العدد 4178 - الخميس 13 فبراير 2014م الموافق 13 ربيع الثاني 1435هـ

أزمة التعلّم العالمية تُكلّف 129 مليار دولار سنويّاً

هل فشل التعليم في الدول العربية؟

حذّر تقرير من تأثير الأزمة على أجيال عديدة من الأطفال إذا لم يجرِ العمل على تعزيز عملية التدريس، إذ كشف الإصدار الحادي عشر للتقرير العالمي الذي أصدرته منظمة اليونيسكو حديثاً «لرصد التعليم للجميع»، أن أزمة التعلّم العالمية تُكلّف الحكومات مبلغاً قدره 129 مليار دولار سنوياً. ويتم هدر عشرة في المئة من الإنفاق العالمي على التعليم الابتدائي في إطار التعليم ذي النوعية السيئة الذي يفشل في ضمان استفادة الأطفال من عملية التعلُّم. ويؤدي هذا الوضع إلى جعل ربع الشبان في البلدان الفقيرة غير مؤهلين لقراءة جملة واحدة. ويَخلص التقرير إلى أن المعلمين الجيّدين هم الذين يُمثّلون السبيل إلى تحقيق التحسن، ويدعو الحكومات إلى توفير أفضل المهنيين في هذا المجال لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليهم.

ويُحذّر تقرير هذه السنة المعنون (التعليم والتعلّم): تحقيق الجودة للجميع من أنه إذا لم يجرِ استقطاب أعداد كافية من المعلمين وتدريبهم تدريباً مناسباً، فإن أزمة التعلّم ستستمر لعدة أجيال وسيكون ضررها أشد على المحرومين. فيكشف التقرير، على سبيل المثال، أن عدد الذين سيتمكنون من إنهاء مرحلة الدراسة الابتدائية بعد أن يكونوا قد تعلّموا أسس القراءة والرياضيات لن يتجاوز خمس الأطفال لدى الفئات الأشد فقراً في العديد من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وذكر التقرير أن «سبعة وخمسين مليون طفل في العالم لا يذهبون إلى المدارس وأن ثلث الأطفال البالغين سن التعليم الابتدائي لا يتعلمون الأساسيات، سواء التحقوا بالمدارس أو لم يلتحقوا بها بسبب تدني مستوى التعليم».

واضاف التقرير «يخلف التعليم ذو النوعية السيئة إرثاً من الأمية أكثر انتشاراً مما كان يُعتقد في السابق. وهناك ما يقارب 175 مليون شاب من شبان البلدان الفقيرة - أي ما يعادل نحو ربع عدد الشبان - لا يتمكنون من قراءة جملة بأكملها أو جزء منها، وتشمل هذه الظاهرة ثلث عدد الفتيات في جنوب وغرب آسيا. ووفقاً للاتجاهات الراهنة، تشير التوقعات الواردة في التقرير إلى أنه يتعيّن الانتظار حتى عام 2072 ليتسنى لجميع الشابات الأشد فقراً في البلدان النامية التمكّن من القراءة والكتابة؛ وقد يتعيّن انتظار حلول القرن المقبل لكي تتمكن جميع الفتيات اللواتي ينتمين إلى الأسر الأشد فقراً في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من إنهاء المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي».

المستقبل بأيدي المعلمين

وقالت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، في هذا الصدد «إن مستقبل هذا الجيل هو بين أيادي المعلمين. ويتعيّن علينا تعيين 5.2 ملايين معلّم بحلول عام 2015، ونحن بحاجة إلى العمل بجد لدعمهم في منح الأطفال حقهم في التعليم العام والمجاني والجيد. ويتعيّن علينا أيضاً أن نتأكد من أن ثمة التزاماً صريحاً بتحقيق الإنصاف في إطار الأهداف العالمية الجديدة الخاصة بالتعليم في مرحلة ما بعد عام 2015، مع اعتماد مؤشرات تتيح تتبُّع التقدم الذي يحرزه المهمشون بحيث لا يُهمل أي أحد».

وقالت مديرة التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع بولين روز «ما هي فائدة التعليم إذا لم يتمكن الأطفال الذين أمضوا سنوات في المدرسة من اكتساب المهارات التي يحتاجون إليها؟ وتبين الأعداد الهائلة من الأطفال والشباب الأميين أنه من الأهمية بمكان وضع المساواة في الانتفاع بالتعلم في قلب أهداف التعليم في المستقبل. ويجب ألا تكتفي الأهداف الجديدة لمرحلة ما بعد عام 2015 بالتأكد من أن كل الأطفال ملتحقون بالمدارس، بل أن تضمن أيضاً تعلُّمهم ما ينبغي أن يتعلموه».

وذكر موقع «بي بي سي»، أن الباحث والكاتب اليمني علي محمد زيد يقول: «إن أسباباً كثيرة تفسر هذه الأرقام من بينها ضعف التنمية، التي تغيب أيضاً في بعض البلدان، إضافة إلى العادات والتقاليد التي تجعل من الزواج أنسب للبنات مثلاً من إهدار وقتهن في التعليم».

ويعتبر الباحث اليمني أن «عدم الاستقرار الأمني يشجع على ذلك أيضاً. بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية للأسر التي تجعلها ترى في الطفل مصدر دخل إذا توجه إلى سوق العمل مبكراً فلماذا تختار له المدرسة التي تكلفها نفقات لا قبل لها بها»؟

وحسب التقرير الأممي فقد حل اليمن محل غانا في قائمة البلدان العشرة التي تضم أكبر عدد من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في العالم.

وأشارت المنظمة الأممية إلى أن عُشر أطفال العراق الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و9 سنوات لم يلتحقوا بالمدارس قط سنة 2006. إضافة إلى 19 في المئة من الأطفال الذين يعانون من مشكلات سمعية ونصف الأطفال المعرضين إلى حد كبير للإعاقة الذهنية.

كما ظهرت مصر ضمن الـ10 بلدان التي فيها 72 في المئة من العدد الإجمالي للكبار الذين يعانون الأمية في العالم علماً بأن ثلثيهم من النساء.

ووضعت اليونيسكو سنة 2008 في تقريرها أهدافاً يتعلق بعضها بتخفيض عدد الأميين والرفع من مستوى تدريس الأطفال متسائلة «هل سننجح؟» غير أنها عادت هذه السنة واعترفت «أما وإنه لم يبقَ إلا عامان على 2015 فإن تقرير هذا العام يجعل من الجلي أن الإجابة بالنفي».

مشاكل التعليم

ووفقاً لتقديرات اليونيسكو فلو أن كل التلاميذ في البلدان المنخفضة الدخل اكتسبوا مهارات القراءة الأساسية في المدرسة، لكان من الممكن انتشال 171 مليون نسمة من الفقر وبالتالي تقليص عدد الفقراء بنسبة 12 في المئة.

ويقول رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية في المغرب سمير بودينار «إن خصوصية المغرب العربي تكمن في طرح مشاكل التعليم للنقاش العام وإن كان ثمة تجربة يمكن النظر إليها في المنطقة فهي التجربة التونسية».

ويشرح أن «تونس حسمت في عدد من القضايا الإشكالية بشأن النموذج التعليمي الذي يجب السير عليه والتي تسببت في تردد دول أخرى وتأخرها، حيث ربطت التعليم بالسوق وركزت على تخصصات لها مردود اقتصادي، فتمكنت تونس من تحقيق أقل نسبة أمية فعلية في المغرب العربي، وارتفاع عدد الخريجين الجامعيين مقارنة بعدد السكان، كما أن مستوى البحث العلمي يكاد يكون الأهم في المنطقة من حيث كفاءته الدولية».

وذكر بودينار أن «المستوى العلمي بين دول مجلس التعاون الخليجي متقارب وقد استثمرت دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة في البحث العلمي بشكل جدي وصحيح وحققت المساواة في الولوج إلى التعليم الجامعي بين الذكور والإناث لكن النجاح يحتاج إلى تكامل عناصر أخرى كثيرة منها الحرية والشفافية وطرح القضايا المهمة للنقاش العام، وضرورة أن توجه الخبرة العلمية الحكم».

تدني الإنفاق

ويشكل تدني الإنفاق على قطاع التعليم عائقاً كبيراً أمام تطويره، فمن بين 150 بلداً، أنفق 41 بلداً 6 في المئة من موازنته على التعليم سنة 2011 في حين أنفق 25 بلداً أقل من ثلاثة في المئة من الناتج القومي الاجمالي على التعليم سنة 2011.

ويعتبر بودينار أن «الحل يكمن في بناء رؤية عن المجتمعات العربية وتحديد حاجياتها بشكل دقيق، فالتقارير الدولية تؤكد أن الدول العربية عاشت لفترات طويلة في حالة من التيه جعلتها تتخبط وتخفق في إنتاج سياسات تعليمية ناجحة».

ويبقى الأمل بالنسبة إلى بودينار «في أن يؤدي التحول الذي تشهده المنطقة العربية إلى وضع مسألة التعليم ضمن الأولويات حتى لا ندخل في دورة إنتاج الأزمة نفسها».

ويشدد مغيث على «ضرورة الاتعاظ بالنمور الآسيوية والاقتناع بأن مصدر قوة الأمة ليس وفرة المال أو الموارد البشرية وإنما العلم والتعليم. إنه أهم من الصحة والغذاء والأمن القومي لأن نجاحه سيؤدي بالضرورة إلى تحقيق البقية».

وفي ثلث البلدان التي تناولها التقرير، يلاحَظ أن أقل من ثلاثة أرباع المعلمين في المدارس الابتدائية القائمين على رأس عملهم يتم تدريبهم وفقاً للمعايير الوطنية. وفي غرب إفريقيا، حيث يتعلم عدد ضئيل من الأطفال الأساسيات، يشكل المعلمون الذين يعملون بموجب عقود مؤقتة وبأجور منخفضة ويحظون بالقليل من التدريب الرسمي أكثر من نصف القوة العاملة التدريسية.

«ويورد التقرير أرقاماً تبين أن تكلفة عدم تمكُّن 250 مليون طفل في العالم أجمع من تعلُّم الأساسيات يؤدي إلى خسارة تُقدَّر بمبلغ 129 مليار دولار أميركي. ويخسر ما مجموعه 37 بلداً ما لا يقل عن نصف المبلغ الذي يُنفَق على التعليم الابتدائي من جراء عدم تعلُّم الأطفال. وعلى النقيض من ذلك، يبين التقرير أن ضمان المساواة في توفير التعليم الجيد للجميع يمكن أن يولد منافع اقتصادية ضخمة تتيح زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد في البلد بنسبة 23 في المئة على مدى 40 عاماً».

وحتى في البلدان ذات الدخل المرتفع، تخفق نظم التعليم في تحقيق الجدوى لدى العديد من الأقليات. ففي نيوزيلندا، بلغ جميع الطلاب المنتمين إلى الأسر الغنية تقريباً المستويات الدنيا المطلوبة في الصفين الرابع والثامن، أما في الأوساط الفقيرة فلم يبلغ تلك المستويات سوى ثلثي الطلاب. كما أن المهاجرين في البلدان الغنية يعدّون أيضاً من الفئات المهملة: ففي فرنسا، على سبيل المثال، بلغ أقل من 60 في المائة من المهاجرين الحد الأدنى المطلوب في القراءة.

ويبين التقرير أنه من أجل تحقيق التعليم الجيد للجميع، يجب على الحكومات أن توفر ما يكفي من المعلمين المدربين، وتركز السياسات الخاصة بالمعلمين على تلبية احتياجات المحرومين. هذا يعني اجتذاب أفضل المرشحين إلى مهنة التدريس، وتزويدهم بالتدريب الملائم، وإيفادهم داخل البلدان إلى المناطق التي هي في أمسّ الحاجة إليهم، وتقديم الحوافز إليهم لكي يلتزموا بالتدريس التزاماً طويل الأجل. ويسلط التقرير الضوء أيضاً على الحاجة إلى التصدي للعنف القائم على نوع الجنس في المدارس، الذي يمثل عائقاً رئيسياً أمام تحقيق الجودة والمساواة في التعليم. كما أنه يؤكد على أهمية الاستراتيجيات الخاصة بالمناهج والتقييم من أجل تعزيز الاندماج وتحسين التعلم.

التوصيات

ويتضمن التقرير التوصيات التالية:

- يجب أن تتضمن أهداف التعليم الجديدة لمرحلة ما بعد عام 2015 التزاماً صريحاً بتحقيق الإنصاف بحيث تتاح لجميع الأطفال فرص متساوية للانتفاع بالتعليم. وتحتاج الأهداف الجديدة إلى غايات واضحة وقابلة للقياس مدعّمة بمؤشرات لتتبُّع التقدم الذي تحرزه أشد الفئات حرماناً.

- يجب أن تضمن الأهداف الجديدة لمرحلة ما بعد عام 2015 أنه يتاح لكل طفل الالتحاق بالمدرسة وتعلُّم الأساسيات. فلا يحق للأطفال الالتحاق بالمدرسة فحسب، بل يحق لهم أيضاً التعلم فيها لفترة طويلة، والخروج منها بعد اكتساب المهارات التي يحتاجون إليها للعثور على عمل مستقر جيد الأجر.

- ضمان وصول أفضل المعلمين إلى الدارسين الذين هم في أمسّ الحاجة إليهم. يجب أن تشتمل خطط التعليم الوطنية على التزام صريح بالوصول إلى المهمشين. وينبغي أن يجري تعيين المعلمين على الصعيد المحلي أو أن تكون لديهم خلفيات مماثلة لخلفيات الدارسين المحرومين. ويحتاج كل معلم إلى تدريب قبل الخدمة وأثناء الخدمة على السبل الكفيلة بتوجيه الدعم إلى الأطفال المحرومين. ويجب توفير الحوافز لضمان إقبال أفضل المعلمين على العمل في المناطق النائية والمحرومة. ويجب على الحكومات أن تسعى إلى الإبقاء على أفضل المعلمين لديها من خلال دفع أجور تلبي على الأقل احتياجاتهم الأساسية، وتوفير ظروف عمل جيدة ومسار وظيفي ملائم لهم.

العدد 4178 - الخميس 13 فبراير 2014م الموافق 13 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً