إذا أردنا أن نحقق تطوراً نوعياً يساهم بشكل فاعل وجذري وتكون ذا بعد استراتيجي في مجال رعاية مرضى فقر الدم المنجلي (السكلر)، علينا مواجهة تحديين أساسيين، أولهما: إبداع برنامج رعاية طبية وصحية متكامل يستقطب ويقوم بحاجات المرض بفقر الدم المنجلي من ذوي الاحتياجات الخاصة ونقصد بهم تلك المجموعة من المرضى ممن درجوا على استمرارية مراجعة المستشفيات والمراكز الصحية المختلفة لمداواة آلامهم المستمرة بشكل يومي أو شبه يومي. أما التحدي الثاني وهو بيت القصيد، هو استقطاب وإدماج الفئة الأخرى من مصابي المرض وهم في مرحلتي البلوغ وما قبلها في برنامج رعاية متخصصة يلبي كل مفردات مرضهم ويضع حلول الرعاية في مهدها ضامناً تحقيق تمام الصحة في شمول معانيها، بدنية وذهنية ونفسية واجتماعية.
ذلك التحدي يأخذ من مبادئ الرعاية المجتمعية المنطلقة من البيت سبيلاً ومنهجاً ولا يحتاج في تحفيزه وتفعيله إلى مراجعة المستشفيات ودور الرعاية بل يمد جذوره إلى المرضى في بيئتهم الطبيعية برعاية فاعلة نشطة يكون فيها المصاب في أحسن حالاته البدنية والذهنية مستبقاً ما قد يضمره له المرض من منعطفات لا يحمد عقباها من ناحية، ومن ناحية أخرى يحافظ على الطاقة الوظيفية للفرد المصاب لتسييرها في بناء نفسه ومجتمعه.
صيغة مقترحة تفي وتترجم التحدي الثاني، تكوين مجموعات عمل من طلبة وطالبات المدارس الثانوية والإعدادية تقوم بمهمات توعية وتثقيف كل الطلبة الآخرين بمرض فقر الدم المنجلي وتداعياته والتعايش الأمثل معه عن طريق إنتاج مادة تعليمية فيلمية تضع المرض في لغة يفهمها الجميع وتتبنى خلق واستدامة الدعم والإسناد المجتمعي للمصابين بهذا المرض. تلك الصيغة تستكمل برنامجاً أوسع وأشمل يوجه للعناية وسير إمكانات المصابين تمهيداً لصقلها للخروج بمنتجات ربما كانت لتضيع في حال افتقدت الآلية التي تترجمها واقعاً وتبرزها تحقيقاً ونجاحاً.
إن الأمراض مهما كانت وبلغت ما هي إلا تحديات يبتلى بها الإنسان من خالقه، وهو الكفيل والقادر على استئصالها ومحوها إن شاء، يجب علينا معرفة التعامل معها بل وإتقان مهارة التغلب عليها لا أن نضعها نصب أعيننا ونتخذها مثبطاً ومدعاة لأن نتكاسل أو نرى دنيانا سواداً وألماً دائماً.
إن معضلتنا الآنية كما سبق وأشرنا، هو سبيلنا الأجدى في مواجهة مرضانا ممن درجوا ، بسبب ما يعانون من آلام مبرحة تقض مضاجعهم، والتي هي في مجملها مزمنة ويستدعي التعاطي الطبي التأني في العلاج والمتابعة وخاصة فيما يتصل في التعامل مع لنوع من الألم المزمن وما يصاحبه من أعراض واعتلالات سلوكية واجتماعية، حيث تقتضى الحرفية هنا تخفيف الألم والمعاناة مع مراعاة ألا ندفع المريض إلى متاهات شتى تضيف إلى معاناته وتبقيه حبيس مرضه فيما تبقى من حياته.
إننا هنا استنارة وإيضاحاً لبعد مهم يجب على مرضى فقر الدم المنجلى وعيه واستيعابه نقول ليس من سبيل لعلاج الألم المزمن أو المتكرر باللجوء إلى تدخلات علاجية أنية من أدوية أو غيرها مهما كانت، مثل مهدئات الألم والمنومات، بل إن أحد المعطيات المهمة في هذا الصدد هو تبني سلوكيات وأساليب معينة تساهم في التأقلم ومحاكاة الألم على مدى أطول وبقدر أقل كثيراً من التعرض للآثار الجانبية التي عادة ما تخلفها الأدوية الطاردة أو المخففة للألم، وهنا يبرز العلاج السلوكي أداة فاعلة في المحاكاة وتقليل المعاناة، ولا ننسى أو نتناسى أننا أطباء وممرضين وعاملين صحيين نعلم جيداً ما يعانيه مرضانا من ويلات هذا الداء الفتاك، وإن كنا لا نستطيع وصف معاناتهم، لكننا بالتأكيد لا نريد ولا نشجع ولا نسمح لأن ينتهي المطاف بشموع مضيئة وهبنا الله إياها، وهم مرضانا المصابون بمرض فقر الدم المنجلى، إلى معاناة مضاعفة واعتلالات مركبة تضيف سوءاً لهم.
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4178 - الخميس 13 فبراير 2014م الموافق 13 ربيع الثاني 1435هـ