ذكرنا في الأسبوع الماضي أن وثيقة المطالب الشعبية لحركة الخمسينات الوطنية دُونت بتاريخ 3 ذو القعدة 1373هـ (4 يوليو/ تموز 1954م)، أي قبل نحو 60 سنة؛ وتضمّنت 7 مطالب واضحة، أولها تشكيل مجلس استشاري بطريق الانتخاب الحر، وآخرها معاقبة المسئولين عن إطلاق النار.

وهي مرتبطة بوثيقة أخرى جاءت بعدها بنحو 16 شهراً كردٍّ عليها وتجاوب معها. وبسبب أحقية المطالب المقدمة من قبل الأهالي في هذه الوثيقة؛ تم تجاوب الحكومة مع مطالب الهيئة، وصدر هذا التجاوب في وثيقة أخرى في 12 ربيع الأول من العام 1375 هـ. ولكن بين تقديم المطالب والخطوات الأولى للاستجابة لها على استحياء؛ نجد سجلات البحرين في الوثائق البريطانية مليئة بالمراسلات والمذكرات وبشرح أو ترجمة باللغة الإنجليزية للمذكرات العربية التي قدمتها الهيئة التنفيذية العليا للحكومة والمسئولين الإنجليز طوال النصف الأول من العام 1955.

ومن تلك المذكرات المطولة ما تناولته 10 صفحات بخط آلة الطباعة اليدوية القديمة في البحرين تحت عنوان: «الهيئة التنفيذية العليا - البحرين»، وذلك ضمن الجزء السابع من السجلات المذكورة.

وجاءت المذكرة باللغة الإنجليزية للأصل العربي موجهة بتاريخ (29 مارس/ آذار 1955)، لوزير الخارجية البريطانية أنتوني إيدن، بل وإلى مكتبه في لندن كما هو في الأصل (London, F. W. 1, South West)؛ من قبل أعضاء الهيئة المنتخبين وهم: عبدالرحمن الباكر، والحاج إبراهيم محمد حسن فخرو، وسيد علي سيد إبراهيم، وعبدالعزيز سلمان، والحاج عبدعلي العليوات، والحاج محسن التاجر، والحاج إبراهيم موسى، والحاج عبدالله بوديب.

ضمّت تلك المذكرة في نهايتها، 3 نقاط تبين أسباب عدم حلحلة الوضع في البلاد نحو الانفراج، من سوء الإدارة، والفساد، وعدم النظر بجدية من قبل الحكومة لتحقيق المطالب مع التأكيد أكثر من مرة على أن حراك الشعب ما زال سلمياً.

وعندما تأخر الرد أيضاً لشهور عدة، أرسلت الهيئة رسالة أخرى مؤرخة بيوم (9 أكتوبر/ تشرين الأول 1955)، تحت رقم 55/ 186، مغلفة بالكثير من الإحباط لعدم التقدير والاهتمام بكافة الرسائل والمذكرات التي رُفعت للحكومة وللمستشارية.

وجاء في هذه الرسالة «لقد مضى عهد طويل منذ أن رفعنا إلى عظمتكم آخر مذكرة بينّا فيها وجهة نظر الشعب إزاء فساد الوضع الراهن في البلاد وما سببه هذا الوضع من استياء عام لدى جميع أفراد الشعب. وإننا لم نألُ جهداً منذ تقديم أولى مذكراتنا في إشهار مساوئ الوضع واقتراح الحلول العملية التي من شأنها أن تضع حدّاً للفوضى السائدة».

كما تحدثت الرسالة عن خيبة الأمل في أن الحكومة «لم تعر تلك المذكرات اهتماماً في حين أنها كانت تعبر أصدق تعبير عن وجهة نظر الشعب بأسره وتشرح رغبته في وجوب تحقيق مطالبه العادلة».

كما أضافت الرسالة عبارة حكيمة وصادقة ودرساً سياسياً إداريّاً بليغاً لحث الحكومة على السهر على مصالح الشعب في عبارة «إن مهمة الحكومات في جميع أنحاء العالم هي السهر على مصالح الشعب وتنظيم أموره وتحقيق رغباته، ولن يتأتى هذا كله لأية حكومة في العالم ما لم تتعاون مع شعبها في إدارة شئون بلاده».

وقد وقّع عليها نفس الأعضاء المذكورين أعلاه للهيئة المنتخبة. ولا يتسع مجال هذه الزاوية في سرد كل تفاصيل تلك الرسالة - الوثيقة، ولا لنشرها بكاملها.

ثم أُردفت برسالة أخرى بتاريخ (23 سبتمبر/ أيلول 1955)، تحت رقم 55/ 201، لحاكم البلاد تناولت نفس الأمر مع الإشارة اللافتة لطول الأخذ والرد في المطالب المقدمة منذ عام تقريباً، مع موافقة الموقعين على تلك الرسالة بتأجيل، وليس تنازل، البحث فيما يتعلق بالمجلس التشريعي المنتخب إلى فرصة أخرى بسبب بعض الاعتبارات السياسية المفروضة في تلك الفترة.

وعلى طريق الاستجابة لبعض، وليس كل، مطالب الشعب التي رفعتها الهيئة، فقد صدر إعلان من حكومة البحرين بتاريخ (13 أكتوبر1955)، هذا نصه:

«حكومة البحرين

إعلان

العدد 76/ 1375

نحن سلمان بن حمد الخليفة - حاكم البحرين وتوابعها- نعلن للعموم أننا قد أمرنا بتنفيذ ما يلي:-

1. تشكيل مجلس للمعارف تعين حكومتنا نصف أعضائه والنصف الآخر ينتخبه الشعب انتخاباً حراً.

2. تشكيل مجلس للصحة تعين حكومتنا نصف أعضائه والنصف الآخر ينتخبه الشعب انتخاباً حراً.

3. تشكيل مجلس للبلديات تعين حكومتنا نصف أعضائه والنصف الآخر ينتخبه الشعب انتخاباً حراً.

4. أما من خصوص قانون العقوبات فإننا طلبنا خبيراً في القانون لدراسته وإفادتنا عمّا يخالف الشرع الحنيف.

وإن رغبتنا دائماً وأبداً في الإصلاح التام، وبما يعود على بلادنا وشعبنا بالخير والسعادة والله ولي التوفيق.

حرر في 27 صفر 1375

الموافق 13 أكتوبر 1955

ختم

سلمان بن حمد الخليفة

حاكم البحرين»

كما صدرت ترجمة إنجليزية للإعلان بعد يومين في (15 أكتوبر 1955) لتكون ضمن أرشيف إدارة المستعمرات البريطانية عبر البحار.