، نرتبها هنا من حيث التسلسل ونقارنها بالفترات الآثارية للبعثة البريطانية في البلاد القديم، وسنتناول كل مرحلة بصورة مفصلة في الفصول القادمة:

1 – أول بناء لمسجد الخميس ظهر بعد العام 707 م (Kervran et Kalus 1990، p. 36)، وهذا التاريخ يتوافق مع الفترة الآثارية الأولى لسوق الخميس.

2 – ثاني بناء لمسجد الخميس كان في الحقبة 850 – 883 م (Frifelt 2001، p. 15)، وهذا يتوافق مع الفترة الآثارية الثانية لسوق الخميس.

3 – تعطيل المساجد وربما هدمها في حقبة القرامطة (900 – 1067م)، (Kervran et Kalus 1990، p. 36)، وهذا يتوافق مع الفترة الآثارية الثالثة لسوق الخميس، وهي الفترة التي يرجح فيها فقدان البلاد القديم لأهميتها من حيث كونها المركز التجاري الأساسي في البحرين (Carter 2005).

3 – ثالث بناء لمسجد الخميس قرابة العام 1050م (Kervran et Kalus 1990، p. 36)، وهذا يتوافق مع الفترة الآثارية الرابعة لسوق الخميس.

4 – توسعة المسجد وبناء منارة فيه في الحقبة 1124 – 1148م (Kalus 1990، pp. 18 - 20)، وهذا يتوافق مع الفترة الآثارية الرابعة لسوق الخميس.

5 - ترميم المسجد وبناء منارة ثانية في الحقبة 1374 – 1323م (Kalus 1990، pp. 27 - 30)، وهذا يتوافق مع الفترة الآثارية السادسة لسوق الخميس.