العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ

البحرين في الحقبة الإسلامية المبكرة

 يعتبر موقع قلعة البحرين من أهم المواقع التي أقيمت فيها المراكز الرئيسية للاستيطان في جزيرة البحرين الكبرى، إلا أن المدينة الخامسة التي تعود إلى الحقبة الهلنستية توقف الاستيطان بها قرابة العام 400م (Andersen 2007, p. 99). ولم يعد الاستيطان إلى هذه المنطقة إلا في العصور الإسلامية الوسطى (Frifelt 2001, p. 35). إضافة إلى ذلك تقلصت مواقع آثار الحقبة ما بين العامين 400 و 700م إلى أربعة مواقع أثرية فقط بعد أن كانت قرابة عشرين موقعاً (Andersen 2007, p. 227).
في المقابل، وبالتزامن مع هجران المدينة الخامسة في موقع رأس القلعة، بدأ ظهور اسم جزيرة مشماهيج أو سماهيج، أي جزيرة المحرق حاليّاً.
جزيرة سماهيج والمذهب النسطوري
الدراسات الآثارية في جزيرة المحرق لم تُظهر أي دليل آثاري يدل على وجود الديانة المسيحية فيها قبل الإسلام، إلا أن تلك الدراسات تشير بوضوح إلى وجود استيطان على جزيرة المحرق في العديد من المواقع والذي يبدأ من حقبة قبل الإسلام، وغالبيتها يعود إلى القرنين السابع والثامن الميلاديين، ومنها ما يشير إلى الاستيطان في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (Carter and Naranjo-Santana 2011, pp. 39-40).
هذه الكشوفات الآثارية تعزز الروايات التاريخية عن جزيرة سماهيج؛ حيث ورد ذكر مشماهيج أي سماهيج في محاضر مجمع العام 410م، والذي يمكن استنتاجه من هذا المحضر أن ثمة ديراً بني في جزيرة سماهيج قبل العام 410م (بوتس 2003، ج2 ص1019 - 1020).
وهناك العديد من الأحداث التي حدثت للمجتمع النسطوري في البحرين ذكرناها مفصلة في سلسلة تاريخ الديانة المسيحية النسطورية في البحرين التي نشرت سابقاً في الوسط (ديسمبر/ كانون الأول 2010). وقد أوضحنا في تلك السلسلة بداية تكون المجتمع النسطوري ومن ثم اضمحلاله بعد القرن السابع الميلادي. ولا تتوافر إلا معلومات ضئيلة جدّاً عن المصير الذي آل إليه هذا المجتمع، وقد حدد بعض الباحثين فترة اندثار المجتمع المسيحي في البحرين في بداية القرن الثامن أو في نهاية القرن التاسع الميلادي (Beaucamp et Robin 1983).
مواقع الاستيطان الإسلامية المبكرة
في جزيرة البحرين الكبرى فإن أقدم المواقع، التي ثبت من خلال الدراسات الآثارية أنها استوطنت في الحقبة الإسلامية المبكرة، هي ثلاثة مواقع يعود تاريخ استيطانها إلى منتصف القرن الثامن الميلادي، وهي: البلاد القديم وقرية كشف عن موقعها في قرية عالي، وكذلك مواقع بين قريتي باربار والدراز منها موقع معابد باربار الذي تمت إعادة استيطانه. ومن بين هذه المناطق الثلاث، فقط منطقة البلاد القديم نمت وازدهرت وتحولت إلى مركز تجاري رئيسي في المنطقة، وذلك بعد منتصف القرن الثامن الميلادي، وسنتناول تفاصيل كل منطقة في الفصول اللاحقة.
ويجب التنويه هنا إلى أن وجود آثار في هذه المناطق الثلاث فقط، لا يعني بالضرورة أنها الوحيدة التي كانت مستوطنة، حيث لم يتم البحث عن المواقع الأثرية الإسلامية في البحرين بصورة دقيقة. ومن خلال دراسة Larsen لتوزيع المواقع الأثرية في البحرين وتحديد تاريخها، يلاحظ، أن المواقع التي عثر فيها على آثار في الحقبة الهلنستية اختفت في الحقبة الإسلامية المبكرة، لكنها عادت إلى الظهور في بداية الحقبة الإسلامية المتوسطة. ويرجح أن كثافة الاستيطان وإعادة استعمال الأراضي من أهم الأسباب التي أدت إلى اختفاء الآثار المبكرة.
أوال وبداية دخول الإسلام
لا يوجد تاريخ محدد لبداية دخول الإسلام لجزر البحرين، لكن توجد ترجيحات؛ فقد تطرق إلى هذا الموضوع كل من بيوكامب وروبن في بحثهما عن نساطرة البحرين ويبدو أن تحليلهما لهذا الموضوع هو الأقرب للمنطق؛ حيث حددا دخول جيوش المسلمين إلى أوال ما بين تاريخ دخول جيوش المسلمين جزيرة دارين في قرابة العام 13 للهجرة (حدود 635م)، ودخولهم فارس في العام 19هـ (640م)، وقد حدثت هذه الغزوة لفارس بعد إخضاع عمان والبحرين إخضاعاً تامّاً، وإن صمت المصادر عن دخول الجيوش إلى أوال يوحي بأن ذلك قد تم من دون مكاسب عسكرية ومن دون عنف، ويبدو أنه من المستبعد حدوث مقاومة في أوال بعد بناء الأسطول الإسلامي وانتهاء إمكانية الحصول على مساعدة من جانب فارس (Beaucamp et Robin 1983).
في سلسلتنا حول الحقبة الهلنستية ذكرنا أنه من المرجح أن جيش المسلمين ربما دخل جزيرة أوال في العام 640م، إلا أن المؤرخين لم يذكروا جزيرة أوال باسمها بل باسم «ابن كاوان» أو كاڤان. وملخص تلك القصة هي أن عثمان بن أبي العاص الثقفي والي البحرين استطاع أن يكون جيشاً من قبيلة عبدالقيس والقبائل الأخرى في البحرين وخرج بهذا الجيش في سنة 19 هجرية (640 ميلادي) وقيل إنه لم يخرج بنفسه بالجيش بل بعث آخاه الحكم قائداً عليه وافتتح جزيرة ابن كاوان وبنى فيها مسجداً وأسكن فيها من قبيلة عبد قيس.
وقد رجحنا أن أوال كانت تعرف باسم ابن كافان اعتماداً على خرائط الإدريسي، وكلام بعض المتقدمين التي تشير إلى أن ابن كاوان إحدى جزر البحرين، وقد بقي الاسم حتى يومنا هذا محرفاً ومختزلاً في اسم إحدى قرى جزيرة النبيه صالح وهي «كافلان». فقد جاء في كتاب تاريخ الطبري (دار الكتب العلمية 1407هجرية: ج3 ص 518) أن الجارود بن المعلى العبدي كان من جزيرة ابن كاوان. وكذلك ذكر ابن حجر (ت 852هـ/1448م) في كتابه (الإصابة) (دار الجيل 1992: ج 3 ص 461): «أن المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين وقيل إلى جزيرة ابن كافان فمات بها».
وهذا الترجيح ذاته ساقه فضل العماري في سياق حديثه عن دخول الإسلام جزيرة أوال، إلا أنه اقتطع جزءاً من الرواية حيث قال:
«ولعلها فتحت في عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه... كقول المسعودي «جزيرة أوال افتتحها عمرو بن العاص فمسجده إلى هذه الغاية»، وربما يقصد عمرو بن العاص، فمسجده، مسجد الخميس هناك، ولعل المقصود عثمان بن أبي العاص كقول المسعودي: ولعل ما يثبت هذا أن بقرية (عسكر) فيها، قبر صعصعة بن صوحان العبدي الذي نفاه معاوية بن أبي سفيان إليها» (العماري 2009, الواحة العدد 53).
ونص المسعودي «جزيرة بني كاوان، وقد كان افتتحها عمرو بن العاص، وفيها مسجده» (دار الفكر، 1973، ص 111)، أي أنه ذكر جزيرة ابن كاوان وليس أوال، وقد صحح العماري اسم الفاتح، لكنه لم يذكر اسم جزيرة ابن كاوان بل ذكر جزيرة أوال عوضاً عنها. وأيّاً يكن الخطأ في النقل، فقد شاع هذا الترجيح وبني عليه أن المسجد الذي بني في 19 هجرية هو مسجد الخميس. هذا الترجيح يستلزم أن تكون منطقة البلاد القديم أسست قبل هذا التاريخ، إلا أن البحوث الآثارية تثبت غير ذلك. يتبع.

العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً