كثيرون في البحرين ينتظرون هذا التاريخ، وكلٌ ينظر له من زاويةٍ مختلفة، والاختلاف الذي كان لا يفسد للود قضية، صار أكبر مفسد للود والقضية!

هذا اليوم بالنسبة لبعض مكونات الشعب البحريني يوم الميثاق، اليوم الذي خط فيه الشعب وثيقة ولاء، ويراه آخرون باعتباره يوم الانقلاب على الميثاق الذي كان يتوجب أن تضاف إليه بعض الفقرات بحسب اتفاقٍ مسبقٍ بين السلطة والقيادات الشعبية، فيما يراه كثيرون بأنه يوم انطلاق انتفاضة جديدة للشعب البحريني ضد الفساد، ولم تمنع هذه الرؤى كون هذا اليوم هو يوم للحب لدى من يؤمن به. وفي كل الأحوال فقد اختلط فيه الحب بالدم، بالإيمان الحقيقي بالوطن والشعب، بالحرية والكرامة، والإيمان بالسواعد والضمائر.

لم يكن هذا التاريخ مجرد يومٍ عابر ولن يكون أبداً، فقد غيّر خارطة العلاقات الإنسانية للشعب، وأسقط أقنعةً ظنّت لفترة طويلة بأنها وجوهٌ حقيقية، وظنّ من حولها بأنها كذلك، وأخرج على السطح عفن الطائفية الراكد لسنوات حتى صدقنا انعدامه، كما كان سبباً رئيساً في مصائب كثيرين وهي التي غدت فوائد عند آخرين، كان يعتقد بأنهم من الأصدقاء، فتبرأ من الصداقة من تبرأ، وسخر من جراح من كان ملازماً لهم كظلهم من سخر، وما أكثر من جُرِحوا من أقرب الناس إليهم.

لقد مثل 14 فبراير ذاكرة بداية النضوج السياسي لفئات لا يستهان بها، فقرأت وتعلمت وفكرت وابتكرت وعملت في المجال، وكان بداية اهتمام آخرين بالعمل الحقوقي الذي كان لفترةٍ طويلةٍ حكراً على أسماء بعينها، كما كان مفجّراً لطاقات إبداعية مختلفة تنوّعت بتنوع مواقعها... طاقات في مجالات الكتابة والشعر والتصوير والتمثيل والإخراج والرسم والتشكيل والخزف والنجارة والإلقاء والتنظيم والإعلام والإحصاء والقيادة، وغيرها الكثير الكثير، فصار للرابع عشر من فبراير أصواتٌ للإبداع كما صار للدم والدمع.

ومع اقتراب موعده، تعالت أصوات الكراهية مجدداً، وتعالت أصوات التخوين والتهديد، وازدادت نقاط التفتيش والمركبات المدرعة المتجولة في الشوارع وتلك المتوقفة على الأرصفة بانتظار إشارة التحرك، والتي تنسيك أحياناً أنك لست في بلدٍ يعاني حرباً حقيقة، فتثبت في عقلك فكرة أنك في خطر يفد عليك من عدو خارجي غير موجود في الواقع.

مع اقتراب 14 فبراير، تتذكر أن التاريخ لم يعد تاريخاً للحب فقط، قد يُنتِج تبنيه صراعاً بين المتشددين من رجال الدين وأولئك الذين لا يرون في الاحتفال بالحب مشكلة، وتتذكر أنه صار تاريخاً يمرر شريط ذكريات كان لمواقف الحقد والتشفي والكراهية النصيب الأكبر منذ ثلاثة أعوام.