الحافلات الحمراء المهلهلة والموثوقة وذات الطابقين تنطلق في شوارع العاصمة البريطانية، وهي من المعالم المألوفة التي لا تقل شهرة عن قصر باكنغهام وبرج ساعة بيغ بن.
ولكن جاء الآن «الباص الاعوج» - الحافلة المريحة الانيقة التي يسهل الصعود إليها بالكرسي النقال للمعوقين، وهي ذات طابق واحد.
ومع هذا الباص الجديد تأتي مخاوف جديدة ايضا بأن الحافلات الفطساء التي تدعى «Roadmasters» - «سيدة الطريق» - التي زينت صورة ألوف البطاقات البريدية والأفلام السينمائية والصور السياحية باتت في طريقها إلى مقابر سيارات الخردة (السكراب).
والخبر ليس بالجديد على اللندنيين، ومع ذلك لاتزال هناك 600 حافلة Doubledecker على طرقات المدينة، والنهاية قد لا تأتي قبل العام 2016، الحد النهائي للمهلة التي جددتها انظمة الاتحاد الاوروبي لجعل الباصات كافة في البلدان الاعضاء مزودة بمنصات خاصة تسهل صعود الركاب المعوقين بالكرسي النقال.
إلا ان اي تغيير في مظهر لندن من شأنه حتما ان يثير احتجاجاً في مكان ما، وتستثنى الباصات من ذلك.
ويقول العميد في متحف لندن للنقليات مايك اشوورت إن «الرودماسترز» هي إحدى ايقونات لندن. إنها واحدة من الاشكال القليلة للنقل العام في المدن التي يكن الناس عاطفة تجاهها. ولكنها على وشك ان تبلغ سن الاربعين من عمرها.
نزلت الباصات الدبلديكر إلى شوارع لندن في اواسط الخمسينات الماضية لتحل مكان الحافلات الكهربائية. وخلال السنوات الخمس عشرة التالية بلغ مجموعها حوالي ثلاثة الاف حافلة وكلها ذات منصة صعود ونزول ومراقبين يحرصون على قطع التذاكر بعد جلوس الراكب في مقعده.
وقال المحامي ديفيد وايتنغ الذي كان يركب الباص رقم 11 قرب ساحة ترافلغار: «هناك شيء فريد يتميز به هذا النوع من الباصات. على المستوى العملي هناك إمكان الصعود أو النزول متى شئت ولكن ثمة الجو الخاص - الرائحة ونظام التعليق والخشب وكل شيء».
اولى رياح التغيير هبت في مطلع الثمانينات بإنزال باصات دبلديكر اكبر حجماً واكثر سعة. وبدلاً من المراقب والمنصة في المؤخرة، يصعد الركاب من المنصة الامامية ويدفعون ثمن تذكرة الركوب للسائق. وظل صراخ واحتجاج دعاة المحافظة على القديم يسمع لوقت طويل. ولكن «الرودماسترز» بقيت وهي تشكل اليوم 10 في المئة من الحافلات العاملة في المدينة.
ويقول النقاد ان الحافلة القديمة صغيرة جداً ومقاعدها ضيقة للمواطنين الذين يزدادون سمنة، وان الجهة الخلفية المفتوحة وادراجها العالية ثم اندفاعها المفاجئ يجعل ركوبها خطراً في هذا الزمن الذي يركز كثيرا على السلامة.
ويشير المؤيدون إلى ان الرودماسترز مصممة خصيصا ومهندسة بطريقة تتناسب مع شوارع لندن الضيقة. ومن الناحية الميكانيكية فهي مبنية من اطر الالمنيوم القاسي وقطعها سهلة التصليح ومقتبسة جزئيا من بناء قاذفات القنابل في الحرب العالمية الثانية ما ساعد كثيرا على بقائها على الطريق لأكثر من أربعة عقود.
وقال رئيس «جمعية الرودماسترز» اندور مورغان: «لقد صمم لندنيون هذه الباصات من اجل لندن وهي تستطيع نظريا ان تدوم إلى ما لا نهاية».
الركاب «العملانيون» يقولون ان وجود مراقب يقطع تذاكر الركوب يسهل سير الباص اسرع من الحافلات التي يدفع فيها الراكب للسائق مباشرة.
وهناك ايضا ركاب شاعريون يتغنون بمحاسن الباص. ففي مقال كتبه عضو مجلس العموم والمراقب السابق على الباص ستيفن باوند، وصف الدبلديكر في مقال كتبه لصحيفة الغادريان» في ايلول/ سبتمبرالماضي، بـ «سفينة شراعية قرمزية خارجة من باب لندن».
إن احدث باصات الرودماسترز في لندن عمرها الآن 35 سنة، وكل التكهنات التي سرت عن اختفائها ثبت انها كانت سابقة لأوانها. ففي العام 1970 قالت دائرة النقل في لندن انها ستختفي في غضون عشر سنوات. وفي العام 1996 قالت انها ستذهب خلال خمس سنوات، وفي العام 1996 خلال ست سنوات.
وعندما رشح كين ليفنستون إلى منصب محافظ لندن وعد بالابقاء على الباصات القديمة اطول مدة ممكنة. وقد فاز ليفنغستون بالمنصب وتم شراء عدد من باصات الرودماسترز المستعملة وتم تجديدها واضيفت على الحافلات العاملة.
وفي سبتمبر الماضي انزلت اولى الباصات الجديدة إلى شوارع لندن. وذكرت الصحف ان هذه الباصات ستحل مكان الدبلديكر.
ولكن دائرة نقل لندن نفت الخبر وشددت على انها لا تنوي سحب الرودماسترز من الخدمة.
ويدرس المسئولون الوسائل الكفيلة بابقائها على الطرق، بما في ذلك تسييرها على خطوط موازية على الطرق نفسها مع الباصات الجديدة، أو ربما وضعها على «طرق تراثية»، مثل حافلات الكابل في سان فرانسيسكو.
ويأمل الكثير من اللندنيين في بقاء الباصات القديمة أكثر من عنصر لجذب السياح، يقول الراكب وايتنغ (المحامي): «يوم ذهابها سيكون يوماً حزيناً. إن الاشياء كهذه تطبع المدينة بشخصيتها ويجب التمسك بها»?
العدد 98 - الخميس 12 ديسمبر 2002م الموافق 07 شوال 1423هـ