الرحلات البرية هوايتنا المفضلة للراحة والاستجمام في موسم الربيع، وكنا نتوجه لقضاء وقت من الراحة والاستمتاع بالأجواء الطبيعية في منطقة البطائح في الشارقة ونفترش الرمال البرية النقية التي غسلتها مياه الأمطار الموسمية، ونجتمع مع جمع من الأصدقاء محبي البيئات الطبيعية تحت ظل أشجار السمر والغاف التي تزخر بها بيئات المناطق البرية في الشارقة؛ ويقضي الأطفال وقتاً من المتعة واللهو على الرمال البرية والتزحلق على المرتفعات الرملية وممارسة الألعاب الممتعة والاختفاء بين شجيرات نبات المرخ البري.
تقليد موسمي صار ثقافتنا للاستمتاع بروعة الجمال الطبيعي للوحات البرية التي تزيّنها النباتات الموسمية، وإحياءً لذلك التقليد نظّمت الأسرة في نهاية الأسبوع الماضي رحلة برية إلى منطقة الصخير في مملكة البحرين، وعلى الرغم من الرياح البرية الشديدة قضينا وقتاً ممتعاً، واستمتعنا بنقاوة الهواء الطبيعي بعيداً عن الزحمة والضوضاء.
في المناطق البرية تعيش حالة السكينة والاسترخاء والاستمتاع بجمال الطبيعة البرية وكثبانها الرملية وواحاتها المكسوة بالخضرة، بيد أن ذلك السكون والجمال الطبيعي تخربه الممارسات العبثية وغير السليمة ومظاهر السلوك غير الرشيد، حيث الضوضاء الذي يمزّق ذلك السكون نتيجة ممارسة الرياضات البرية بشكل عشوائي وغير منظم، وإلقاء المخلفات البلاستيكية والكرتونية والورقية والعلب المعدنية، وبقايا الأطعمة، وقطع وحرق الأشجار من قبل مرتادي المناطق البرية. ويقابل ذلك مظاهر أكوام من مخلفات البناء ونفايات المصانع والمياه العادمة.
ذلك ما شهدناه خلال جولاتنا الميدانية ورحلاتنا في المناطق البرية في الشارقة، وفي منطقة الصخير البرية في البحرين، تلك المظاهر السلبية تدلل على ضعف الالتزام بمبادئ المسئولية الاجتماعية في صون معالم نظم البيئات الطبيعية.
المسئولية الاجتماعية كمنظومة قيمية ترتكز على القيم الأخلاقية للفرد والجماعة، ومبدأ طوعي للقيام بالأعمال الاجتماعية والبيئية المفيدة، ومنهج للسلوك المجتمعي والمؤسسي، وركيزة محورية للنشاطات المجتمعية. وهي تشكل مقوماً رئيساً ضمن منظومة مبادئ العمل المؤسسي والاجتماعي وركناً مهماً في العمل الاستراتيجي للتنمية المستدامة ووسيلة لتفعيل خطط العمل لصون منظومة التنوع الحيوي وإنجاز الأهداف الموجهة لاستدامة مكونات النظام البيئي والحفاظ على التوازن الطبيعي لبيئات المناطق البرية.
البعض من الكتاب يعالجون المسئولية الاجتماعية من منظور اقتصادي، ويعرفها الباحث صديقي خضرة في بحثه «المسئولية الاجتماعية في ظل حوكمة الشركات»، بأنها «التزام مستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم والمجتمع ككل».
وأخذاً في الاعتبار أهمية مبادئ المسئولية الاجتماعية في إنجاز أهداف التنمية المستدامة، يجرى التأكيد على مضامينها في وثيقة مبادئ مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة «المستقبل الذي نصبو إليه» (ريو+20) حيث تؤكد في المبدأ (46) على أن المجتمع الدولي يقرّ «بأن إنجاز التنمية المستدامة سيكون مرهوناً بالمشاركة النشطة من القطاعين العام والخاص». ويسلّم بأن «المشاركة النشطة من جانب القطاع الخاص يمكن أن تسهم في تحقيق التنمية المستدامة عبر سبل منها تلك الأداة المهمة المتمثلة في الشراكة بين القطاعين العام والخاص». ويدعم «الأطر التنظيمية والسياساتية الوطنية التي تمكّن قطاعي الأعمال والصناعات من تعزيز مبادرات التنمية المستدامة، مع مراعاة أهمية تحّلي الشركات بالمسئولية الاجتماعية». ويدعو «القطاع الخاص إلى اتّباع ممارسات الأعمال المسئولة، كتلك التي يشجعها الاتفاق العالمي للأمم المتحدة».
ويقرّ أيضاً في المبدأ (268) من الوثيقة ذاتها بأن «قطاعاً خاصاً دينامياً يستوعب مشاركة الجميع ويتسم بالكفاءة ويتحمل مسئولياته الاجتماعية والبيئية هو أداة قيِّمة يمكن أن توفر مساهمة حاسمة الأهمية نحو تحقيق النمو الاقتصادي والحد من الفقر وتعزيز التنمية المستدامة».
المسئولية الاجتماعية تتمثل في منظومة المسئوليات والالتزامات والمساهمات والشراكات الفعلية الموجهة لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، وتشمل في منظومتها نشاطات القطاعات الفاعلة في المجتمع وتتمثل في قطاع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص وقطاع المجتمع المدني والقطاع التعليمي والتربوي، وترتكز على التوافق والاتساق بين المصالح الخاصة والعامة، بحيث يكون هناك التزام مسئول في ممارسة الأنشطة التي لا تتسبب في الإضرار بالمصالح الصحية والمعيشية والاقتصادية والبيئية للمجتمع، وتسهم في صون المصادر والموارد الرئيسة التي تستمد منها المجتمعات المحلية معيشتها وتعتمد عليها في صون بقائها وتعزز مسار تطورها الاجتماعي والحضاري، وتحقّق المنجز الذي يسهم في تعزيز مسار أهداف التنمية المستدامة.
وعند معالجة جوهر المسئولية الاجتماعية، من الطبيعي أن نتبيّن واقع تفاعل الأدوار والمبادرات التطوعية للفرد والجماعة والمؤسسة، اجتماعياً وبيئياً، التي تسهم في إنجاز أهداف التنمية المستدامة، من حماية البيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وتتمثل تلك الأدوار في التفاعل المبدع في دعم خطط العمل الموجه لتبني السياسات والقرارات الاستراتيجية التي تسهم في تعميم ثقافة الإدارة الرشيدة في النشاط الاقتصادي والصناعي والإنتاجي، وأنسنة العلاقة مع النظم البيئية ومواردها الطبيعية والارتقاء بمفاهيم الوعي الاجتماعي البيئي للتمكن من تحسين السلوك البيئي للمجتمع.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4178 - الخميس 13 فبراير 2014م الموافق 13 ربيع الثاني 1435هـ