الخبر يقول: «تعاقدت وزارة الصحة مع وفد طبي بريطاني رفيع المستوى من الاستشاريين للاستفادة من تجاربهم في تشخيص وعلاج مرضى السكلر» (صحيفة «الوسط»، العدد 4168 بتاريخ 4 فبراير 2014).

كلف المستر G. Lorimer، من قبل نائب الملك في بريطانيا العظمى اللورد كرزون في الهند العام 1903 لوضع كتاب أو موسوعة أسماها دليل الخليج طبعت العام 1904 في 19 جزءاً، نصفها تاريخي والنصف الآخر جغرافي، وذلك لدراسة أوضاع الساحل العربي والساحل الفارسي ومنطقة نجد سياسيّاً واجتماعيّاً.

وجد لوريمر هذا أن المنطقة تكثر فيها الحمير الجيدة وعددها يتجاوز مليوناً و400 ألف حمار، وخصوصاً في هضبة نجد - الإحساء والقطيف وجزر البحرين. وبعد عشر سنوات وعند بداية الحرب العالمية الأولى احتاج الإنجليز في الهند إلى بغال قوية لاستخدامها في مجهودهم الحربي لجر عربات المدفعية، فأرسل الخبراء لإخراج سلالة من إناث هذه الحمير بتزويجها أحصنة محلية، وإخراج بغال لهذه الغاية. والبغال لا تنجب فكل طاقاتها الجنسية تتحول إلى طاقات عضلية، وبذلك تتفوق على أمهاتها في القوة. وهكذا حُمل إلى الهند أكثر من 35 ألف بغل لمساعدة المجهود الحربي للدولة البهية للسيطرة على الهند والجوار.

فهذه حالنا مع الخبراء، حتى أن أحد أهالي عالي في ذلك الوقت وكان حكيماً، قال عندما رأى اهتمام الإنجليز بالحمير: «إن الخبراء الإنجليز قدِموا إلى البحرين لتعليمنا كيفية ركوب واستخدام الحمير، ونحن وأنتم ربيتم وناسلتم هذه الحمير لقرون». وفي تلك الأيام لم تكن السيارات و»البيك أب» قد توافرت. وهكذا أنهكت إناث الحمير وحملت بغالها للهند لخدمة المجهود الحربي البريطاني.

في البحرين والمنطقة الشرقية والرياض ومسقط، يتوفر من الأساتذة والمستشارين الأطباء الذين قدَّموا دراسات بحثية وعلاجية عن مرض السكلر (الانيميا أو فقر الدم المنجلي) خلال العقود الثلاثة الماضية، وهي دراسات اعتمد عليها أساتذة وأطباء أوروبا، خصوصاً بريطانيا في معرفة أساليب علاج المرض وطرق الحد من مضاعفاته والوقاية منه.

- الأستاذ الاستشاري الدكتور سلمان الكندي من عمان.

- الأستاذ الاستشاري الدكتور سلطان عبدالرحمن السلطان من السعودية.

- الأستاذ الاستشاري الدكتور محسن الحازمي – الرياض، السعودية.

- الأستاذ الاستشاري الدكتور العوامي - المنطقة الشرقية السعودية.

أما من البحرين فإن الباحثين والأطباء الذين يقدمون خدماتهم البحثية والعلاجية لمواطني مملكة البحرين، هم د. شيخة العريض، د. أماني الهاجري، د. جميلة السلمان، د. زينب الجفيري، د. عبدالله العجيمي، د. خالد شريف، د. نجاة مهدي، د. حسين المخرق، د. سناء الخواجة. كل هؤلاء ساهموا في إنجاح «مؤتمر السكلر»، ويقومون بإجراء البحوث وعلاج مرضى السكلر كل في تخصصه.

كل هؤلاء في دول الخليج العربي ومملكة البحرين لم يملأوا عيون الطاقم الإداري الذي يدير وزارة الصحة للاستفادة من خبراتهم في إدارة مركز أمراض الدم الوراثية في مجمع السلمانية الطبي. هؤلاء الأطباء والاستشاريون وغيرهم من دول الخليج العاملون في المجال الصحي هم من قدّم دراسات وبحوثاً في المؤتمر الذي عقد في البحرين وتحت رعاية الأمير الشيخ خليفة بن سلمان في الفترة 5-7 فبراير/ شباط 2013، وقد استفاد من بحوثهم ودراساتهم هؤلاء الخبراء الذين استقدمتهم وزارة الصحة، وغيرهم من أطباء أوروبا وذلك لسبب بسيط هو أن هذا المرض مستوطن في هذه المنطقة في حين لا تتجاوز نسبة الإصابة به في بريطانيا 0.2 في المئة، معظم المصابين به من المهاجرين إلى بريطانيا من هذه المنطقة أو من إفريقيا أو أميركا اللاتينية.

فبدل من أن نرسل نحن أطباءنا وأساتذتنا إلى بلدان أوروبا والعالم ليستفيدوا من الخبرة التي اكتسبها الطبيب الخليجي، تبرز عقدة النقص عند الإداريين الذين أوكلوا بإدارة وزارة الصحة حالياً -عقدة النقص وعقدة الاستئصال تستدعيهم لجلب خبراء من بريطانيا- في حين أن هؤلاء الخبراء والاستشاريين القادمين من أوروبا لم يعالجوا عُشر المرضى الذين يتعرض لمعالجتهم أطباء المنطقة.

كل ما سيقوم به هؤلاء الخبراء الذين استجلبتهم وزارة الصحة، هو وضع كتب طبية ودراسات ستنسب إليهم لتقدم إلى جامعاتهم وتدرس عن هذا المرض، وهذه الدراسات والبحوث هي جهود غيرهم في دول الخليج العربي.

فكلما استفاد الإنجليز سابقاً من إناث حمير البحرين وأنسلوا منها بغالاً لخدمة مجهودهم الحربي للسيطرة على القارة الهندية «فعفوك عفوك» (عبارة تكرّر عند تشييع الجنازة أو إنزالها إلى القبر عند حدوث ضرر غير المقصود بالجثة)، أقول للطاقم الإداري الذي يدير وزارة الصحة حالياً: عودوا إلى مواقعكم السابقة فقد وجدتموها فرصة للاستيلاء على مفاصل إدارة وزارة الصحة بعد الأحداث الأليمة التي مرت بها البحرين منذ ثلاث سنوات... أقول لكم كما قلت سابقاً «ما هكذا تورد يا سعد الإبل».

فدعوة مخلصة لكم اتركوا أهل مكة، فهم أدرى بشعابها، وأعيدوا الطاقم المدني والطبي الذي كان يدير هذا الصرح الطبي ووزارة الصحة منذ قرن بكفاءة واقتدار. فنتائج إدارتكم لهذه الوزارة خلال السنوات الثلاث الماضية، أثمرت توقف أو تعطل البرامج الرائدة التي عمل على إنجاحها أجيال مثل مشروع زراعة الأعضاء وزراعة القوقعة، وعلاج مرضى السكلر وعلاج مرضى السرطان. حيث زادت نسبة الوفيات في السنوات الأخيرة نتيجة التخبط في أخذ القرارات، ونتيجة لإحلال طواقم وخبراء ومستشارين أقل كفاءةً ومن بلدان أجنبية مقارنة بأطباء وعاملين صحيين وهيئات تمريضية وطنية في مملكة البحرين.