العدد 4179 - الجمعة 14 فبراير 2014م الموافق 14 ربيع الثاني 1435هـ

الحرب تبدأ في العقول

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

خلال أيام قمة الحراك من 14 فبراير/ شباط إلى 15 مارس/ آذار 2011، ذهبت إلى مجلس في البسيتين، مع مجموعة من الأصدقاء في جمعية «وعد» وآخرين. وكان الحضور متنوعاً سياسيّاً ومهنيّاً، وشمل عضو مجلس بلدي المنطقة، ورجل دين ونائباً، وصحافيين وغيرهم. لكن ما جذب انتباهي وجود تلفزيون العائلة الواحدة، فيما بدا أنه فصلٌ من فصول الدعاية أو مصيدة لمن يقول الحق.

لقد ذهلت لحجم التعبئة الحاقدة والمعلومات الكاذبة حول ما يجري في الدوار ومستشفى السلمانية وغيرهما، إلى حدِّ أن أحدهم ادّعى أن الأطباء والممرضين (الشيعة) في السلمانية، يعتقلون أبناء السنة، ويخضعونهم للتعذيب، وبناءً عليه طالبنا جميعاً باستنكار ما يجري.

حاولت قدر الإمكان المحافظة على برودة أعصابي وسط هذه الاتهامات الكاذبة، التي وصلت إلى حد التشكيك في نصف أبناء الوطن، وانسقت بالمخزون التاريخي لنضال شعب البحرين الذي لم يعرف هذه التصنيفات الطائفية من قبل، وقلت لأحدهم: ألم يكن أبوك من قيادات الحركة الوطنية في البحرين؟ واستعرضتُ كيف أن نضال شعب البحرين منذ القدم لم يكن لأهداف طائفةٍ دون أخرى، بل من أجل الوطن، وأنه في مرحلةٍ ما، تركّز على المطالبة بالاستقلال عن بريطانيا المحتلة، ورفض الإلحاق الإيراني، وبعدها عندما تحقق الاستقلال، نسي كلٌّ معاناته السابقة، وأقبل على بناء دولة الاستقلال التي أخلفت وعودها، وهكذا عدنا مرةً أخرى إلى النضال من أجل الاستقلال الثاني كما يصفه الحقوقي والرئيس التونسي المنصف المرزوقي. فلماذا اليوم تشيطنون المعارضة وقادتها، وتتهمونهم بأخطر الاتهامات وتصفونهم بأقذع الصفات؟

أدركت أن هذه التعبئة الحاقدة ليست وليدة انتفاضة 14 فبراير 2011، وليست وليدة أحداث الشهر الحاسم، بل هي نتيجة بناء تراكمي وخطة منهجية، آتت أُكلها عندما حانت لحظة الحقيقة. في العديد من المناسبات يكرّر المتحاورون: «إحنا البحرينيين غير»، «لا يمكن أن يحدث عندنا ما حدث في لبنان والجزائر والعراق وسورية»، «نحن إخوان»، لكن الوقائع أثبتت أن البحرينيين ليسوا ملائكةً، وليس كل البحرينيين مسالمين. صحيحٌ ليس في بيوت البحرينيين ترسانات السلاح الموجودة في اليمن مثلاً، لكن الحاجة أمُّ الاختراع.

تداعى إلى خاطري شريط الإرهاب العربي، والإسلاموي بالجزائر بلد المليون شهيد، ثم أفغانستان ولبنان والعراق، ثم سورية و...و، إلى أن اجتاح الإرهاب الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، بل وعبَرَ الإرهابُ إلى العالم، وهكذا شهدنا «غزوة نيويورك» كما سموها، وتفجيرات لندن ومدريد وباريس، بحيث أضحى العربي والمسلم موصوماً بالإرهاب.

نعم... الإرهابُ يبدأ في العقول، فدولة الاستقلال العربية، الاستقلال الذي وحَّد الشعب بكل فئاته وطوائفه وقومياته، فشلت فشلاً ذريعاً في بناء دولة المواطنة المتساوية. دولة يتحاب أهلها. دولة مدنية يستظل بظلها أتباع مختلف الديانات والمذاهب واللامذاهب واللاديانات أيضاً.

الأنظمة المتسلطة استخدمت الدين لإضفاء الشرعية على حكمها، فحتى من جاء باسم العلمانية والاشتراكية والقومية إلى الحكم أضحى المسلم الأول، يتصدّر صلاة الجمعة والأعياد، وأضحت طبقة رجال الدين متميزةً، وفتحت المدارس الدينية وعلى نفقة الدولة، وحُشيت المناهج بمواد دينية تفرق ولا تجمع.

ومع التباين الشديد في الأنظمة العربية، فإن تلك التي تدّعي أنها حامية الإسلام وتستند في شرعيتها إلى الإسلام، فرَّخت مدارسها ومعاهدها مئات الآلاف من التكفيريين والمتعصبين، واستخدمت إمكانياتها النفطية الهائلة، وحالة العوز والبطالة لملايين الشباب العرب والمسلمين، لاصطيادهم إلى معاهدها وجامعاتها، لتحشوا رؤوسهم بفكر إسلاموي سلفي ماضوي طائفي، ليعودوا إلى بلدانهم ويعمّ البلاء، بعد أن أنفقت الملايين على إقامة المؤسسات الدعوية والمعاهد والمساجد المسيطَر عليها.

وجاءت ساحة أفغانستان لتختبر فيها هذه الأفكار المتطرفة، ويتعمد فيها المتطرفون بالدم، وتتابعت فصول الاحتراب، وجزّ الرؤوس في الجزائر... جزائر المليون شهيد التي تعمد استقلالها بالدم ووحدة الجزائريين، لتشهد أبشع اقتتال داخلي. ثم تنتقل الفتنة ككرة النار المتدحرجة، لتصيب بلداناً عريقةً في وحدتها، راسخةً هويتها كمصر مثلاً، أو في تسامحها كسورية.

وفي المقابل، وفي معظم هذه البلدان، فقد ربيت وأدلجت وعُبّئت أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، باختزال الوطن في الحاكم أو الأسرة الحاكمة أو النخبة الحاكمة، وأن المعارِض هو خائنٌ وعميل، تجب تصفيته واجتثاثه. وفي تعامل هذه الأجهزة مع التكفيريين والمتطرفين، فإنها لا تكترث لفهم فكرهم ودوافعهم وظروفهم، بل إنهم أعداء وكفى. ولذلك شهدنا مجازر متبادلة ما بين أجهزة الجيش/ الأمن وكتائب التكفيريين، وفصولاً من الانتقام الجماعي البشع، حيث لا أسرى بل إبادةٌ وبقر بطون الحوامل، واغتصاب النساء وذبح الأطفال.

يطول الشرح، لكنا نشاهد هذه الوقائع يوميّاً عبر شاشات التلفزيون والكمبيوتر، بحيث يصاب الإنسان السوي بالذهول، من مدى وحشية العرب والمسلمين في قتالهم مع بعضهم بعضاً، ضاربين عرض الحائط بأخلاقيات الدين ومبادئ الإنسانية.

الخسائر تتضخم كل يوم، ليس فقط الخسائر في الأرواح والممتلكات، بل الخراب في النفوس وانشطار الشعب إلى أشطر، بل وانشطار الشخص الواحد. وكما قال شاعر العرب مظفر النواب «الواحد منا يحمل في الداخل ضده». وشعب البحرين ليس استثناء، والتكفيريون هنا هم التكفيريون هناك، والمحرّضون والمطبّلون هنا هم ذاتهم هناك، باستثناء بعض التفاصيل والتكتيكات.

أما آن الأوان لأمة العرب أن تصحو؟ أما آن للشعوب العربية أن تصحو؟ أما آن للنخب العربية السياسية والدينية والثقافية أن تصحو؟ أم يصح علينا صيحة شاعر العرب نزار قباني «متى يعلنون وفاة العرب»؟.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4179 - الجمعة 14 فبراير 2014م الموافق 14 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 4:49 ص

      اللهم

      اللهم خلص البلد من كل سوء ياتى من الاشرار الى ماتهمهم الى مصالحهم وابعد عنى كل ظلم ياتى من الظالمين اللهم صلى على محمد واله محمد والمشتكى لله

    • زائر 5 | 2:37 ص

      ماتو

      العرب والمسلمين ماتو جميعا والحمد لله وارتاحت البشريه منهم ولم يبقي التوقيع علي شهادة الوفاه وعسي الله ان يبدلهم بخير منهم لخدمة البشريه .

    • زائر 4 | 2:10 ص

      و من الذي سمم العقول لكي تبدأ فيها الحرب؟

      و الذي سمم العقول لكي تبدأ فيها الحرب هو العقائد المشوهة! العقائد التي حولت المسلمين إما موالٍ أو معادٍ لأهل البيت؛ وهابي ناصبي أو صفوي مجوسي. يجب توجيه اللوم إلى العلماء و المراجع - من الفريقين - الذين هم السبب الحقيقي في هذه الكارثة، و مطالبتهم بإخراج بيان بحرمة التكفير.

    • زائر 2 | 12:53 ص

      ماهية العقل؟

      العقل عضو في جسم الانسان و ينضح بما يدخل فيه ، ليس الا. المشكلة هي في عدم وجود جهاز يقيس محتويات العقل و مقدار احتوائه كالحاسوب الذي و بكبس زر يفشي فراغ عقله من المعلومات. البشر يتصورون بان عقلهم كامل و غير ناقص. حتي اختراع الجهاز ، طبعا ليس بواسطتنا حيث القائمون علي الامور لا يعتبرون اي من اختراعاتنا مهمة، سنستمر في تصور كمال عقولنا.

    • زائر 1 | 12:38 ص

      لا غرابة اذا كان علية القوم صدقوا ما لا يعقل فكيف بصغارهم

      حين يظهر لك صاحب دكتورة ورجل دين يعتبر من الطراز الاول يصدق ان هناك من قام بقطع لسان مؤذن وان الاطباء يملكون اسلحة كلاشنكوف في مكان عام مثل المستشفى فلا غرابة

اقرأ ايضاً