العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ

بياض يستحيل سواداً... بياض يضيء السواد

ورشة الجرافيك... الحفر الجاف في البارح للفنون

بإشراف الفنان السوداني القدير محمد عمر خليل، وعلى مدى أربعة أيام كانت جميلة ولذيذة ولطيفة، نظمت صالة البارح للفنون التشكيلية ورشة في فن الجرافيك في الفترة من 22 حتى 25 يناير/ كانون الثاني 2014، تخصصت في تقنية الحفر الجاف Dry Point على المعدن. شارك فيها ما يقارب عشرين فنانة وفناناً من البحرين وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية.

الورش المتخصصة في مجال فنون الجرافيك التقليدية، وهنا نشدد على قول الطباعة التقليدية حتى لا تحسب الطرق الجديدة من ضمنها، جرافيك الكمبيوتر مثلاً، جدّاً شحيحة ولربما تكون غائبة من معجم الفنون البصرية في بعض البلدان العربية، ومرجع ذلك قلة الفنانين الدارسين والمتخصصين في هذا المجال وغياب المعاهد المختصة وعدم توافر أقسام لها في بعض أكاديميات الفنون الجميلة، وقلة الإمكانات التي تتطلبها ممارسة هذا النوع من الفنون، كالمكابس وهي الأساس الأول والمعادن والأمكنة المهيأة لذلك وتبعاتها المتبقية، ناهيك عن سبب واضح وفاضح والمتمثل في عدم دراية هذه المجتمعات بأهمية ودور فنون الجرافيك على الصعيد الفني والاجتماعي والاقتصادي والجمالي أيضاً، وعدم الدراية هذه تنسحب أيضاً على شريحة كبيرة من الفنانين وهم أبناء حقل الفن.

ألم يقل لي ذات يوم حين حاورته في ألمانيا الفنان السوري الراحل برهان الدين كركوتلي في محبته ورغبته في انتشار فنون الجرافيك «كنت أحلم أن يكون لي حماراً أضع عليه أعمالي الجرافيكية وأعرضها للناس في كل قرى ومدن سورية». كان مجرد حلم لم يتحقق أبداً؛ لأن صاحبه ودع هذه الحياة ولم ير وطنه سورية منذ أن غادرها.

حلم انتشار الفنون سمة شاخصة غالباً ما يراود فناني الجرافيك في أغلب دول العالم، المرحوم الفنان رافع الناصري، أحمد نوار، عبدالجبار الغضبان، مظهر أحمد في الوطن العربي مثالاً وغيرهم الكثير. وهاهو الفنان محمد عمر خليل يتصدى لدورة في فن الجرافيك (الحفر الجاف Dry Point) بمعاونة لافتة وحضور جميل للفنان الجرافيكي المصري أحمد إمام، بغية التعريف بتقنية من تقنيات الحفر على المعدن وتعليمه، ونشر ثقافة ممارسته من قبل الفنانين، وإطلاع جمهور متلقي الفنون عليه وعلى تقنياته.

أما ما سبب اختيار هذه التقنية، هذا النوع من الحفر؟

ظني أن قصر مدة الورشة، أربعة أيام فقط، ناهيك عن عدد المشاركين الذي قارب العشرين فنانة وفناناً. الأمر الآخر والأهم المتمثل في السحر الخلاق التي تمتاز به هذه التقنية حيث يبدأ الفنان عمله رسماً وتنفيذاً باللونين الأسود والأبيض فقط إلى أن يتلاشي بعد عدة طبعات حيث يقف الفنان على آخر نتيجة يتوصل لها ثم يطبع بعدها ما يشاء منها من نسخ مرقمة، ثم يبدأ بعدها تدريجيا بإخفاء بعض عناصر رسمه/ تكوينه، حتى يصل حد الإخفاء أي الوصول إلى نقطة السواد العليا حيث القتامة الكاملة. وتتأتي معرفة صواب هذه النتيجة القيام بالطباعة. ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي استرجاع ما يرغب فيه الفنان من رسمه الأول تبييضاً، أي استخراج البياض من رحم هذا السواد القاتم الأخاذ بآلة التمليس.

ومن أسباب اختيار الفنان عمر خليل هذه التقنية هو الجانب الصحي وجانب الأمان أيضاً حيث لا روائح لماء النار (حامض النتريك) ولا أبخرة خطرة. ربما يصعب تفادي ذلك من قبل فنانين لم يختبروا الاشتغال في هذا المجال. فيما لو أراد تنظيم ورشة تقوم على تعليم الحفر بواسطة الحمض مثلاً.

عموماً الورشة بحضور فنان قدير وهب خمسين سنة من عمره في سبيل وخدمة فن الجرافيك ممارساً ومدرساً كمحمد عمر خليل، ومشاركة هذا العدد الطيب من الفنانات والفنانين من أجيال فنية وخبرات متباينة ومختلفة أضفت جوّاً مليئاً بالحيوية، جوا من تحدي الذات ولاسيما لمن كان يشتغل ويجرب هذا النوع من الفن لأول مرة. جوّاً من نسج علاقات اجتماعية وفنية جديدة، جوّاً من التعرف والانفتاح على عالم جديد من عوالم الفنون البصرية واسعة الانتشار عالميّاً، وتقنية من تقنيات فنون الجرافيك / الطباعة على معدن الزنك، جوّاً جعل أبواب السؤال مشرعة على كل الفنون. لماذا فن الجرافيك؟، وهل نحن بالفعل بحاجة إلى مثل هذا الفن المتغلغل في كل مجالات حياتنا اليومية؟

العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:12 ص

      شكرا عباس

      شكرا عباس يوسف على هذه المادة الرائعة فعلا.. ونحن بحاجة لمقالات كهذه بفتح على فنون مازالت في الظل.. أو ربما أكثرها.. وفنان مثل محمد خليل عمر يستحق هذا التقدير فهو لا يبخل على سائله بشيء حتى لو لم يعرفه.. شكرا صديقي

اقرأ ايضاً