أكتب عن المرحوم جاسم بوشهري في أربعينية الصديق النبيل، والذي لا يفارقني خيالة خصوصاً عندما أذهب إلى الأماكن التي اعتدت أن ألقاه.
تعرفت على المرحوم جاسم بوشهري لأول مرة أثناء أول زيارة لي للولايات المتحدة في العام 1977، ثم تتالت زياراتي إلى تكساس، حيث كان يدرس جاسم في جامعة أرلنجتون، وحيث كان معظم طلبة البحرين يدرسون في جامعة أوستن خصوصاً بعد نقلهم من قبل وزارة التربية والتعليم إثر نشوب الحرب الأهلية في لبنان.
هناك شخصيات تترك انطباعاً لا ينمحي من الذاكرة منذ أول مرة تتعرف عليهم، ومنهم المرحوم جاسم حيث عُرف عنه وهو في سنوات الشباب الأولى، تحمّله المسئولية، والتفاني وخدمة الآخرين وإنكار الذات. كان هو من يستقبلني في المطار في تكساس، وكان هو المسئول عن النشاطات الاجتماعية للطلبة البحرينيين أولاً، ثم طلبة الخليج بعد تشكيل اتحاد طلبة الخليج في أميركا إلى جانب المرحوم راشد غلوم.
شخص ديناميكي لا يعرف المستحيل، شخص بشوش ومرح لكنه حازم. كان جاسم هو المسئول عن تنظيم الحفلات والرحلات، وقد شاركت في رحلتين طلابيتين انطلاقاً من أوستن بتكساس، الأولى إلى ولاية فلوريدا عبر لويزيانا، والثانية إلى كاليفورنيا عبر أريزونا. وقد صادفتنا متاعب بل ومخاطر في الرحلة الثانية، حيث هبّت عاصفة ثلجية، وشاهدنا العديد من السيارات المنقلبة على جوانب الطرق، وحوادث مميتة، لكنه بشخصيته الفذة، قاد مجموعة سيارات المرحلة بأمان. وكنت تراه في كل محطة يتفقد السيارات ويستفسر من ركابها عن طلباتهم. كنت دائماً أفضّل السكن معه في زياراتي إلى تكساس لما ألقاه من أُنسٍ معه. في ذات الوقت كان طالباً متفوقاً، وتخرّج كمهندس من جامعة أرلنجتون.
شخصية جاسم مركبة وغنية، فأصوله الإيرانية وتربيته البحرينية وانفتاحه على الآخرين، خلق منه شخصية مركبة، فهو يتحدث الإنجليزية والعربية والفارسية والهندية بطلاقة، وهو متفتحٌ وغير متعصب، ويتقبل الآخرين على ما فيهم من نقاط ضعف.
بعد تخرجه لم يسعَ إلى وظيفةٍ حكوميةٍ كالكثيرين، بل أنشأ مصنعاً للحديد المطاوع، وهو الأول في البحرين. وبدأ من الصفر ونجح أيّما نجاح، ليس كصناعي ولكن كفنان، فالأبواب والسلالم والشبابيك التي يضعها آيةٌ في الفن والجمال، فهو المهندس الفنان.
بعد رجوعي والعائلة إلى البحرين في 28 فبراير/ شباط 2001، كان بوشهري في استقبالنا نحن العائدين من دمشق مع المرحوم عبدالرحمن النعيمي (أبو أمل)، ومنها استأنفت علاقاتي معه. بعد أشهر من «المرمطة» في السكن، اقترح عليّ أن أنتقل إلى بيتٍ في مجمعه، وعندما لمس مني تردداً، ردّ بحزم: خلاص! يوم الجمعة أرسل لك سيارة الشحن، حيث كنت أسكن في بيت أخي د. رضي. وامتنع أن يأخذ مني إيجاراً لسنوات، حتى أقرّت لي وزارة التنمية الاجتماعية مع سائر العائدين 150 ديناراً بدل سكن.
في مجمع بوشهري، توثّفت العلاقات بين عائلتينا، عائلتي: أنا وزوجتي أفراح وابني منصور، وعائلة جاسم: زوجته منى الجابري وابنته بسمة وابنيه محمد وعلي.
وكنا نتناول الوجبات أحياناً معاً بالتناوب، ولا أنسى حبّه للخبز اليمني الذي تصنعه أم منصور. كما لن أنسى علاقات المحبة التي ربطتنا مع أم جاسم وأخوة جاسم، حسين وسلمان وعائلاتهم، ومنها تفرّعت علاقاتنا إلى عائلة الجابري بوشهري الممتدة.
إنجاز جاسم الكبير، مبنى «وعد» الشامخ في أم الحصم، والذي كان هو العقل المدبّر وراءه، والمسئول الأول عن بنائه وتجهيزه وتأثيثه، وقد تبرّع بالكثير من أجل إنجازه بالمال والجهد والمثابرة والتصميم، وكان حلماً وتحقق. كما يعود له الفضل في تأسيس نظام مالي راسخ لجمعية «وعد»، وإيجاد احتياطي مالي للجمعية، مكّنها من أن تكون مضيف جمعيات المعارضة والمجتمع المدني، والجمهور عموماً، حيث مقر «وعد» عنوان الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية، الوطنية والقومية، خصوصاً «ندوة الأربعاء»، موعد ثابت في روزنامة شعب البحرين وأصدقائه.
لكن جاسم، بعد أن أنجز بناء «وعد»، وكذلك إعادة ترميمه بعد إحراقه في مارس/ آذار 2011، وبعد أن أرسى نظاماً مالياً راسخاً، أصرّ على أن يتنحى كمسئول مالي في المكتب السياسي لـ «وعد» بعد دورتين، لكنه لم يتنحَ كمتطوعٍ لكلّ ما يرفد الجمعية بالمال والإمكانيات، فظلّ يقود حملات التبرع للجمعية، كما أنه تطوّع منذ 2012، كمدير قدير للجمعية.
وانعكس ذلك على أداء الجمعية الكبير، حيث يعتقد من لا يعرف جاسم و«وعد»، أن وراءها طاقماً كبيراً من الإداريين وآلاف الأعضاء، لكن الكفاءة الإدارية لجاسم والطاقم الإداري، وتفاني أعضاء «وعد» من القمة إلى القاعدة، هو السرّ وراء هذا الأداء، رغم أنه يمكن أن يتطور أكثر.
رحم الله جاسم، فقد توفي بعيداً عن أرض البحرين التي عشقها، لكن العزاء هو في هذا الحشد البحريني المتنوّع الذي شيّعه وواسى أسرته الصغيرة بوشهري وأسرته الكبيرة شعب البحرين.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4176 - الثلثاء 11 فبراير 2014م الموافق 11 ربيع الثاني 1435هـ
شيوم
الله يرحمة
الي الجنة
الله يرحمة
الكبير
الله يرحمه ويصبر اهله على فراقه
الفاتحة
والنعم كان اللة يرحمة طيب الاخلاق ومرح وكريم